انتخابات مبكرة أو تنحي الملك.. هل يسير ميسي على خطى ريفالدو؟

عدد القراءات
7,404
عربي بوست
تم النشر: 2020/02/05 الساعة 17:47 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/02/06 الساعة 10:01 بتوقيت غرينتش

التاريخ يجيب الحاضر

مدرب لا يطيق ذلك النجم، ويقولها علانية وصريحة، لن يلعب وأنا موجود، ويعاني الفريق تحت قيادته من سوء النتائج، والإدارة لا تُسمن ولا تُغني من جوع، مجموعة أسماء غير قادرة على الحسم، وفاشلة تماماً في حماية اسم النادي بالخارج، لذلك صار معظم لاعبي الفريق عرضةً للشدِّ والجذب في مختلف وسائل الإعلام.

البعض سيتوقع أن العبارات السابقة تصف حال برشلونة مؤخراً، لكن تلك المناسبة تعود إلى فترة 2002-2003، الفريق الذي عانى كثيراً مع فان غال وغاسبارت، حتى انتفضت الجماهير وطالبت برحيل الجميع، ودون رجعة. وكانت مباراة إشبيلية هي الفاصلة. انتهت 2002 مع مشاكل لا تعد ولا تحصى، ليأتي يناير/كانون الثاني 2003 ويرحل لويس فان غال بعد أن تسبب في مزيد من المشاكل التي أسهمت في "تطفيش" ريفالدو، الأيقونة الأهم للجيل القديم.

والأمر لم يتوقف عند ذلك، بل تم إجبار الرئيس غاسبارت على الاستقالة، مع وعد بإقامة جمعية عمومية غير عادية في مايو/أيار 2003، مع تحول كل المهام إلى نائبه، السيد إنريك رينا مارتينيز، لكن الضغط استمرّ ليولِّد انفجاراً من نوع آخر، ويرحل مندوب الإدارة مع استمرار الطوفان الجماهيري، ليتولى السيد خوان ترايتر مسؤولية تسيير أمور النادي حتى انعقاد الانتخابات في يونيو/حزيران 2005، لتفوز جماعة الفيل الأزرق بقيادة لابورتا وروسيل، ودعم كامل من يوهان كرويف.

برشلونة والإرث الراديكالي  

برشلونة نادٍ غريب الأطوار، له تقاليده الخاصة وإرثه المُغاير، مع مزاجية واضحة للجميع بلا استثناء، من جماهير ولاعبين وحتى مدربين، لذلك يحدث التغيير داخله بشكل راديكالي ثوري أكثر منه براغماتي هادئ. حدث ذلك من قبل مع غاسبارت، وساندرو روسيل، وأفلت لابورتا بفضل معجزة غوارديولا، بينما ينقذ ميسي بارتوميو وإدارته مراراً وتكراراً في آخر ثلاثة أعوام، لكن كل شيء عندما يزيد عن الحد فإنه ينقلب إلى الضد، هكذا كانت علاقة اللاعبين والإدارة داخل أروقة النادي الكتالوني طوال الفترة الماضية، صداقة ظاهرية ونار تحت الرماد.

كيف طفت الأزمة على السطح؟

"لم تتم إقالة فالفيردي بسبب سوء النتائج بقدر ما كان قرار الإقالة بسبب مشاكل غرف خلع الملابس، بالطبع لم يكن من السهل أبداً اتخاذ هذا القرار، لكن لم يشعر الكثير من اللاعبين بالرضا عن فالفيردي، وكان هناك لاعبون لا يتدربون بشكل قوي".

كان هذا تصريح المدير الرياضي إيريك أبيدال لصحيفة "سبورت"، بعد نهاية فترة الانتقالات الشتوية الأخيرة، وإصابة ديمبلي وقبله سواريز، مع إكمال الفريق الموسم بثنائي من المهاجمين فقط، وجناح عمره 17 سنة.

تصريحات أبيدال قد تودي به قريباً

ميسي لم يسكت هذه المرة، ليردّ على هذا النحو: "عندما يكون اللاعبون ليسوا على ما يرام في الملعب. نحن أول من نعترف بذلك، لكن يجب أن يتحمل المسؤولون عن الإدارة الرياضية مهامهم، وقبل كل شيء يتحملون مسؤولية القرارات". وأتم "أخيراً.. أعتقد أنه عندما نتحدث عن لاعبين يجب أن نحدد أسماء، لأننا إذا لم نقم بذلك فإن الاتهامات ستُوجه إلى الجميع، وسيدعم ذلك الأشياء غير الصحيحة التي تشاع".

