“صلاة الهولوكوست بإمامة سعودية”: هل بدأ زمن التطبيع الديني مع إسرائيل؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/02/06 الساعة 11:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/02/06 الساعة 11:10 بتوقيت غرينتش
الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يؤم المصلين في معسكر أوشفيتز

نقلت وسائل الإعلام في الأيام الماضية "صلاة الهولوكست"  لعدد من "شيوخ" النسق الرسمي "الإسلامي" بمعسكر أوشفيتز في بولندا برعاية إسرائيلية واضحة باسم لجنة أمريكية يهودية، مستغلة الخلط. الزيارة والصلاة التي لاقت احتفاءً إسرائيلياً منقطع النظير من مختلف أجزاء كيان الاحتلال وعلى صفحاته التواصلية وبياناته الرسمية ودعايته الإعلامية. وأوشفيتز الآن هو نصب يرمز لحدث تاريخي لقتل مدنيين في جريمة لا نقاش فيها ومدانة ضد أي من كان عرقه أو جنسه أو لونه أو دينه. وفي سياق دولي متسم بالرشد والعدل وملتزم بالقانون الدولي ويحترم القرارات الأممية الملزمة التي تنفذ تسود وتحكم الجميع دون استثناء ولا استعلاء ولا انتقاء، تُبرَق لا تُخرَق سيرفض ذلك الفعل جملة وتفصيلاً ضد أي طرف. وذلك لا يخص طرفاً دون طرف بضمانات وقرارات واضحة على عدم التكرار والاستمرار وإنفاذ القانون.

وجوه بطرابيش ومعممة يتزعمها مسؤول سعودي سابق لما يسمى رابطة العالم الإسلامي التي يمولها النظام السعودي ويحتضن مقرّها الرئيسي. السعودية كنسق ومنظومة حكم، حصلت مباشرة من إسرائيل على "المقابل"، فوقع وزير داخلية الكيان الصهيوني، أرييه درعي، على قرار يسمح للإسرائيليين بزيارة المملكة السعودية لأول مرة في التاريخ لأغراض العمل والتجارة أو ما يعتبر عبادة، وفقاً لما نقلته صحيفة هآرتس الإسرائيلية، مشروطة بإذن مسؤول. "إسرائيل" في نفس يوم الجمعة التي أقيمت فيه صلاة الهولوكوست ببولندا، قادت شرطتها وجيشها ومنظومتها القمعية الأمنية بمختلف أجهزتها المدججة والمسلحة حملات الركل والرفس بحق المصلين في باحة ومقصورات المسجد الأقصى أمام كاميرات العالم، بل واعتقلت مُدرسة مسالمة كانت مرابطة بباحات الأقصى وأصدرت قراراً بمنعها يومين من البلدة القديمة.

وفي نفس الليلة قادت غارات جوية على جزء من فلسطين بغزة!

الراوية الإسرائيلية تغفل بقية مَن قُتلوا بالحرب العالمية الثانية أو أن من أبيدوا قليل، وليسوا بشراً، أو الذين قتلتهم وفتكت بهم هي في مجازرها المختلفة: صبرا وشاتيلا، دير ياسين، جنين، القدس،غزة، قانا، الشجاعية، الخليل، الجولان، سيناء، بحر البقر، عرق آخر يجوز فيه القتل.

بمقابل الرواية الصهيونية الممولة، هناك روايات وشروحات ونقاشات، ممنوعة وسط مسارعة إسرائيل نفسها إلى اتهام كل من يفتح القوس، بل توجد قوانين في بعض الدول تزج بمَن تطرق للموضوع في السجن قبل أي كلام بتهمة معاداة السامية. وبهذا الحكم فالعرق اليهودي "السامي" فوق كل اعتبار. أما بقية الإنسانية فإلى الاندحار والانتحار والاتجار.

