سطور طويلة لكنها ذهبية لأن كل حرف فيها له ثمن كبير، فالمتحدث هو المدرب الفلسفي ماسيميليانو أليغري في حواره مع ليكيب الفرنسية، وقمت بترجمته لكم.. استمتعوا.
- هل يمكن للمرء أن يصبح مدرباً جيداً من خلال قراءة كتابك؟
أليغري: (يضحك) على مدى السنوات الخمس الأخيرة في يوفنتوس، كنت أكتب أفكاراً في غالب الأحيان. أشياء كنت أفكر فيها، خاصة فيما يخص الأمور الإدارية. أما أن أكتب كتاباً حول التكتيك وفنون التدريب، ما كنت لأقوم به أبداً، لأن هناك مليار مدرب لديهم معرفة أكثر مني في هذا المجال. لكنني أردت أن أكتب عن الموارد البشرية التي تصنع الفارق بالنسبة للمدرب.
- الموارد البشرية.. هل هي الأهم؟
أليغري: نعم، لأن كافة المواسم مختلفة عن بعضها البعض. ولأن الأندية تطورت كثيراً في الثلاثين عاماً الأخيرة. هناك شبكات التواصل الاجتماعي أيضاً التي تغير الكثير من الأشياء، لا يمكن للمدرب أن يهتم فقط بالميدان والأمور الفنية. الأمر أكثر تعقيداً بكثير من ذلك. من قبل، كان لديك 14 أو 15 لاعباً، أخصائي علاج طبيعي، ومعد واحد، والآن يوجد 7 أخصائيين في العلاج الطبيعي، 3 أطباء، و8 معدين، ومحللو الفيديو، عندما يكون لدينا اجتماع، يكون عدد أفراد الطاقم أكثر من عدد اللاعبين. لذلك يجب أن نسعى لجعل مدربي المستقبل يفهمون أنهم لا يجب أن يتوقفوا عند الميدان، إنه جانب مهم ولكنه ليس حاسماً.
- إذا كان الميدان ليس حاسماً، فما الذي يحسم الأمور؟
أليغري: أنت تمنح التنظيم لفريقٍ، نعم، ولكن اللاعبين من يفوزون بالمباراة.
مدرّبٌ يسجل من دكة البدلاء، لم يسبق وأن رأيت ذلك. هذا لا يعني أنني لا أعمل طوال الأسبوع. عليك منح فريقك تنظيماً لكن لا يمكنك تخيل الفوز بالمباراة بفضل رسم تكتيكي. مهنتنا تكمن في وضع اللاعبين في أفضل الظروف. وهذا لا يرتبط فقط بالميدان، وإنما بالعلاقات التي تربطك بهم، أن تفهم فريقك وتشعر بالحالة التي يوجد فيها.
- هل تطورت مهنة المدرب مع الوقت؟
أليغري: كرة القدم تطورت وتغيرت بسبب شيئين: الأول، حقوق البث التي جلبت المزيد من الأموال للأندية مما زاد من المنافسة. والثاني، هو عندما مُنع حراس المرمى من إمساك التمريرة باليد. لذلك، قبل ربع ساعة من النهاية، يمكن أن تتغير نتائج المباريات، ولأننا لم نعد نلعب بـ11 لاعباً وإنما بـ14.
اللاعبون الذين يدخلون كبدلاء يصبحون أكثر أهمية تقريباً من الأساسيين. هذان الأمران غيَّرا كل شيء. قبل ثلاثين عاماً، 3 أو 4 أندية، الأغنى، تشتري أفضل اللاعبين. اليوم عدد هذه الأندية هو 11 وربما 12. انظروا ما يحدث في البريميرليغ، كل الفرق قادرة على شراء لاعب قيمته 50 مليون يورو.
