هل يمكن أن نشاهد علاقات بين مصر وتركيا.. عن دبلوماسية بيانات الفيسبوك

عدد القراءات
2,397
عربي بوست
تم النشر: 2020/02/24 الساعة 17:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/02/25 الساعة 17:31 بتوقيت غرينتش
رجب طيب أردوغان وعبد الفتاح السيسي

لم أندهش كثيراً من رد عمرو موسى، الدبلوماسي المصري المخضرم ووزير الخارجية المصري الأسبق، على سؤال عمرو أديب في قناة "إم بي سي مصر" السعودية بخصوص العلاقات المصرية التركية في الوقت الحالي. ردُّ عمرو موسى عكَس بشكل واضح خبراته الدبلوماسية الطويلة يوم أن كانت لمصر دبلوماسية حقيقية، عندما قال: "أنا أتحدث عن دولة مصر ودولة تركيا"، يجب أن تكون هناك علاقات بينهما، ثم تطرق إلى الأزمات الحالية، وهنا لمعت عينا عمرو أديب، فها هو سيتحدث عن الإخوان المسلمين المطارَدين هناك وعن الإعلام المصري المعارض في إسطنبول، ولكن عمرو موسى ذهب إلى قضية حقيقية تستدعي خلافاً بين البلدين وهي الأزمة الليبية، وقال: "يجب حل هذه الأزمة وإيجاد تسوية حقيقية لها".

عمرو موسى تاريخ طويل من الدبلوماسية المصرية والعربية، فالرجل الذي شغل منصب وزير الخارجية المصري عشر سنوات كاملة من 1991 إلى 2001، ثم أميناً عاماً للجامعة العربية منذ 2001 وحتى 2011، قد تعلَّم أصول الدبلوماسية طيلة سنوات عمله، منذ التحاقه بالسلك الدبلوماسي في خمسينيات القرن الماضي، ويعلم جيداً أن وزارة الخارجية لا تدار بالعواطف أو بسياسة المكايدة التي انحدرت إليها الدبلوماسية المصرية في السنوات الست الماضية.

عندما تقرأ في التاريخ الدبلوماسي المصري وتتعمق فيما نُشر من مذكرات لوزراء خارجية مصر السابقين عبر عقود، ستجد أننا نعيش زمناً مسخاً من الدبلوماسية المصرية، تحولت فيها وزارة الخارجية المصرية إلى صفحة على موقع فيسبوك، تصدر بيانات احتجاج وبيانات مكايدة، وأخرى مخزية لا تعكس حجم وصورة وتأثير الدور الذي لعبته الخارجية المصرية على مدار عقود.

إذا ما عقدنا مقارنة بسيطة داخل عائلة مصرية لها تاريخ طويل داخل العمل الدبلوماسي، فستجد أن الفجوة بين تعامل الأب والابن مع مفهوم ودور وزير الخارجية مثل الفجوة في الممارسة الديمقراطية بين مصر وأي دولة أوروبية، الأب هو إسماعيل فهمي الذي شغل منصب وزير الخارجية المصري منذ 31 أكتوبر/تشرين الأول 1973، واستمر فيه حتى 17 نوفمبر/تشرين الثاني 1977، أي إلى ما قبل زيارة السادات لإسرائيل بيومين، استقال من منصبه؛ اعتراضاً على ما سماه "السياسة المتفردة" بالقرار من قِبل رئيس الجمهورية، وهذا ما ذكره في مذكراته التي نشرها بعنوان "التفاوض من أجل السلام في الشرق الأوسط". أما الابن، فهو نبيل فهمي، وزير الخارجية المصري السابق بعد الانقلاب العسكري والذي كان مثالاً صارخاً لانحدار دور ومفهوم وتأثير وزير الخارجية المصري. في أحد التسريبات الصوتية التي أذعتُها في فترة عملي بقناة "مكملين" الفضائية، مارس/آذار 2015، كان الفريق محمود حجازي، رئيس الأركان، يتحدث مع اللواء عباس كامل مدير مكتب السيسي في ذاك التوقيت، حول حضور وزير الخارجية نبيل فهمي أحد المؤتمرات المنعقدة في الإمارت، قائلاً: "أنا أخبرت نبيل فهمي وزير الخارجية بأن يعطيني خارطة بتحركاته الشخصية للخارج حتى نعتمدها قبل سفره، وأخبرته لو أنك قائد كتيبة فأنا هنا قائد اللواء"، في إشارة إلى أن عضو المجلس العسكري ورئيس الأركان أعلى منصباً وأكثر تأثيراً من وزير الخارجية، وهذه مجرد عينة بسيطة كاشفة لقيمة وزير الخارجية سابقاً، وكيف أصبحت مع النظام الحالي.

