أنت لن تقرأ هنا قصة ألَّفها كاتب وأخرجها مخرج في هوليوود، بل ستقرأ عن واقع أليم عاشه مانشستر يونايتد على مدار تاريخه، وسيتضح لك لماذا مانشستر يونايتد هو أكثر فريق رومانسي في العالم مثلما قال السير أليكس فيرغسون يوماً ما.
فاز مانشستر يونايتد بالدوري الإنجليزي في الموسم التالي، فوصلت إليه دعوة للمشاركة في كأس أوروبا موسم 1956-1957، لكن مرة أخرى قررت رابطة الدوري الإنجليزي عدم المشاركة في البطولة الأوروبية، وهو ما جعل رئيس اليونايتد "هارولد هاردمان" ومدرب الفريق السير مات باسبي يعاندان ويصران على الاشتراك في المسابقة العام القادم. وبالفعل رضخت رابطة الأندية الإنجليزية لمطالبهما وأصبح فريق باسبي أول فريق إنجليزي يشارك في بطولة أوروبية.
في يوم 6 فبراير/شباط 1958، كان لزاماً على اليونايتد أن يتحرك للعب مباراة أوروبا ضد النجم الأحمر في بلغراد، لكن بعدها مباشرةً في اليوم التالي هناك مباراة مهمة ببطولة الكأس المحلية. وقتها طلب مسؤول الفريق الأول، السير مات بسبي، من رابطة الدوري تأجيل مباراة الكأس، لأنه ليس منطقياً أبداً أن يلعب فريق مباراتين في يومين متتاليين.
الاتحاد الإنجليزي كان -ولا يزال- متزمتاً تماماً، خصوصاً في أمور مواعيد المباريات للفرق الإنجليزية، بلا أي شفقة تجاه أي فريق يريد تحقيق إنجاز فريد. فجاءهم الرد من الرابطة كالصاعقة: "الانسحاب من الكأس أو من بطولة الكأس الأوروبية".
فكَّر بسبي وتساءل: هل ننسحب من بطولة الكأس المحلية على أهميتها أم نتخلى عن حلم تحقيق إنجاز غير مسبوق؟
ثم خرج إلى لاعبيه في التدريبات يوم 5 فبراير/شباط 1958، وقال: "لن ننسحب، سنشارك في البطولتين!".
فرِح اللاعبون والجهاز الإداري، لأن النادي بجميع أعضائه كان يريد تحقيق كل الإنجازات مثلما أراد بسبي. وبالفعل، ذهب الفريق إلى بلغراد ليلعب المباراة، وتعادل بنتيجة 3-3، ليضع قدماً وساقاً نحو المجد، وكان من المُقرَر الرجوع في الليلة نفسها، لكن يا ليتهم لم يعودوا!
ركب 44 شخصاً على متن الطائرة، وبعد أن أقلعت بهم توقفت لتعبئة الوقود في مطار ميونيخ، لأنه وقتها لم توجد رحلات مباشرة من بلغراد إلى مانشستر من دون توقُّف. بعد الانتهاء من تعبئة الوقود، ألغى كابتن الطائرة جايمس ثاين ومساعده كينيث رايمونت المحاولتين الأولى والثانية للإقلاع، وذلك بسبب عطل تقني يتعلق في المحرك الأيسر. الكابتن ثاين رفض البقاء في ميونيخ وقضاء الليل هناك؛ تخوفاً من التأخر في جدولة رحلات الطيران، مفضلاً البدء في محاولة ثالثة للإقلاع.
بدأ الثلج يتساقط في ذلك الوقت مكوناً طبقة ثلج مائعة جزئياً في نهاية ممر الإقلاع، فكان بديهياً أن تصطدم الطائرة بهذه الطبقة، مؤدياً إلى اصطدام الطائرة بالجدار المُنشأ في نهاية ممر الإقلاع، فتحطَّم جناح الطائرة الأيسر إثر اصطدامها بمنزل، ومات 21 شخصاً من الركاب الـ44، من بينهم 8 أزهار من زهور مانشستر يونايتد التي تفتحت كي تحقق المجد.