- ولكن هل تختلف مهنة المدرب، في كالياري (الذي دربه بين 2008 و2010) عن ذات المهنة في يوفنتوس؟
أليغري: الأمر مختلف لأن في يوفنتوس، أنت مطالب بالفوز بكل شيء، بينما في كالياري عليك البقاء في الدوري. لكن في الحالتين، عليك أن تقوم بأفضل ما يمكنك القيام به، مع ما تملكه من لاعبين. اليوم، من الصعب جلب اللاعبين الذين تريدهم، لأن هناك منافسة أكبر على ضمهم. والمدرب يجب دائماً أن يتعامل مع ما لديه من أدوات.
- قلت "وضع اللاعبين في أفضل الظروف"، هل يعني ذلك وضعهم في خطة تكتيكية تشعرهم بالراحة؟
أليغري: يجب أن يكون لديك تنظيم دفاعي جيد، ولكن في الثلاثين متراً الأخيرة، اللاعب هو من يقرر. تمريرة، مراوغة، تسديدة، هو الذي يقرر. في آخر عشرين متراً من الملعب، عندما يكون لديك 20 لاعباً من بينهم 10 خصوم، لا يمكنك أن تتخيل أن الرسم التكتيكي هو ما سيجعلك تسجل هدفاً. نعم، يمكنك العمل على طلب الكرة من متوسط الميدان، ولكن اللاعب هو من يقرر ذلك دائماً.
- هل التكيف مع لاعبيك أساس المهنة؟
أليغري: بقيت 5 سنوات في يوفنتوس ولمدة 5 سنوات فعلت أشياء مختلفة. لأن لدي لاعبون بخصائص مختلفة، لكنني كنت دائماً مطالباً بالفوز. يمكنك اللعب مع لاعبَي ارتكاز، ارتكاز واحد أو حتى ثلاثة، مهاجمين اثنين أو مهاجم واحد، كل ذلك مجرد تفاصيل. ما يهم هو بلوغ الهدف بأن يتواجد الأفضل في الملعب. وإذا كان أفضل اللاعبين لاعبي ارتكاز وجناحَين، فسأبدأ بلاعبَي ارتكاز وجناحين. وإذا كان أفضل اللاعبين 3 لاعبي وسط ورأس حربة فسأشرك ثلاثياً في الوسط ورأس حربة. في السابق، عندما يقول المدرب: أحتاج إلى جناحين. كان النادي يشتري جناحين على الفور. الآن، ربما لن يجدهم النادي، لذلك تتأقلم مع الوضع.
- هل تعلق أهمية كبيرة على قراءة المباراة خلال المباراة من أرضية الميدان؟
أليغري: عندما أسمع أن المدرب يجب أن يكون في المدرجات.. أقول: يا له من هراء! المدرب يجب أن يعيش الميدان. عندما تكون في المدرجات، فأنت معزول عن حقيقة الميدان. تَقوم بالإعداد للمباراة، وتقول: سنقوم بذلك، هذا وذاك، وبعد ذلك، تسع مرات من أصل عشرة، تختلف مجريات المباراة عما كنت تخطط له. لا يمكنك البدء في الساعة 9 بطريقة معينة والانتهاء على الساعة 11 بنفس الطريقة.
- هل المدرب الجيد هو الذي يفوز؟
أليغري: المدرب الجيد هو الذي يلحق به أقل ضرر أثناء المباراة، الذي ينجح في قراءة المباراة، ولا يهم ما إذا كان يلعب بـ3 ، 4 أو 5 في الخلف. من الإثنين إلى الجمعة، تقوم بمهنة، ويوم الأحد تقوم بمهنة أخرى، تدير ما هو غير متوقع. على المدرب أن يشعر باللحظة. القائد العظيم يجد الحل للمشكلة قبل الآخرين. لا تملك الوقت للتفكير، إنها أحاسيس. أتذكر مباراة سيينا وميلان عندما كنت مدرباً لميلان، كان علينا الفوز من أجل التواجد في ثلاثي المقدمة، وكان النتيجة 1-1 قبل 5 دقائق من النهاية. كنت قد قررت إخراج المدافع مكسيس، لكن بينما أتحرك بين دكة البدلاء والملعب، قلت: لا، سأخرج أباتي.
