في البداية، أطلب أن يتسع صدرك لي، وأن تتقبل منِّي أخاً صغيراً وناصحاً متواضعاً، شارك في التظاهرات مرات قليلة.
ودعنا نتفق أيضاً على أن تجارب الأمم تجارب متكاملة وتاريخ معروف سلبياته وإيجابياته، وأن أعظم ما يقدم لك التاريخ هو التجربة؛ التجربة التي يمكن أن تصقلها بطريقتك الخاصة وبظروفك الحالية.
لابد أنك قد سمعت يوماً ما عن نيلسون مانديلا وثورته العظيمة، وكيف استطاع أن ينهض بدولة جنوب إفريقيا حتى صارت ضمن مصاف الدول المتقدمة والديمقراطية، وكيف نقلها نقلة نوعية.
مانديلا.. من السجن إلى القصر
ببساطة مانديلا شخص ذو بشرة سوداء من جنوب إفريقيا دخل العمل السياسي وهو شاب وكله أمل في مستقبل أفضل لأبناء جلدته، لكن مع وصول الحزب الوطني للسلطة عام ١٩٤٨ بدأت سياسة "الفصل العنصري" بين البيض والسود تدخل حيز التنفيذ، مما أدخل مانديلا معترك النضال والسياسة ضد نظام الفصل العنصري وضد الحزب الوطني حتى عام ١٩٦٢ عندما تم اعتقاله وحكم عليه بالسجن ٢٧ عاماً، إلى أن استجابت الحكومة لضغط المجتمع الدولي وأُطلق سراحه في ١٩٩٠ في خضم حرب أهلية مستعرة في أنحاء جنوب إفريقيا.
لم يفكر نيلسون بالانقلاب على الحكومة العنصرية، بل وعلى العكس فاوض تلك الحكومة، ودخل أول انتخابات متعددة الأعراق في جنوب إفريقيا بعد أربع سنوات من الإفراج عنه وفاز بها؛ ليصبح رئيساً لجنوب إفريقيا، كما حاز حزبه الأغلبية البرلمانية ليكمل بعد ذلك عملية وضع دولة جنوب إفريقيا على جادة الأمان. ولم يترشح لدورة أخرى رغم حب الشعب له ليضرب مثالاً في الإيثار.
تجربة مانديلا تجربة فريدة من نوعها، ولابد أن نستفيد منها، يمكن أن نأخذ تجربة مانديلا في تأسيس حزب ينافس الأحزاب الحالية، حزب يتكون من شخصيات مشهود لها بالكفاءة والنزاهة، حزب يولد من رحم المعاناة، المعاناة الذي ذاق ويلاتها مانديلا، حتى أصبح رئيس دولة جنوب إفريقيا لاحقاً واضعاً حزبه في مقدمة البرلمان.
لكن هل يمكن تكرار تلك التجربة الفريدة في ظل وضع العراق الحالي؟
نعم يمكن ذلك، وهذه ليست أحلاماً وردية، لكني أطلب منك أن تقرأ قليلاً عن ظروف جنوب إفريقيا في ثمانينيات القرن الماضي حتى وصول مانديلا إلى سدة الحكم في عام ١٩٩٤، لترى بنفسك أن ظروف جنوب إفريقيا لم تكن بأي حال من الأحوال أفضل من ظروف العراق، بل أعتقد أن ظروف العراق الآن أفضل من ظروف جنوب إفريقيا مئة مرة.
أين نيلسون مانديلا العراق؟
ربما يسمع هذا السؤال كاستخفاف بالنخب العراقية، لكن الحقيقة أننا نمتلك من هو أكثر حكمة وصواباً من مانديلا، ولماذا لا نكون كلنا مانديلا؟
أليست هي ثورة وعي؟!
كيف يمكن أن نؤسس حزباً بشكل عملي؟
لو أن الجماهير التي خرجت في شوارع وساحات العراق نظَّمت صفوفها بشكل أكبر لكانت هي الأغلبية التي تمكن الأكفاء من تولِّي زمام الدولة، لكن كيف ذلك؟
لو ضربنا مثالاً بمحافظة النجف، لمَ لا يجتمع شباب وكبار الساحة هناك ويتفقون على بعض الآليات الضرورية لتأسيس حزب سياسي، ومن ثم يبدأون بالإعلان عن ذلك الحزب، لا الأشخاص، ثم الاستعانة بالمختصين في تحديد البرنامج الانتخابي والخطط الاستراتيجية للحزب ومن ثم تبني الأشخاص المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة، وتمكينهم من الوصول إلى البرلمان والحكومة. لن يكلف ذلك كثيراً، لن يكلف سوى الإيثار.
بعد ذلك، يبدأ هؤلاء الشباب بالتثقيف والتعريف بمرشحيهم ودعمهم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وعلى أرض الواقع، ومن ثم تفعيل الرقابة الشعبية والحزبية على مرشحيهم.
قد يتخوف البعض من فكرة الحزب وتأسيسه، لكن التخوف لن يُجدي نفعاً ومن ثَم أوكد أنه لا سبيل للتغيير سوى الحبر الذي يغطي إصبعك يوم الانتخابات. الأنظمة الديمقراطية لا تبنى إلا على أسس ديمقراطية، هل سمعت يوماً أن حزباً ترك مناصبه استجابة للهتافات؟ أو أنه استقال من البرلمان؟ هل سمعت عن حزب لم يشارك بالانتخابات لأن مليون شخص انتقدوه؟
هذه ببساطة إنها الديمقراطية، وحقاً إنها الديمقراطية!
وسوف أسبقك قولاً عن مصر، فحال مصر الآن ليس أفضل من السابق، بل هو أسوأ، لأن الشعب ارتضى أن ينقلب الجيش على رئيس منتخب، وبغض النظر إن كنا نحب أو نكره الرئيس الراحل محمد مرسي، لكنه كان رئيساً منتخباً لا يجب الإطاحة به إلا بواسطة نفس الطريقة التي جاء بها، أي الانتخابات. وكما يقول أهل القانون: الشيء ينقض بنفس الدرجة، القرار بالقرار، والقانون بالقانون، والدستور بالدستور.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.