لست هنا لأتحدث عن صفقة القرن ولا عن شعب فلسطين، إنما لأتحدث عن نفسي عندما كنت طالب الصحافة في الجامعة، مزهواً نشيطاً منطلقاً، أتحسس ملامح مهاراتي التي أسعى لأصقلها.
في خضم ذلك عملت مراسلاً لصحيفة ومجلة محلية، كنت أكتب عن المحليات والمحليات وفقط ، كان همّاً أن أكتب عن هؤلاء الذين يعانون ومازالوا من مستشفى لا يقدم خدمة طبية، أو طريق يوصف بطريق الموت، أو امرأة تلد أربعة أطفال توائم، وهكذا.
وعندما بدأت في التطور تدريجياً بمراسلة إحدى الجرائد الحزبية، بدأت موضوعاتي تختلف، أكتب عن احتجاج هنا، أو مظاهرة هناك، لكن الذي كان يسمح لي به أكثر من غيره في تلك الجريدة هي تغطية مظاهرات الطلاب تنديداً بالاعتداءات الصهيونية، مظاهرات تنديد بمقتل محمد الدرة، وأخرى ضد اغتيال الشيخ القعيد أحمد ياسين وثالثة في مهرجان دعم المقاومة الفلسطينية.
كنا نتحرك كطلاب وكصحفيين بعيداً عن القرار السياسي المصري والعربي الذي اعتبرناه وقتها قراراً متخاذلاً لدعم المقاومة الفلسطينية، كان النشطاء من الطلاب يوزعون الحلوى بعد كل عملية استشهادية، وكنا نسمع عبر مكبرات الصوت مكالمات هاتفية مباشرة مع الدكتور عبدالعزيز الرنتيسي.
كنا.. نعم كنا نتحرك في الجامعة على نفس نسق وقوة الحراك الفلسطيني، وهكذا استمر الوضع حتى تخرجت.
لكنه لم يتوقف بالنسبة لي على الأقل، عملت في موقع عشرينات -موقع الشباب العربي التابع لشبكة اسلام أون لاين- وكانت أحد أهم مصادري التي أغطي أخبارها هي الحكومة الفلسطينية الجديدة التي تشكلت بعد انتخابات برلمانية شهد العالم بنزاهتها وأتت بحماس على رأس الحكومة.
وعندما اشتد الحصار على الحكومة، وحُصر قطاع غزة، ضاقت الحياة على أهلها وانفجروا محطمين سور الحديدي على الحدود المصرية الفلسطينية، وعبر مئات الآلاف من الغزاويين إلى سيناء بحثاً عن كل ما يمكن شراؤه من سلع لإدخالها إلى قطاع غزة المحاصر، تركت امتحاني في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية وانطلقت إلى الحدود، عبر رفح المصرية وككثير من الصحفيين والنشطاء عبرنا الحدود المفتوحة ودخلت غزة لأول مرة في ٢٠٠٨.
ربطني وقتها بالقطاع أمران، الشعب المحاصر ومقاومته والأمر الآخر هو المسؤولية الصحفية لنقل واقع هؤلاء المستضعفين في الأرض. وكان الاحتكاك الأول لي في مستشفى الشفاء ومقر الحكومة المقصوف، بالمقاومين المرابطين على الجبهة، والمخيمات واللاجئين من وطنهم إلى داخل وطنهم، والحصار يجمع كل هؤلاء.
وعلى مر السنين لم يمت عندي الاهتمام بالقضية العربية الأولى، وكما ظلت فلسطين تتصدر لائحة الاهتمام العالمي كانت عندي دائماً الأهم، حتى مع قدوم ما بات يعرف باسم الربيع العربي وثوراتها رغم عدم ثبات نجاحها الفعلي حتى الآن.
في مايو ٢٠١٣، كانت زيارتي الأخيرة لغزة، هذه المرة لم تكن تضامناً مع المقاومة أو حتى ضدها، لكنها كانت زيارة استثنائية في توقيت استثنائي لعبور الأنفاق إلى غزة لاكتشاف ما حقيقتها ولمَ أصبحت رائجة بهذا الشكل؟، وكانت حلقة استثنائية من حلقات برنامج آخر كلام.
لماذا أذكر كل هذا الآن في هذه التدوينة، سؤال حقيقي لم يكن عندي له إجابة سوى ماذا حدث لنا لكي يصبح تفاعلنا مع القضية الفلسطينية الحالية بهذا الخزي المريع؟
ماذا حدث لتصبح القضية مجرد تفاعل عربي على صفحات فيسبوك وتويتر من بعض النشطاء وفقط؟
هل كانت الثورات العربية مسماراً آخر في نعش التضامن العربي تجاه المقاومة؟
هل أصبحت الخلافات العربية العربية تتحكم في الشعوب التي كانت تتظاهر من المحيط للخليج وتدعم مادياً ومنعوياً المقاومة؟.
الحقيقة التي مازلت أؤمن بها منذ زيارتي الأولى لفلسطين هي أن "فلسطين لا تحتاج المال ولا الرجال، فلسطين تحتاج إلى إرادة عربية سياسية موحدة لتحرير الأرض من يد المغتصب الصهيوني"، انتهى.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.