هل انت من المؤيدين لي ولحكمي ولحكومتي تأييداً مطلقاً؟ أم أنت لا قدر الله من المعارضين؟
تكلم بحرية، تكلم بديمقراطية، تكلم يا ابن الشعب، تكلم بلا خوف، هكذا ظل الديكتاتور "الممثل محمد صبحي" في مسرحية تخاريف يطلب من المواطن المطحون مسلوب الإرادة رث الملابس أمامه أن يعبر عن رأيه في السياسات العامة للبلاد بلا خوف، وعندما بدأ المواطن حديثه، قاطعه الديكتاتور على الفور، أخبره أن الدستور أعطاه الكلمة وبالدستور أخذها منه.
ببساطة أيها المواطن.. شكراً روح لأمك.
ذهب المواطن لأمه كما طلب منه الديكتاتور، في واقعنا الحقيقي يخرج من يقول لا، لكنه لا يعود لأمه، الأغبياء يعتلون كل الكراسي، والموت لمن يقول لا، أو حتى نعم مختلفة عن نعم التي يقولها الطغاة، طبيب صيني كان آخر هؤلاء فلقي نفس المصير.
في كل صباح يؤدي مهمته بإتقان، كل الأيام تتشابه تقريباً، لا جديد يذكر، حتى ذلك اليوم الذي غير حياته، وربما يؤثر في مستقبل البشرية كلها. قبل شهور اكتشف الطبيب الصيني "كان لي وين ليانغ"، طبيب العيون فى مستشفى بمدينة ووهان، بؤرة تفشي فيروس ما، لم يصمت بل أعلن ذلك، قال إنه ربما يكون فيروس "سارس"، ظن أنه طبيب، وأن هذا من صميم عمله، السلطات الصينية لم تفهم هذا، فاتهمته بترويج الأكاذيب، التهمة الجاهزة والمفضلة لدى الطغاة والأغبياء، شخص ما يقول عكس ما نقول، إذاً فهو كاذب يبث الإشاعات، حذروه أن يعاود الحديث، قال لا الأمر خطير فانتبهوا، لكن من متى والأغبياء يستمعون للأذكياء؟
مرت الشهور وتفشى الوباء، مخلفاً مئات الضحايا وحالة رعب كبيرة يعيشها الكوكب وليس الصين فحسب، كان من الممكن أن تكون تلك نهاية القصة، لكن في هذا العالم الحكايات أشد مأساوية، مات الطبيب جراء إصابته بـ "كورونا"، هكذا قالت الجهات المعنية، لكني أحسبه مات هماً وغماً على عالم يحكمه الأغبياء.
في 30 سبتمبر/أيلول عام 2000، خرج طفل صغير مع والده في شارع صلاح الدين بقطاع غزة، يصرخ لا، في وجه شارون ومن وراءه، قال لا للكيان الصهيوني ولأمريكا، ولحكام العرب، "لا" تلك الأرض لنا، أخبرني جدي بهذا، والشارع الذي نحن فيه الآن قال ذلك أيضاً، يحمل اسم صلاح الدين، هل تعلم أمريكا وإسرائيل عنه شيئاً، أخبرني صلاح الدين الأيوبي أن أصرخ في وجهكم لا، وفي وجه كل جندي مغتصب لأرضنا، لكن شارون أخبره جده أن يقتل كل من يقول لا، فتحوا النيران على قضيتنا، تلقاها الفتى الصغير، مات هو لكنها عاشت بموته، في التلفاز أخبرونا بذلك، قالوا فتى قُتل في فلسطين يقال له محمد الدرة.
بلال فاكر ثورة يناير اللي حكيت لك عنها كتير؟
لما قلنا لا لمبارك والظلم والفقر؟
كنت تملك سنتين فقط، غداً ذكراها، ربما لم تتحقق
أهدافها بعد، ولذلك سننزل اليوم لنقول "لا". الحكاية لم تنته بعد، ما
زال في الحكاية عدة فصول لم تروَ بعد. وأرجوك أن تقول "لا" دائماً في
وجه كل خطأ تراه. احتضنته قبل المغادرة، كان رحيلاً وليس فقط مغادرة، خرجت الشابة
الثلاثينية لشوارع المحروسة كي تتذكر وتذكر من نسي، بأن الحل في قول لا، وليس في
التأييد والتهليل، وصلت لميدانها وتحريرها، أين مسنا الحلم، مبتسمة كانت تحمل
الورود، بينما العسكر اختاروا حمل السلاح، هتفت ليناير وللشهداء، وأطلقوا هم
النيران لمبارك ومن يسير على دربه، سقط الورد من يدها، لكنها ما سقطت، ظلت قائمة
حتى آخر عمرها، كانت رسالة أخيرة لبلال، إن عشت فعش حراً أو مت كالأشجار وقوفاً،
رحلت شيماء الصباغ ولكنها حققت ما قاله مصطفى إبراهيم:
"لكن ندراً عليّا ودين لتيجي عيالنا تشبهكوا"
إن هزمت يناير، وغادرتنا شيماء، فبلال يكمل المسيرة، والحكاية مستمرة وكذلك الثورة.
في ممالك الحديد والنار لا ينبغي إلا أن تقول نعم، وليس فقط هذا، بل تقولها مبتسماً منحنياً، وتلحقها بسيدي الملك، في السعودية ليس هناك فرصة أساساً لقول لا، ولا تستطيع أن تصمت، ينبغي أن يسمع محمد بن سلمان في قصره تهليلك ومديحك لصنيعه، لكن جمال كان له رأي آخر، نهج مغاير لابن سلمان وحاشيته وقصره، اختار أن يقول كلمته، وارتضى أن يدفع الثمن، في دول أقل ظلماً من المملكة تستطيع أن تقرر السير منفرداً، لكنك لا تستطيع توقع ردة الفعل، في أسوأ كوابيسه تخيل جمال خاشقجي أن يسجن، وفي أرحم سيناريوهات بن سلمان أن يقتل الرجل قتلة تقليدية، لا هذا حدث ولا ذلك، المملكة اختارت ان تغرد بعيداً عن السرب هذه المرة ربما على نهج جمال نفسه، قتل الرجل شر قتلة، واختفت جثته كما اختفت الحرية والكرامة في ربوع المملكة، قتل خاشقجي لكن حسبه أنه قال كلمته ومشى.
أقلية الأذكياء من حكام العالم يدركون أن القمع
والجهل والمرض تدمر الدول بحكامها وشعبها، وأن قول لا في وجهم لا يعني سوى أن هناك
وجهة نظر أخرى تهدف لصالح المجموع.
قبل أكثر من 1400 عام قال الحباب بن المنذر: يا رسول الله أمنزلاً أنزلكه الله، أم
هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال بل الرأي والحرب والمكيدة، فقال الحباب: فإن هذا
ليس بمنزل.
هل يعلم هؤلاء الأغبياء من حكام ذلك؟
لماذا يحرمون علينا قول لا في وجه كل مخطئ، ويخون من يقولها ومن يرددها، في حين يقدسون كلمة نعم، هل اتفقوا جميعاً على الغياب من المدرسة في درس الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية أم هل مزقوها من كتبهم؟
قال الشاعر يوماً: المجد للذين قالوا لا، ويقول الطغاة بل الموت للذين قالوا لا ولك أيضاً.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.