عاش اللاعب الدولي المغربي حكيم زياش حدثين سعيدين يوم الأربعاء 12 فبراير/شباط الجاري: الأول بعودته السريعة إلى المنافسة الرسمية بعد تعافيه من إصابة كانت تبدو خطيرة، والثاني إخباره من طرف وكيل أعماله بإتمام انتقاله إلى نادي تشيلسي الإنجليزي، بداية من الصيف القادم.
الحدث الأول جاء لما دخل زياش بديلاً في الدقيقة الـ80 من المباراة التي فاز بها فريقه أياكس أمستردام على مضيفه نادي فيتيس أرنيم، بثلاثية نظيفة، لحساب الدور ربع النهائي من مسابقة كأس هولندا لكرة القدم، وذلك بعد تعافي النجم المغربي من إصابة تمزُّق عضلة الساق، التي تعرَّض لها يوم 19 يناير/كانون الثاني الماضي، والتي كانت تتطلب شهراً واحداً على الأقل من العلاج، وليس الأسابيع الثلاثة فقط التي غاب فيها حكيم عن الميادين.
أما الحدث الثاني وهو الأهم، فكان الخبر الذي انتشر داخل أسوار نادي أمستردام حول توصُّل إدارة النادي الهولندي مع نظيرتها بفريق تشيلسي إلى اتفاق نهائي بشأن انتقال المهاجم المغربي المتميز إلى النادي اللندني، في الموسم القادم، وذلك قبل أن يعلن نادي أياكس، في بيان رسمي، الخميس 13 فبراير/شباط، عن حسم الصفقة، وأن اللاعب سينضم إلى تشيلسي بداية من يوم 1 يوليو/تموز 2020.
وبهذا الإعلان من طرف أياكس تكون قصة حكيم زياش مع بطل هولندا قد اقتربت من نهايتها، كما يكون مهاجم منتخب أسود الأطلس قد اقترب من تحقيق حلمه باللعب ضمن فريق أوروبي كبير من الدوريات الكبرى للقارة العجوز.
وعلى الرغم من وجود عديد من النجوم ضمن نادي أياكس في السنوات القليلة الماضية، فإن حكيم زياش يعتبر أفضل لاعب بنادي العاصمة الهولندية منذ بدايته مع الفريق الأول في سبتمبر/أيلول 2016، حيث أسهم في 89 هدفاً بالدوري المحلي، من خلال تسجيله 38 هدفاً وتقديمه 51 تمريرة حاسمة، وهو ما يجعل منه أفضل صانع للأهداف في تاريخ الدوري الهولندي لكرة القدم.
ولا يُعتبر هذا الكلام مجرد مدح من طرفي للنجم المغربي؛ بل هو حقيقة يؤكدها نيله جائزة أفضل صفقة لنادي أمستردام لعام 2016، وجائزة أفضل لاعب للنادي نفسه في سنتي 2018 و2019، إضافة إلى جائزة أفضل لاعب في هولندا بالموسمين الماضيين، (2017-2018) و (2018-2019).
كل هذه المعطيات، فضلاً عن قيادته فريق أياكس إلى نصف نهائي دوري أبطال أوروبا لكرة القدم للموسم الماضي، لم تشفع لزياش في الارتقاء بمساره الاحترافي نحو نادٍ أوروبي كبير، على الرغم من تداول اسمه في أروقة ريال مدريد الإسباني وبايرن ميونيخ الألماني ومانشستر يونايتد الإنجليزي.
ولم ينفد صبر اللاعب المغربي في مسعاه لإيجاد فريق أفضل، خاصة بعدما شاهد، في الصيف الماضي، رحيل بعض زملائه المشاركين رفقته في الملحمة الأوروبية، على غرار فرينكي دي يونغ الذي انتقل إلى نادي برشلونة الإسباني، وماتياس دي ليخت الذي دعم صفوف فريق يوفنتوس الإيطالي.
ولكي تتأكدوا من إيمان زياش بقدراته وبطموحه الكبير في تحقيق أحلامه، لا بد من مواصلة قراءة ما تبقى من المقال، حيث مر اللاعب بتجارب قاسية جعلته يؤمن بأنّ العمل والانضباط هما السبيلان الوحيدان المؤديان إلى النجاح.