كان لدي حدس. وسجل مكسيس (في الدقيقة 87)، إنها أشياء تشعر بها. الأمر ليس دوماً منطقياً.
- هل تُخطئ أيضاً أحياناً؟
أليغري: نعم. في ميونيخ، مثلاً، خسرنا 2-4 في إياب ثمن النهائي (في مارس 2016). كنت قد أخذت مانزوكيتش، الفتى الذهبي، ولكنه لم يكن جاهزاً بنسبة 100% يا له من خطأ! لو لم يكن على مقاعد البدلاء، ما كنت لأدخله. كنت أعرف أيضاً أنه عندما يدخل بديلاً، يواجه صعوبات أكبر، وهذا خطأ فادح. لأنني أدخلته، ولم يقدم الإضافة المطلوبة. في الموسم التالي، بلندن، ضد توتنهام فزنا بنتيجة (2-1) كان نفس السيناريو، لكن تلك المرة تركته في تورينو.
- من أين تأتي هذه الأحاسيس؟
أليغري: مما تراه، وتسمعه، هناك، على حافة الملعب. في نهاية الشوط الأول، تنظر إلى اللاعبين في أعينهم، وترى ما إذا كانوا محبطين، عصبيين أو ضائعين. وتتصرف وفقاً لذلك. وعليك أيضاً أن تفهم اللحظات التي يتعذر فيها على فريقك الفوز، وأن الخروج بنقطة سيكون نتيجة مرضية، لأن النقطة مهمة في ترتيب الدوري في النهاية. ولأنه ذهنياً، التعادل أو الفوز مختلفان تماماً. لكن هذه اللحظات، أنت لا تقررها مسبقاً، لا يمكنك إعدادها وأنت جالس على مكتبك. في بعض الأحيان، يكون فريقك يعاني وعليك مساعدته. وأحياناً، تكون المساعدة بالتحرك ضد مبادئك.
- هل هذا ينطبق على ما يحدث خلال المباراة فقط؟
أليغري: أيضاً خلال الأسبوع.. في بعض الأحيان، تقوم بتدريب ما وترى أن اللاعبين لا يتفاعلون جيداً معه، فتجرب معهم تدريباً آخر لتحقيق نفس النتيجة. كل أسبوع مختلف. في بعض الأحيان، عليك أن تعمل بجد، وأن تقلل الضغط أحياناً أخرى. لا يمكن للمدرب اتباع بروتوكول ما ثم يقول: هذه هي كرة القدم الخاصة بي. كرة القدم ليست ملكك، إنها تخص الجميع!
- هل المدرب الذي لديه مبادئ ثابتة غبي؟
أليغري: لا أدري. ما أؤمن به، هو أنه يتعين على المدرب أن يمنح فريقه تنظيماً جيداً، ولكن مع منح اللاعبين الحرية للابتكار، والاستمتاع. البيانات، الإحصائيات لا تحسم نتيجةً.
- لا تحب الإحصائيات؟
أليغري: قراءتها يجب أن تكون دوماً من خلال المباراة. إذا ما كنت متقدماً بـ2 -0، فمن المنطقي أن تترك الكرة للخصم. سيقولون لك: "آه لكنك لم تستحوذ على الكرة". ولكن أنا من قررت عدم امتلاك الكرة. أين المشكلة؟
- موضوع الاستحواذ يزعجك..
أليغري: ألاحظ أن أكثر الأهداف إثارةً هي تلك المسجلة عقب مرتدات، لأنها تجمع بين الفنيات، السرعة والمساحة. ولكن حسناً، الاستحواذ مهم في إدارة المباراة.
يقولون لك: يجب أن يكون الاستحواذ معك!
إذا ما لعبت ضد فريق يدافع بـ10 لاعبين في منطقته، فستحصل بالطبع على الكرة، إنها مجرد أرقام تحتاج إلى قراءتها بطريقة معينة. ثم، في المطلق، يحب الجميع امتلاك الكرة!
