سأقول لكم باختصار، في خضم الحرب التجارية القائمة بين الصين وأمريكا، وبعد عاصفة "كورونا" وجدت الصين نفسها في نفق مهجور وحيدة تحارب أنفاس مواطنيها. وعلمت أن ترامب لن يقبل بالمنتجات الصينية تغزو أسواقاً بدون فوائد جمركية مريحة تعود على اقتصاد أمريكا وشركاته بأموال طائلة. وللإشارة فقط، ويا للصدفة، فيروس سارس أو المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة الذي ظهر في الصين أول مرة، وسجلت أول حالة مصابة بالفيروس بها شهر مارس/آذار من سنة 2003، وهي نفس السنة ونفس الشهر التي شنت فيها الولايات المتحدة الأمريكية الحرب على العراق.
كي نفهم طبيعة الصراع وتاريخ الصراع الصيني الاشتراكي والأمريكي الرأسمالي، فإن الفيروس الذي أرعب العالم آنذاك وعجل باتخاذ سلطات الصحة العالمية إجراءات عاجلة لمواجهة انتشار "مرض معد يصيب الجهاز التنفسي"، وأصدرت منظمة الصحة العالمية تحذيراً عالمياً منذ ظهور هذا النوع غير المعتاد من الالتهاب الرئوي في الصين وهونغ كونغ والذي لم تعرف أسبابه حينذاك، مما سبب حالة من الهلع والفزع تفاقمت وتم تصويرها باعتبارها تهديداً عالمياً، واعتبروه مرضاً "خطيراً" إذ لم تتم متابعته.
وفي الأخير كانت خسائره البشرية أقل بكثير من حجم الهالة الإعلامية التي وضعت حوله، حيث أصيب بالكاد ثمانية آلاف شخص وتوفي قرابة مائة وعشرين وتكلف حوالي أربعين مليار دولار. وفي فترة نشاط "سارس" ارتفعت حصة الصين من الناتج العالمي الخام لـ4% وتراجعت حصة الولايات المتحدة الأمريكية بسبب حربها على العراق، أما عن ناتجها الحالي -أي الصين- من الناتج العالمي فتتجاوز 17%، وتهدف إلى رفع حصتها إلى 25% بحلول سنة 2023.
الآن أعلنت الصين قرارها بإغلاق 1800 من المعامل والمصانع الصينية كنوع من رد الفعل الناعم على عزلتها الدولية وإغلاق أبواب التعاون الطبي والسياسي في حربها ضد "كورونا". هذا القرار ستتضرر منه أكبر مواقع التجارة الإلكترونية الأمريكية (مثل أمازون، إيباي وغيرهما) ومواقع ومراكز تجارة أوروبية.
سيقول البعض: ألن تتضرر المواقع الصينية من هذا الإجراء؟
لا يا صديقي، عملاق الصين علي بابا بمؤسسها جاك ما قرر شراء جميع السلع المباعة سلفاً كي لا تتضرر المصانع الصينية بمبلغ يفوق 229 مليون دولار.
في نفس الوقت، تستمر اللقاءات بين الصين وأمريكا للتوصل لحل يرضي الطرفين فيما يخص التجارة بينهما، لكون الأخيرة فرضت على الصين استيراد ما يتجاوز قيمته 200 مليار دولار من مختلف المنتجات والسلع مقابل الإبقاء على شركات الصين العملاقة في أمريكا مثل شركة هواتف المحمول هواوي وغيرها.
عموماً، إذا توصل الطرفان الى حل بينهما فلن تسمعوا عن "كورونا" في غضون أيام، والملاحظ في نفس السياق أن وسائل الإعلام الأمريكية لم تعط أهمية لهذا الفيروس، رغم تواجد ملايين الصينيين على أراضيها.
ومما يؤكد ولو جزئياً هذا الكلام، تصريح مسؤول أمريكي خلال عرضه مساعدة بلاده للصين قائلاً لا يجب على الصين أن تتوقع خفض الرسوم الجمركية عليها من طرف أمريكا، وهو ما أغضب بكين وردت بأن التصريح الأمريكي ليس مسؤولاً ولا ينم على حنكة ولا على تعاون ودي في أزمة تعتبر عالمية ولا تخص الصين فقط.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.