البدايات
وُلد حكيم زياش، من أبوين مغربيَّين يوم 19 مارس/آذار 1993، ببلدة درونتن، التابعة لإقليم فليفولند، بشرق هولندا. وهو الابن الأصغر لعائلة تضم 5 أولاد و3 بنات، وقد وُلد شقيقاه الأكبران فوزي وهشام بمدينة بركان المغربية في جبال الريف المغربية، قبل أن يهاجر والداه إلى هولندا.
وقد بدأ حكيم، ممارسة رياضة كرة القدم بساحة الحي الذي كان يعيش فيه، رفقة أشقائه وأصدقائه، قبل أن يطلب من والده، وهو في السابعة من عمره، تسجيله ضمن نادٍ رسمي، فانضم إلى فريق ريال دورنتن، حيث تعرَّف على المدرب عزيز ذو الفقار، الذي يعتبر أول مغربي لعب في الدوري الهولندي لكرة القدم، والذي أسهم كثيراً في تكوين الطفل زياش داخل الميدان وخارجه أيضاً، خاصة بعد وفاة والد حكيم، عندما كان في عمره 10 سنوات فقط.
مراهقة صعبة في كنف عائلة أرمينية!
أفضّل أن أتوقف كثيراً -وليس قليلاً- في هذه الفترة التي تلت وفاة والد حكيم زياش، لأن القصة قد تكون شبيهة بعديد من القصص المتعلقة بالمهاجرين المغاربة في أوروبا وبمهاجري دول المغرب العربي بصفة عامة.
فلقد توفي محمد زياش يوم 23 ديسمبر/كانون الأول 2003؛ بعد مرض عضال، تاركاً لزوجته 8 أطفال، حيث وجدت صعوبة كبيرة في التكفل بهم، مكتفية بمنحة البطالة والإعانات الاجتماعية، كما عانت في تربيتهم، وسط المحيط الذي كانت تعيش فيه الأسرة؛ وهو ما تسبب في ولوج بعض أشقاء حكيم إلى عالم الجريمة، ودخول اثنين منهم إلى السجن بعد عملية سطو.
وبالموازاة مع ذلك، وفي غياب السلطة الأبوية، فقد حكيم زياش الحماسة والطموح فقرر التوقف عن ممارسة رياضة كرة القدم في سن الـ12، قبل أن يعود إليها بعد عامٍ واحدٍ؛ إثر خروج شقيقه الأكبر فوزي من السجن، والذي شجعه على تفادي الانزلاق نحو الهاوية، فأقنعه بالعودة إلى الميادين، فوجد مرة أخرى الرعايةَ من المدرب عزيز ذو الفقار، ضمن نادي ريال درونتن، ثم "إس في درونتن"، قبل أن يخوض تجارب ناجحة للانضمام إلى أكاديمية نادي هيرنفين، في عام 2007.
فغادر حكيم المنزل العائلي وهو في سن المراهقة؛ ليعيش في مدينة هيرنفين تحت رعاية عائلة أرمينية، والتي كانت علاقته معها متوترة، ما جعله يسهر كثيراً خارج المنزل، ويجنح إلى تناول المخدرات والمشروبات الكحولية، ثم يتوقف عن الدراسة في سن الـ16.
وعلى الرغم من نصائح عزيز ذو الفقار، الذي بقي على اتصال بالفتى حكيم وتشجيعه على الابتعاد عن العالم المظلم، فإن زياش فشل في الخروج من دوامة المخدرات والكحوليات، كما تسبب سلوكه السيئ خارج الميدان بتأخُّر نادي هيرنفين في التوقيع له على أول عقد احترافي إلى غاية مايو/أيار 2012، لما أمضى على عقد لمدة سنتين، حيث تزامن ذلك مع مغادرته لمنزل العائلة الراعية، للعيش مع وكيل أعماله مصطفى نخيل بمدينة أمستردام.
