أيام وتصطبغ الطرقات باللون الأحمر، كل شيء سيتحول إلى ذلك اللون، المحال والطرقات حتى الأشخاص، وكأن أحدهم توجه إلى لوحة الإعدادات واختار هذا اللون، والناس جميعهم ينتظرون ذلك اليوم ليعبروا عن مشاعرهم؛ نحن أيضاً على موعد مع اللون الأحمر، بيد أنا نرجو من الله ألا نراه.
كآبة شديدة تظهر على المكان، أبوابه جدرانه، لم أعرف سبباً لهذه الكآبة، تبددت هذه الجهالة سريعاً، وعلمت في اليوم التالي أن دخولي صادف اليوم الذي تم فيه تنفيذ حكم الإعدام بحق أربعة أشخاص.
قدر الله لي البراءة ومنحني الحرية، لكن قبل خروجي ولحاجة بيني وبين ضابط المباحث قال لي: "ما تبقى لك من وقت في السجن وإن كان ساعة أو يوم ستقضيه في التأديب"، أُخذت إلى العنبر الآخر، ونفذت من باب أسود إلى ساحة مظلمة، تبينت لوحة مكتوب عليها عنبر المخصوص، مرت في جسدي رعشة كمن يقترف ذنباً لأول مرة، لولا أن ثبتني الله لخارت قواي.
الوقت يمر بصعوبة شديدة أو يكاد لا يمر، صيحة شديدة رجت المكان، بعد قليل تدقيق تبينت حقيقة الصوت، بعض الشباب قرروا أن يقضوا وقتهم ويتسلوا غير آبهين لما أقدموا عليه من جرم، فقد نسوا أو تناسوا أنهم في عنبر المخصوص.
صوت زاجر شديد حسبته من السجان أخمد هذه الضوضاء التي بدأت أو كادت أن تبدأ لكن تخميني أخطأ فقد كان هذا أحد المحكوم عليه بالإعدام، عاب على الشباب فعلهم ولقنهم بعض السباب والشتائم ثم عاد الصمت يسود المكان من جديد، مرت الليلة ولا أدري كيف مرت؟ كلما ألجأت ظهري إلى الجدار لسعني البرد، فقمت مفزوعاً، لا أستطيع الجلوس، ولا أقوى على النوم، والوقوف فيه مشقة، كانت مشكلتي أني فتى مفروق العظم.
في اليوم التالي أتت الترحيلة، وخرجت من السجن ومعي حكايات أولئك الذين أعدموا أو كادوا. علمت بعد خروجي أن أحدهم يدعى خالد عسكر ومعه مجموعة من الشباب قد أحيلت أوراقهم إلى المفتي، لم تمر سوى شهور وتم تأكيد الحكم عليهم، اطلعت على رسائله لأمه، ورسائل أمه إليه، أخبرتنا أمه أن إدارة السجن زيادة في القهر أعطتها قماشاً أحمر، وأمرتها بحياكة بدلة الإعدام لولدها خالد.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.