
انتهى شهر العسل بين بيني والبنك الدولي بعد خلاف حاد حول ورقة بحثية تربط مساعدات وقروض البنك الدولي وتوقيتها للدول النامية بحجم التحويلات البنكية وتدفق الأموال من تلك الدول إلى ما يسمى بـ "الملاذات الضريبية الآمنة". والملاذات الآمنة هي الدول الجزر التي تفرض سرية كاملة حول الحسابات المصرفية لعملائها ولا يكشفون عنها، مثل دول سويسرا وجزر العذراء البريطانية.
قامت غولدبيرغ، بحكم منصبها، بتمويل بحث يشرف عليه ثلاثة من علماء الاقتصاد، وهم عالم الاقتصاد النرويجي يورغن أندرسون ونيلز يوهانسون الأستاذ بجامعة كوبنهاغن وبوب ريجكرز أحد باحثي البنك الدولي. هدف البحث هو النظر في علاقة القروض والمساعدات التي يقدمها البنك الدولي للدول النامية والمتعثرة اقتصادياً مع حجم التحويلات البنكية إلى الملاذات الضريبية الآمنة خارج تلك البلدان. وتوصل البحث إلى نتيجة مثيرة للغاية، وهي أنه هناك علاقة وطيدة بين توقيت استلام أموال البنك الدولي وزيادة وتدفق التحويلات البنكية من البلدان الفقيرة إلى الحسابات البنكية لكبار المسؤولين والنخبة في خارج البلاد. كما وجد البحث أن نسبة التحويلات لتلك الحسابات الخارجية تزداد ثلاثة أضعاف بعد وصول أموال البنك الدولي إلى البلدان النامية.
حاولت غولدبيرغ نشر تلك الورقة البحثية عن طريق البنك نفسه، بعدما واجهت كبار المسؤولين بنتائج البحث وطلبت تشديد الرقابة على القروض الممنوحة لتلك البلدان، وهو ما قوبل بالرفض والإنكار. فاستقالت من منصبها حسبما أورد موقع The Economist.
إذ تستنتج الورقة البحثية أن هناك علاقة واضحة بين الأموال الممنوحة لدول العالم الثالث؛ من أجل التنمية ومحاربة الفقر، وخروج أموال من تلك البلدان إلى حسابات بنكية في الخارج، وهو ما يشكل حرجاً شديداً للبنك الدولي والقائمين عليه، لأن ذلك يعني أن البنك لا يراقب مصير الأموال التي يمنحها لتلك البلدان، لأن ذلك يعني استفادة النخب السياسية والاقتصادية في البلدان النامية من تلك المعونات لمصلحتهم الشخصية من دون أي تأثيرات حقيقية لتلك المعونات على الشعوب الفقيرة والظروف التي يعيشون في ظرفها. وهذا على الرغم من علم البنك الدوليّ المسبق بمعاناة النظم السياسية في تلك البلدان من الفساد والواسطة والمحسوبية.
وبعد سماع دوي الفضيحة في العالم بنشر صحيفة The Economist تفاصيل الأزمة، نشر البنك الدولي الورقة أيضاً.
باختصار، يثبت البحث بشكل أكاديمي موثق، ما يقوله ويعتقده كثير من المعارضين لسياسات البنك الدولي، وهو أن القروض والمساعدات القادمة من البنك الدولي إلى الدول النامية -والتي تصحبها عادةً إجراءات تقشفية صعبة، مثل: رفع الدعم عن الوقود والسلع الأساسية، وزيادة الأسعار، وتعويم العملة المحلية- تستفيد منها النخبة من الطبقة الحاكمة والمقربين منها، إذ يتم تحويل جزء منها إلى حساباتهم المصرفية خارج البلاد، في حين يتركون عوام الناس في غياهب وتحت وطأة فوائد القروض سنوات طويلة.
ويشرح محمد رمضان في تقريره على موقع "إضاءات"، الورقة بشكل أكبر قائلاً: "لاحظ الباحثون الثلاثة عبر دراسة تلك العلاقة، أنه في الدول التي تتلقى معونات تمثل أكثر من 1% من الناتج المحلي، فإن ذلك غالباً ما يصاحبه نمو لودائعها في الملاذات الضريبية بـ3.4%. لمعرفة تلك العلاقة على وجه الدقة، عمد الباحثون إلى دراسة العلاقة بين دفعات المساعدات المالية بشكل ربع سنوي، وحجم الودائع في الملاذات الضريبية بشكل ربع سنوي أيضاً.

يوضح الجدول التالي العلاقة بين أموال المساعدات والتحويلات إلى الملاذات الضرييبة في الدول الأكثر اعتماداً على المساعدات الدولية، بحسب بيانات البنك الدولي وبنك تسوية النزاعات الدولية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.