صلاة الهولوكوست بإمامة سعودية

إسرائيل التي باتت الصديق المقرب حسب تصريحات مسؤوليها لدول منطقتنا وأنظمتها التي غالباً تلقت وعوداً بالحماية والرعاية والدعاية، لفزاعات مختلفة: الإخوان، أردوغان، أو إيران. وسط حراكات شعبية تنذر  بالتغيير القادم لا محالة.  ووجدت في ترامب حسب نتنياهو أعظم صديق على مر تاريخ إسرائيل، وأن الفرصة لن تتكرر مثل ما أتيح في هذه الأيام، فيجب استغلالها.

ورأينا جميعاً كيف تحول ماكرون من فرنسا "العلمانية" بلد الأنوار الذي منع الحجاب، واضطهد المسلمين كيف لبس الطاقية ووقف "قسراً" عند جدار المبكى، فانمحت العلمانية فجأة، ثم غطى على المشهد بافتعال خصومة على أرض كنيسة تحت حماية فرنسية كما فعل سلفه شيراك، ثم تابعنا كيف تحادث بوتين "زعيم" الممانعة ورمز بلد الاشتراكية زماناً.

مكونات منتظم دولي مائل، لا عادل!

الخلاصة، مزيد ضعف للصف الإسلامي الممزق أكثر وتنازلات أكبر وهو الذي صمت في مناسبات سابقة، في بورما وسوريا واليمن، ولا صلاة على أحد ممن قتلوا في مجازر ودفنوا بمقابر المسلمين.. والنتيجة أيضاً إن استمر الوضع، عزل فلسطين وحصارها وإخضاعها للشروط الجديدة "صفقة القرن" التي يتم طبخها على نار هادئة وعلى فترة ممتدة وطويلة من الاشتغال، يمكن أن تتجاوز محمود عباس إلى من بعده، تستغل الانقسام الداخلي الفلسطيني وضعف محيطه الإسلامي العربي الإقليمي واختلال الموازين عالمياً على رقعة الأحداث، لصالح دول الاستكبار والاستخبار والاستعمار إلا أن تتغير المعطيات والمواقف ويلمّ الجسم شمله ودمه وعرضه.

لا نغفل صحوة الشعوب وحراكاتها والتي قد تقلب الموازين بأي لحظة وقد بدأت بعدد من الدول والأنساق التي على تجاربها علامات واستفهامات، وانجمع بعضها بكوالالمبور. كما يحاول عدد من الممانعين بمواعيد ومناسبات ومؤتمرات، لتكثيف الجهود وللتنسيق.

ولعل الحملة العالمية لصلاة الفجر من أجل الأقصى تأتي ضمن هذه الجهود الرمزية التي تشكل الشرارات الأولى ليقظة أمة. وشاهدنا كيف أعادوا الشيخ عكرمة الذي طردته آلة الاحتلال محمولاً على الأكتاف، مقابل ما سماهم أحدهم شيوخ الهزيمة.

إن مَن يدافع من بني جلدتنا، شيوخا أو نشطاء، عن جرائم كيان الاحتلال "إسرائيل" بلبوس الحياد أو الإنسانية المتسامحة أو يلبس المعلومة على الناس، كمن يساعد مجرما مدججا بالسلاح يقتل في جرائمه ومجازره ويغطي عليه ويشجعه على دعايته وممارساته.. مواقف نقابات الإعلام بالعالم واضحة،  والجسم الإعلامي الفلسطيني والعربي بمختلف مكوناته، والإجماع الوطني المغربي واضح من جرائم كيان الاحتلال. والخيانة والتطبيع جريمة مدانة..

لست أدري أين وصل مقترح قانون لتجريم التطبيع تقدمت به فرق برلمانية مغربية لازال مجمّداً برفوف البرلمان لأسباب مجهولة!

حفيظ زرزان هو إعلامي وكاتب رأي مغربي مهتم بشؤون السياسة وحقوق الإنسان

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

حفيظ زرزان
إعلامي وكاتب رأي مغربي مهتم بشؤون السياسة وحقوق الإنسان
إعلامي وكاتب رأي مغربي مهتم بشؤون السياسة وحقوق الإنسان
تحميل المزيد