هكذا ظهرت الأزمة في الواجهة لكن بالتأكيد لها جذور سابقة بدأت منذ عام 2017، بالتحديد عند رحيل نيمار وتعويضه بالثنائي ديمبلي وكوتينيو. الأول لم يشارك بقدر ما أصيب، بينما الثاني لم، وربما لن يُثبت نفسه بألوان البلوغرانا، ليحمل ميسي الفريق على عاتقه بنسبة تزيد عن الـ70%، ويحقق بطولتي ليغا، لكن مع فشل أوروبي واضح، لأن اليد الواحدة لا تخدم المجموعة، خاصة في مباريات الشامبيونز المعقدة.

رد ليو ميسي على أبيدال

ميسي وزملاؤه يحبون فالفيردي، بعيداً عن كرة القدم والتكتيك وخلافه، اقترب المدرب السابق من الجميع بفضل شخصيته الهادئة، وإعطائه أياماً أكثر للراحة، والأهم من كل ذلك أنه غير معقد، مثل غوارديولا على سبيل المثال. ميسي وسواريز وراكيتيتش وبوسكيتس وألبا، كل هؤلاء دعموا فالفيردي مثل الرئيس بارتوميو وأكثر، حموا ظهره وأصروا على استمراره، بالتالي من الواضح أنهم يعتبرونه مدربهم المثالي، لماذا؟

لأنه لن "يثقل كاهلهم" بالضغط والتفاصيل والتعليمات المتكررة مثل غيره.

مَن المسؤول؟ 

الحقيقة أن الفشل مشترك بين فالفيردي، ولاعبيه، وإدارة النادي، كل اللاعبين يتحملون كل اللاعبين بلا استثناء، جنباً لجنب مع الإدارة وفالفيردي. إرنستو ليس مدرباً سيئاً خططياً، بالعكس له ما له، وقدم أشياء جيدة هذا الموسم، وأشدنا بها، لكن هزيمة ليفربول ليست تكتيكية فقط، بل الأمر أكبر من ذلك.

لا توجد شخصية، جرأة، قرارات سريعة، وعقلية تتحمل الضغوطات. ربما في لحظة مثل هذه كل القرارات انفعالية وعنترية، وهذا أمر طبيعي ومتوقع. لكن يجب التأكيد أن برشلونة يحتاج إلى قرارات جريئة، لا تشمل فقط فالفيردي، بل رجال المشروع الرياضي ككل، وهذا هو أس المشكلة.

تصريحات أبيدال خرجت لتبرئة نفسه والإدارة من كل ما سبق، وكأنه يقول إن اللاعبين هم مَن أرادوا استمرار المدرب، ثم قرروا إقالته في النهاية، أو بعضهم دون ذكر أسماء، مما يجعل بارتوميو وأبيدال وغيرهم مجرد واجهة، أشخاص تم انتخابهم لأخذ صور في كامب نو، بينما تدير غرفة الملابس النادي من الألف إلى الياء، وهو ما يجعل ميسي ورفاقه في وجه المدفع، أمام الجمهور والمدرجات والإعلام، لأنهم السبب في كل ذلك.

حقّ يُراد به باطل.. لماذا؟ 

لأن غرفة الملابس تضخمت فعلياً في عصر فالفيردي، لكن ليس بسبب اللاعبين فقط، ولكن نتيجة ضعف الإدارة كذلك زاد الحمل على ميسي أضعافاً وأضعافاً، نظراً لفشل أبيدال ومن قبله في تدعيم الفريق بشكل إيجابي، ليصبح البارسا بمثابة "نكتة" الجميع، حيث يذهب إلى أي فريق ويشتري بـ100 و120 و150 مليوناً، ليجلس هؤلاء على الدكة أو يرحلون سريعاً دون أي بصمة.

موضوع فالفيردي نفسه غير مفهوم، الإصرار على استمراره بعد كارثة الأنفيلد وخسارة الكأس، ثم رحيله في منتصف الموسم فجأة، وتعويضه بمدرب لا يملك الظهير الإعلامي والجماهيري. كل هذه الأمور تؤكد أن إدارة البارسا تفتقد إلى الحكمة والعقل والمنطق، مما يجعلها في خانة الاتهام قبل اللاعبين، لأن اللاعب في النهاية يحب ويكره، يستعمل عقله وقدمه وقلبه ورأسه، لكن ليس مطلوباً منه اتخاذ القرار، أو بمعنى أوضح، ليس من شأنه البت في الأمور الإدارية والرياضية، هذا من اختصاص الإدارة فقط.

ترك بارتوميو سلطاته بإرادته أو رغماً عنه، وأصبح مثل السياسي الذي يتفنّن في تأجيل المصائب لا حلها، بمعنى أنه يستخدم بذكاء نظام "شوف العصفورة" عند حل المشاكل، حيث يضع مشكلة أكبر مع كل أزمة حتى يشتت انتباه الجماهير ويشغل الإعلام في اتجاه مغاير، أملاً في وقت أطول للابتعاد عن موجات الغضب.

