مجهول النسب، قائد عسكري، خطيب فصيح.. ماذا يجب أن نتعلم من قصة الصحابي زياد بن أبيه؟

عدد القراءات
1,290
عربي بوست
تم النشر: 2020/02/17 الساعة 12:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/02/18 الساعة 08:25 بتوقيت غرينتش
مجهول النسب.. قائد عسكري.. خطيب فصيح.. ماذا يجب أن نتعلم من قصة الصحابي زياد بن أبيه؟

الإبداع والتفوق لا يحتاجان نسباً رفيعاً، فكثير من المبدعين إن لم يكُن معظمهم اعتمدوا على ذواتهم، واجتهدوا بأنفسهم. ليتبقى تقبُّل المجتمع للإنجاز ونسبه لصاحبه بشفافية. ففي عهد الخلافة الراشدة برز التابعي الجليل زياد بن أبيه الذي لم يعرف نسبه، لكنه كان قائداً عسكرياَ ومن أبلغ الخطباء وأفصحهم ورابع دهاة العرب.

أُمه سمية مولاة للحارث بن كلدة الثقفي، طبيب العرب، وهو أخو الصحابي أبي بكرة الثقفي، رضي الله عنه، كان زياد شخصاً ذكياً وأديباً، وقد عيَّنه المغيرة بن شعبة والي البصرة من قِبل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب مساعداً له في إدارة حكومة البصرة.

أصبح زياد عاملاً للخليفة الراشد علي بن أبي طالب في منطقة استخر، إحدى ضواحي فارس، وذلك باقتراح من عبدالله بن عباس، كما شارك في معركة صفين إلى جانب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم جميعاً.

بعد صُلح الإمام الحسن مع معاوية -رضي الله عنهما- بايع زياد "معاوية"، فدعاه إلى دمشق، ولما وصل زياد إلى دمشق رحب به معاوية، وأقرّ بأن زياد أخوه، وأن أبا سفيان هو أبوه. لم يقبل بعض أفراد بني أمية هذا الإلحاق وكذلك الأفراد الصالحون؛ لأن هذا الفعل منافٍ للشريعة الإسلامية، ولكن زياد قبل هذا الإلحاق، أمّا أبوبكرة نفيع بن مسروح أخو زياد لأمه فلم يقبل هذا الإلحاق وكان مستاءً منه، وقد قطع علاقته بزياد. بعد هذا الإلحاق عيّن معاوية زياداً والياً على البصرة سنة 45 هـ، ولما وصل زياد إلى البصرة جهّز الجيوش وأرسلها إلى مرو وخراسان وفتحها، وكان لابنه عبيدالله بن زياد دور كبير في هذه الفتوحات، توفِّي حاكم الكوفة المغيرة بن شعبة سنة 48هـ فأصبح زياد بعده حاكماً للكوفة والبصرة.

ساهم زياد بن أبيه في تثبيت الدولة الأموية، اعتمد على نفسه في تكوين شخصيته، وأصبح من خطباء العرب، في إحدى المرات قصَّ زياد إحدى معارك المسلمين فأعجب به الناس، فقال أبو سفيان لعلي بن أبي طالب: أعجبك ما سمعت من هذا الفتى؟ فقال علي: نعم، قال أبوسفيان: أما إنه ابن عمك.

إن زياد بن أبيه أثبت نفسه بين العرب بفصاحته واجتهاده وقوة شخصيته، ولم يكن نسبه عائقاً أمام طموحه وإثبات نفسه بين الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، وبين الناس آنذاك، كان المجتمع العربي الإسلامي وقتها واعياً ومتقبلاً للإنسان الناجح، حيث بدأ ذلك في حديث المرأة الغامدية، عندما أخذ الرسول -صلى الله عليه وسلم- طفلها، وقال: "من يكفل هذا وهو رفيقي في الجنة كهاتين".

عامله الرسول -صلى الله عليه وسلم- معاملة اليتيم وجعل كافله رفيقاً له في الجنة، وأكرمه بتطهير أمه ورفع شأنها أمام الصحابة -رضي الله عنهم- حين سبَّها خالد بن الوليد فبرأها أمامه بتوبتها، وعندما تعجب عمر بن الخطاب عندما صلى عليها الرسول -صلى عليه وسلم-  فقال: "لقد تابت توبة، لو قُسّمت بين سبعين من أهل المدينة لوسِعَتْهُم، وهل وجدتَ توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى؟!".

إن مجهول النسب يحتاج إلى الرعاية والاحتضان أكثر من غيره، ويلزمه خطوات لتعميق ثقته بنفسه وتقبُّل واقعه، وأسلوب الرد المناسب على الأشخاص الذين يسيئون إليه، إذا وجد التربة المناسبة سينمو وتتفتح فيه أفضل صفاته وأحسنها.

في زمن ازدهار الدولة الإسلامية كان يقيم الشخص على أدائه ومجهوده، الأمر ذاته الذي نجده الآن في دول العالم المتقدم، مقياس احترامك في المجتمع وقيمتك ومكانك يحدده إنجازك، ماذا قدمت؟ وما هو المجهود الذي تبذله لتساهم في تحقيق ذاتك وتقدم مجتمعك؟

أعرف شاباً في مدينة عمان يعيش مع شاب آخر مجهول النسب، عمل الأخير موظفاً لفترة ثم افتتح مشروعه الخاص به، ويتابع دراسته العليا في الجامعة ليصبح أكاديمياً، رغم وقوفه وحيداً في المجتمع متحدياً الظروف الاقتصادية والمعنوية، فإن ذلك لم يضعف عزيمته، ويواصل قدماً لتحقيق طموحه.

النسب ليس عائقاً ولا عيباً يقف أمام ما تريد أن تكون عليه، ولا هو حجة لنا لنقيّمهم عليه، وعلينا تقبلهم كمجتمع بيننا دون تجريح أو انتقاص، فهم لا يقلون عنا في شيء، جميعنا يوجد في حياتنا أشياء نتألم لفقدانها، موت عزيز، مرض عضال، مشاكل عائلية، فقر، أو بطالة… إلخ جميعها أشياء تنقصنا، وهم ينقصهم العائلة، فلنكن جميعاً عائلتهم.  

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

إيناس مسلط
صيدلانية وكاتبة متنوعة
صيدلانية وكاتبة متنوعة، أكتب قصصاً قصيرة ومسرحاً ومقالات، ومحبة قارئة، أحمل كثيراً من الآراء من واقع خبرتي العملية في عملي السابق كصيدلانية. لديَّ كثير من الآراء في قضايا مجتمعية بهدف الإصلاح وتنوير الشباب، وأحمل فكراً إنسانياً بحتاً تستشفه من كتاباتي، ولا أحمل أي عنصرية دينية أو عرقية، وأتمنى لأفكاري وتجاربي الانتشار أكثر.