- عدا أتلتيكو مدريد..
أليغري: إنه استثناء، نظراً لخصائص لاعبيه، لكنه تغير أيضاً بهذا الشأن. انظروا إلى بيب غوارديولا. عندما كان في برشلونة، فلسفته كانت القيام بردة فعل سريعة عند خسارة الكرة، واستعادتها فوراً، والاحتفاظ بها، لأنه كان لديه تشافي، ميسي وإنييستا.
أما مانشستر سيتي فيلعب كرة قدم مختلفة، لأن بيب ذكي ويرى خصائص لاعبيه. لقد كان هذا البارسا فريداً ولا يمكن تكراره، فهو لا ينتمي إلى كرة القدم العادية، فقد كان يضم لاعبين استثنائيين ولا أحد سيلعب هذه الكرة مجدداً. أردنا تقليد شيء غير موجود. لديك ميسي واحد فقط، لاعب يمكنه مراوغة 8 لاعبين.
- غوارديولا تغير في بعض الأشياء لكنه لا يزال يرغب في مهاجمة الخصم..
أليغري: جميع المدربين يريدون مهاجمة منطقة الخصم!
لكن لكل مدرب الحق في القيام بذلك بطريقته الخاصة. البارسا كان يلعب بدون رأس حربة، ولا أحد سبق وأن لعب بهذه الطريقة. ولكن في بايرن، لعب برأس حربة. لأن هناك أيضاً DNA الأندية التي يجب أن تُؤخذ في الاعتبار.
تتحدث عن الأندية الكبيرة حيث لا يوجد لاعب أقوى من النادي. أليس كريستيانو، على سبيل المثال، أقوى من يوفنتوس؟
أليغري: بالتأكيد لا.
مع يوفنتوس، وضعت بونوتشي في المدرجات خلال مباراة في دوري الأبطال ضد بورتو، لأنه لم يتصرف جيداً في نهاية الأسبوع الماضي. ألا تحتاج إلى نادٍ خلفك، في هذه الحالات؟
قد يكون لديك أفضل مدرب وأفضل اللاعبين في العالم، إذا لم يكن لديك نادٍ قوي خلفك، فلن تفوز أو ستفوز بصعوبة بالغة.
النادي يصنع الفارق، نعمل للحصول على النتائج. اللاعب الكبير يطمح إلى الفوز، وهو يدرك أنه يحتاج إلى القواعد، الانضباط والعمل. أنت لا تدرب كل اللاعبين بذات الطريقة، فأنت تديرهم، وتتحدث معهم، ولكن للوصول إلى هدف، يتعين عليهم جميعاً أن يطالبوا أنفسهم بشيء إضافي. يأتي هذا من روح النادي.
- كريستيانو رونالدو يحترم القواعد بشكل جيد، أليس كذلك؟
أليغري: إنه مثال لا يُصدّق على المستوى الذهني. لقد فاز بخمس كرات ذهبية، وخمس بطولات دوري أبطال، ويكسب الكثير من المال، فما هو الدافع الذي يمكن أن يكون لديه من أجل الاستمرار؟ يضع دائماً أهدافاً لنفسه.
- ما الذي يتطلبه الأمر للفوز بدوري الأبطال؟
أليغري: الحظ، كما يجب تهيئة الظروف خلال الموسم للوصول إلى دوري أبطال أوروبا في الظروف المثالية، بدنياً وذهنياً. وضع الأسس من البداية.
- هل تعتقد أن باريس يمكنه الفوز به هذا الموسم؟
أليغري: هذا الموسم، يبدو لي أن دوري الأبطال مفتوح على كل الاحتمالات. لا أعرف من هو المفضل، لأنه لم يعد لديك فريق مهيمن، مثل ريال مدريد قبل ثلاث سنوات. بعض الفرق الكبرى يمكن أن تسقط منذ ثمن النهائي.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.