بارتوميو السياسي الذي يتفنّن في تأجيل المصائب لا حلها

الأمثلة توضح ذلك، بعد خسارة روما في الأولمبيكو، خرجت الإدارة بخبر أن اللاعبين يريدون فالفيردي، ثم بعد خسارة ليفربول وفالنسيا، جلبت الإدارة غريزمان سريعاً بعد دفع الشرط الجزائي وشغلت العالم بأخبار نيمار، حتى نسي الجميع المشكلة الأساسية، المتمثلة في سوء القرارات الاستراتيجية من جانبهم، وضعف المستوى الخططي للفريق من جانب المدير الفني.

حتى عندما قرّر بارتوميو إقالة فالفيردي، اتّجه أولاً إلى تشافي، الاسم الكبير المحبوب من دون أي خبرات، حتى يحميه من غضب الجمهور، ويضعه كحائط صدٍّ بينه وبين اللاعبين. أبيدال نفسه يتم استخدامه حالياً بنفس الطريقة، لاعب سابق محبوب ومدير رياضي فاشل، وعند تضاعُف الأزمة كالوضع الراهن، فإن إقالته جاهزة في المكتب، لكن من دون المساس بالرئيس ونائبه.

ليو ميسي والمستقبل المجهول

مستقبل أبيدال في مهبّ الريح، لكن هذه المرة ربما يشمل الأمر ما هو أكبر منه، لأن كل التجارب الحالية تنذر بموسم كارثي في كتالونيا، مع إصابات سواريز وديمبيلي، كبر سن ميسي وضعف لياقته، عدم تأقلم غريزمان، وصعوبة تكيف كيكي سيتيين خلال فترة زمنية قصيرة، لذلك فإن خسارة البطولات الثلاث سيناريو حاضر وبقوة، ولديه أبعاده ونظرياته وأسبابه، وهو ما يدل على مشاكل أكبر، ربما لن تكتفي أبداً بالتضحية بأبيدال أو حتى سيتيين، بل الرأس الكبيرة التي أحضرت هؤلاء.

جمهور برشلونة يعشق ميسي، الأمر ليس فيه تقليل من قيمة النادي، لأن نفس هذا الجمهور هو الذي وافق على بيع رونالدينيو بكل سهولة، ولم يصنع ثورة حينما رحل ريفالدو، وكره فيغو من الوريد للوريد بعد انتقاله إلى مدريد، لكن ميسي أمر مختلف، إنه جزء لا يتجزأ من هذا النادي من وجهة نظر عشاقه، وقطعة أساسية في سجلات الفخر بتاريخ البلوغرانا في كتب كرة القدم.

هل يرحل ليو عن برشلونة؟

ليو ليس مجرد نجم قاد الفريق لانتصارات، أو حتى أسطورة فازت بكل شيء ممكن، أو تكمن قيمته في كونه اللاعب الأعظم على الإطلاق في تاريخ بارسا، لكن العشق أعمق من ذلك بمراحل، لأنه خاص بالطفل الذي أنقذه برشلونة من مصير مجهول، فحفظ الجميل عن ظهر قلب، وردّه أضعافاً وأضعافاً داخل المستطيل الأخضر، من خلال سنوات المجد التي لا تتكرر بسهولة، لذلك يضرب الملك بيد من حديد لأنه يعرف جيداً أن المدرجات معه.

اختلف ميسي كثيراً مع غوارديولا، واحتفظت أسماء مثل بيبي كوستا بموقعها في الجهاز الفني بسبب شيء واحد فقط، أنهم أصدقاء ليو، ومع معرفة جمهور بارسا أن هذا الأمر يمثل نقطة سلبية من الصعب نفيها، إلا أن كل هذه النقاط لا قيمة لها في حضرة مزاج النجم الكبير، الذي يصنع أقوى نظريات البهجة بالكامب نو، لذلك فإن غضب ليو هذه المرة لن يمر مرور الكرام. من السهل توقع إنهاء وظيفة أبيدال بتوقيع قلم، لكن من الصعب، بل المستحيل الجزم بأن الأمور انتهت عند هذا الحد، لأن الأرجنتيني بدأ يضيق ذرعاً بما يحدث في الغرف المغلقة، من قرارات إدارية كارثية، ورميها بحق ومن دون على اللاعبين فقط، وكأن بارتوميو رئيس مع إيقاف التنفيذ!.

أحمد مختار هو صحافي رياضي، وكاتب مهتم بالتحليل والحديث عن كرة القدم وقصصها.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد مختار
صحافي رياضي، وكاتب مهتم بالتحليل والحديث عن كرة القدم وقصصها.
صحافي رياضي، وكاتب مهتم بالتحليل والحديث عن كرة القدم وقصصها.
تحميل المزيد