مقاربة أخرى بين عامين، في عام 1977 كانت وزارة الخارجية المصرية على موعد مع بركان دبلوماسي سينفجر في وجه أعلى رأس في الدولة؛ اعتراضاً على سياساته وزيارته لإسرائيل، الأزمة بدأت مع استقالة إسماعيل فهمي؛ اعتراضاً على زيارة السادات لإسرائيل، ثم جاء خلفه الوزير محمد رياض، الذي لم يشغل منصبه إلا ثلاث ساعات فقط! فبعد إعلان التلفزيون الرسمي تعيينه، أمر السادات نائبه حسني مبارك بلقاء وزير الخارجية الجديد؛ للاتفاق على ترتيبات الزيارة لإسرائيل، وعندما التقاه مبارك قال له رياض إن لديه بعض الاستفسارات عن الزيارة، فاعتبره مبارك أنه يرفض الزيارة فتركه وغادر الغرفة، بعدها بشهر تم تعيين الوزير إبراهيم كامل، الذي كتب في كتابه "السلام الضائع في اتفاقية كامب ديفيد": "وصلت إلى نهاية المطاف ولا بد من اتخاذ قرار حاسم بالنسبة لموقفي من السادات، فقد استنفدت كل جهدي وبذلك أكثر من طاقتي؛ في محاولة الحفاظ على موقفنا من التآكل". وعن المشكلة التي دفعته إلى اتخاذ هذا القرار، كتب: "المشكلة ليست في الموقف الإسرائيلي المتشدد ولا الخنوع الأمريكي لإسرائيل، وإنما المشكلة الحقيقية في الرئيس السادات نفسه، فقد استسلم للرئيس كارتر تماماً، بينما استسلم الأخير بدوره لمناحم بيغن".

هكذا كان وزراء خارجية مصر لهم حضور واحترام لمواقفهم وآرائهم، واستعداد تام لمواجهة رئيس الجمهورية بهذه القناعات وتلك الأفكار ولو كلفهم الأمر استقالتهم. الأمر -على ما يبدو- اختلف تماماً في 2020، ومع إعلان الرئيس الأمريكي لـ "صفقة القرن" وما نشره "مدى مصر" من تعديل كامل لبيان وزارة الخارجية المصرية من قِبل رئاسة الجمهورية دون اعتراض أو تحفُّظ من سامح شكري، ونشره كما أرادت الرئاسة.

في 1984، تولى مسؤولية وزارة الخارجية المصرية الدكتور أحمد عصمت عبدالمجيد، واستمر حتى عام 1991، وكانت مسؤوليته ثقيلة للغاية، ومهمته شبه مستحيلة مع مقاطعة أغلب الدول العربية لمصر بعد اتفاقية كامب ديفيد، واستطاع الرجل رويداً رويداً أن يعيد مصر لمحيطها العربي مرة أخرى. على النقيض تماماً تجد سامح شكري، وزير الخارجية الحالي، يطارد ميكرفون قناة الجزيرة كأن ثأراً قديماً بينهما! وتجد الخطاب الدبلوماسي المصري في بيانات الوزارة الرسمية تجاه قطر على سبيل المثال، في أزمة حصارها الأخير، أو فيما يتعلق بالخلاف مع تركيا، لا يقترب من الدبلوماسية من قريب أو بعيد، حيث يتبنى خطاباً صفرياً معادياً على طول الخط.

احترت كثيراً في طريقة إنهاء هذا المقال، فلم أجد أفضل من جملة سامح شكري الخالدة: "End of text".

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أسامة جاويش
مذيع بقناة الحوار
مذيع بقناة الحوار