وبدأ سلوك حكيم زياش في التحسن مع مرور السنوات ونضجه، خاصة بعد التحاقه بنادي توينتي في سنة 2014، الذي لعب معه 76 مباراة رسمية في موسمين اثنين، سجل خلالها 34 هدفاً، ثم انضمامه لأياكس أمستردام في صيف 2016.. وبقية القصة معروفة، حيث عاش النجم المغربي أفضل أوقات مساره الاحترافي ضمن نادي العاصمة الهولندية، في انتظار مواصلة التألق وبشكلٍ أفضل في الدوري الإنجليزي الممتاز رفقة نادي تشيلسي.
قلبه مال تجاه منتخب أجداده بدل منتخب مولده
ومن المؤكد أنّ ذلك النضج هو الذي ساعده على حسم اختياره للعب مع منتخب بلد أجداده المغرب، بدل بلد مولده ونشأته هولندا.
يملك حكيم زياش الجنسيتين الهولندية والمغربية، وقد لعب لمختلف منتخبات الفئات الشابة لهولندا، منذ عام 2011، وكان قريباً جداً من الارتقاء إلى للمنتخب الأول، في عهد المدير الفني لويس فان غال، الذي وضع اسمه ضمن قائمة موسعة بـ35 لاعباً تحسباً للمشاركة في نهائيات مونديال البرازيل 2014، قبل أن يحسم المدرب المخضرم القائمة الرسمية لـ23 لاعباً ويطلب من حكيم الاستعداد للانضمام للمنتخب بعد نهاية البطولة العالمية.
وبعد اختتام المونديال، حدث تغيير على رأس الجهاز الفني لمنتخب هولندا برحيل فان غال وقدوم غيس هيدينك، لكن دون أن يطرأ أي تغيير من مسؤولي المنتخب تجاه حكيم، بحيث استدعى المدرب الجديد اللاعب زياش للمشاركة في مباراة ودية أمام الولايات المتحدة الأمريكية، وأخرى رسمية أمام ليتونيا برسم تصفيات بطولة أمم أوروبا لكرة القدم 2016، لكنَّ النجم ذا الأصول المغربية اعتذر عن تلبية الدعوة، "متحججاً" بإصابة تلقاها في الدوري الهولندي، ما منحه وقتاً إضافياً للتفكير جيداً قبل حسم مستقبله الدولي.
وواصل زياش رفضه لمنتخب هولندا في عام 2015، في عهد المدرب داني بليند، ولبَّى، بالمقابل، دعوة مدرب منتخب المغرب، بادو زاكي، حيث شارك مع أسود الأطلس في مباراة ودية أمام كوت ديفوار، يوم 9 أكتوبر/تشرين الأول 2015، ثم في أول مباراة رسمية يوم 12 نوفمبر/تشرين الثاني أمام غينيا الاستوائية لحساب تصفيات مونديال 2018.
وعن سبب اختياره المغرب بدل هولندا، فاجأ زياش الهولنديين بتصريح مثير، لمَّح من خلاله لوجود العنصرية في البلد الأوروبي الذي عاش فيه، حيث قال: "لما كان عمري 16 عاماً كنت من بين أفضل اللاعبين، لكني كنت الوحيد الذي لم يكن يتلقَّى أي اتصال من أي نادٍ.. وطرحت على نفسي العديد من الأسئلة حول سبب ذلك الوضع، وما إن كان بسبب كوني مغربياً".
وأضاف قائلاً: "اختيار المنتخب لا يكون من خلال العقل بل من خلال القلب. وفي حالتي فإنّ قلبي مال دون أي تردد نحو المغرب، فلقد كنت دائماً أحس نفسي مغربياً على الرغم من أنني وُلدت هنا بهولندا. وأعتقد أنّ الكثير من الناس لن يفهموا هذا الشعور".
وبعد هذه القصة المثيرة عن حياة حكيم زياش، واكتسابه لتجربة كبيرة في الحياة وفي مجال رياضته المفضلة، لا أعتقد أنه يوجد الكثير ممن يشك في قدرة النجم المغربي على التأقلم والنجاح في الدوري الإنجليزي الممتاز وضمن فريق كبير مثل تشيلسي، خاصة في ظل قدراته الفنية المميزة التي تسمح له باللعب كجناح أيسر أو جناح أيمن أو متوسط ميدان هجومي وحتى كمهاجم صريح.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.