بعد وقوع الكارثة، بدأ الكابتن بالإسراع في إخلاء الطائرة من الركاب، وكان لحارس مانشستر يونايتد، هاري كريغ، دور كبير في إنقاذ وسحب الناجين من الحطام. التحقيقات التي أجرتها سلطات ألمانيا الغربية وقتها، أشارت إلى الكابتن ثاين باعتباره المُقصِّر الأول في هذه الحادثة، لأنه لم يحرص على تنظيف أسطح الأجنحة من الثلج المتراكم، بعدها استقرت التحقيقات على أن طبقة الثلج المائعة في نهاية الممر هي السبب الذي جعل سير الطائرة بطيئاً، مسبباً صعوبة في إقلاعها ومن ثم تحطُّمها.
انتقل لاعب مانشستر يونايتد دانكن إدواردز، الموهبة التي تحدثت أوروبا كلها عنها، إلى المستشفى بعد إصابته، لكنه توفي في الـ21 من فبراير/شباط، أي بعد الحادث بـ15 يوماً، وآخِر من تُوفي بسبب الحادث هو مساعد الطيار كين ريمينت، الذي صمد 23 يوماً في المستشفى، لكنه توفي أخيراً وارتفع عدد الوفيات إلى 23.
اللاعب هاري جريغ كان محظوظاً وشعر بخطورة الموقف قبل حدوثه مع بعض زملائه الناجين، فطلب منهم التوجه إلى باب الطائرة والقفز منها قبل انفجارها، فتم إنقاذ السير تشارلتون لكنه تعرَّض لعدد من الإصابات في الوجه، وتدهورت حالته النفسية كثيراً قبل أن يستردَّ عافيته بعد ذلك، ويَدين السير بوبي تشارلتون، الذي يُعد الآن رئيساً فخرياً للمان يونايتد، بالفضل لفيوليت الذي أنقذه في أثناء السقوط من الطائرة.
وانتهى جيل اليونايتد الذي كان سيغزو أوروبا بأكملها.
مع وجود السير مات بسبي طريحاً بالفراش في المستشفى بميونيخ، كان يتعين على مساعده "جيمي ميرفي"، الذي فاتته الرحلة إلى بلغراد بسبب مهامه كمدير لويلز، أن يعيد رفع الراية. جيمي ميرفي، مُساعد السير مات بسبي، أصر على أن يكون الحُزن دافعاً لبناء الفريق من جديد.
التبرعات الشعبية هي الحل!
عملُ السيدات والأطفال في الشوارع سيأتي للنادي بأموال بعد أن فقد كل شيء مع الحادث، نجم ريال مدريد آنذاك سانتياغو برنابيو كان يبيع قمصاناً وأوشحة عليها صور لدعم ضحايا الحادث في مدريد بإسبانيا، ورِبحها يذهب إلى مانشستر يونايتد.
وصل بهم ميرفي إلى نهائي الكأس، وبعد الحادث بعشر سنوات عاد يونايتد من جديد ليحقق الإنجاز الذي أراد أن يحققه وقت الحادثة بكونه أول فريق يحقق الكأس الأوروبية، لكن بقيادة الثلاثي الذهبي ليونايتد "دينيس لو، وبوبي تشارلتون (الذي نجا من الحادث)، وفتى موهوب اسمه جورج بيست"، ليُخلد فريق اليونايتد اسمه باعتباره أحد ثوار كُرة القدم الذين رفضوا أن يندثر اسمهم، وأن تبقى الراية الحمراء مرفوعة، كما قال بسبي لميرفي وهو في المستشفى بعد أن قالها للاعبيه في وداعهم.
قال سانتياغو برنابيو، أسطورة ريال مدريد ورئيسه السابق، كلمات محفورة في قلوب مشجعي الشياطين الحمر: "لو لم تحدث تلك الحادثة، لما أصبحنا زعماء أوروبا".
بعد ذلك جاء السير فيرغسون بعد أن كان اليونايتد طريحاً بين الصغار، جاء ليغزو أوروبا بأكملها، جاء ليرفع لواء اليونايتد، الذي لن ينخفض أبداً، لأن شعاره الدائم هو: "العودة جزء من الشعار".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.