بعد ساعات قليلة من المؤتمر الذي أعلن فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عما يسمى بصفقة القرن، أصدرت وزارة خارجية النظام المصري بياناً، أعلنت فيه تقدير مصر الجهود المتواصِلة التي تبذلها الإدارة الأمريكية من أجل التوصل إلى ما أسمته سلاماً شاملاً وعادلاً للقضية الفلسطينية، بما يسهم في دعم الاستقرار والأمن بالشرق الأوسط، هذا الموقف الرسمي للنظام جاء متسقاً مع دورها في هذه الصفقة التي رفضها الفلسطينيون، ليس فقط لأنها جعلت من القدس موحدة عاصمة للكيان الصهيوني، لكن لتقطيع أوصال الدولة الفلسطينية الموعودة باتفاق أوسلو، والتي جاء ذكرها في المبادرة العربية التي انطلقت من الرياض لحل الأزمة الفلسطينية.
صفقة القرن التي جاءت في ثمانين صفحة جعلت من فلسطين دولة كانتونات تجمعها سيادة منقوصة مفتاحها بيد الكيان الصهيوني، يحميها ويجمع منها الجزية، في مقابل دراهم معدودة، تدرها عدد من المشاريع الوهمية التي وعد بها الفلسطينيين من قبل في أوسلو ولم يروها، فالصفقة المعلنة ما هي مرحلة من مراحل الصفقة الأكبر التي تنتظر القيادة في تل أبيب تنفيذها، الصفقة المعلنة هي نتاج عدة مخططات صهيونية تم طرحها في الأعوام الماضية، فالجنرال جيورا أيلاند قدم خطة مفادها ضم ثلاثة أضعاف مساحة قطاع غزة، من سيناء، وإقامة ميناء بحري ومطار دولي. مقابل منح مصر 600 كيلومتر من صحراء النقب، والمخطط الثاني قدمه وزير الدفاع الصهيوني السابق أفيغدور ليبرمان في 2004، وتشمل ضم الكتل الاستيطانية للكيان الصهيوني في الضفة الغربية، مقابل ضم أراض تحت سيطرة الكيان الصهيوني للعرب، وفي عام 2016 قدم نفتالي بينت الوزير في حكومة نتنياهو مخططاً بضم المنطقة المصنفة (C) في الضفة الغربية للكيان الصهيوني وإيصال الضفة بغزة عبر طرق وأنفاق وجسور تكون السيادة عليها للكيان المحتل، لكن العامل المشترك في كل تلك الخطط نظر كل صاحب مخطط إلى سيناء على أنها الحل الأمثل للدولة الفلسطينية الموعودة، حتى ولو سكت عنها.
وسواء كانت سيناء في خطة التقسيم أو لا، والأخيرة مستبعدة، لأن أصل فكرة الدولة الصهيونية قائمة على حدود أكبر بكثير، بحسب المعتقد، من تلك الحدود التي رسمتها خطط ترامب في صفقته الأخيرة، لكن الإدارة الصهيونية، وهي تعمل بشكل استراتيجي، مقبول لديها القبول بهذه الخطة كحل مبدئي يمكن البناء عليه في المستقبل، لاسيما أن حل اقتطاع سيناء حل غير منطقي الآن في ظل العمليات العسكرية المستمرة منذ ست سنوات في سيناء، وحالة الرفض الشعبي للنظام الحالي في مصر لاسيما بعد تنازله عن جزيرتي تيران وصنافير وما تبعه من رفض شعبي كاسح للخطوة، وإن كانت بالأساس جزءاً من الصفقة الكبرى التي تأجل تنفيذها، لذا فالخيار هو منطقة صناعية وتجارية كبيرة في سيناء توفر فرص عمل للفلسطينيين والمصريين على السواء تمهيدا لدفع الفلسطينيين إليه في المستقبل، وهي الخطة التي طرحت في عهد الرئيس السابق حسني مبارك والتي أوقفتها ثورة يناير في مصر.
وعودٌ على أهداف الخطة الصهيونية ببناء دولتها المزعومة، هذه الدولة لن تقبل بأي حال من الأحوال أن تكون دولة قوية على حدودها، ومن ثم فإن خيار التقسيم والإضعاف وإدخال مصر في دوامة الصراعات أحد الحلول المطروحة من أجل الوصول لهذا الهدف، وإن كان النظام الحالي، يعد كنزاً استراتيجياً، بشهادة قادة الكيان الصهيوني، فإن احتمالية قيام ثورة في مصر عليه احتمال وارد، يطيح بحليف يحمي حدود الكيان المزعوم ويمهد لتوسيع دولته المأمولة، لذلك فإن إدخال مصر في دوامة العنف المدروس خيار مهم في الفترة الحالية، فالعمل المسلح في سيناء يغذيه الكيان الصهيوني بيد ويقصفه بيد أخرى، وتأجيج فكرة الدولة القبطية في ظل تقارب الكنيسة المصرية مع النظام بداية حقوق أكبر للأقلية المسيحية في مصر، ورفضاً لوصاية القوانين المبنية على الشريعة الإسلامية، أو حتى مرجعيتها، يتبعه خطوات لاستقلالية أكبر من خلال تشريعات، ثم مناطق تجمعات وصولاً لدولة قبطية في الجزء الغربي من جغرافيا مصر الحالية.
وعلى غرار مطالب الأقلية المسيحية، ستؤجج المطالب النوبية بدولة مستقلة، بعد أن يبدأ الأمر بتوسيع نوعي لنشر الثقافة النوبية التي أنجزتها (الحضارة) النوبية منذ آلاف السنين، وهي الخطة المدشنة منذ ما يقرب من عشرين عاماً صعوداً وهبوطاً على السطح في أوقات الحاجة، وسيكون وقتها قد حان في حينها، ومن ثم فإن سيناء ستكون نهب لخطة تقطيع الأوصال بحجة وجود نحو 35 ألفاً من البدو المتواجدين في سيناء ترجع أصولهم إلى مدينة بئر السبع الفلسطينية، كقبيلة أبو عمرة، هو ما سيكون مبرراً لفصل سيناء في المستقبل.
صراع قيادة المنطقة وتوازن القوى فيها صراع نشأ مع ظهور الكيان المحتل، وفيما يبدو أن الدولة الأقوى في المنطقة، بعد الكيان المدعوم أمريكياً وأوروبياً، آن الأوان للتخلص منها بعد أن تم تفتيت العراق وسوريا لصالح الكيان المحتل، ولن يكون أفضل من النظام المصري الحالي لتنفيذ المسكوت عنه في صفقة القرن.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.