لم يظهر برشلونة بالشكل المثالي أمام غرناطة في كامب نو، رغم الفوز، وخسر بأحقية أمام فالنسيا في ميستايا، لتزيد الضغوط على المدرب الجديد، رغم أنه لم يحصل بعد على أكثر من أسبوعين في مهمته الجديدة، بعد إقالة سلفه إرنستو فالفيردي في منتصف الموسم.
خطة لعب 3-5-2 وأسلوب كيكي سيتيين يعتمدان على الكثافة والسيطرة في منطقة الوسط، من أجل خلق الفراغات في وبين الخطوط، ونقل اللعب من العمق إلى الطرف أو العكس، بحثاً عن اللاعب الحر الهارب من الرقابة، الذي يعرف تكتيكياً بالـ 3rd Man.
في مباراة فالنسيا، لم يصنع البارسا أي فرصة بالشوط الأول، وتحول الاستحواذ إلى نسخة سلبية واضحة، لعدم خلق التفوق النوعي والعددي خلف خطوط ضغط فالنسيا، لعدة أسباب أهمهما:
– لا يوجد جناح أيمن قوي في 1 ضد 1، أنسو فاتي لاعب خطورته تكمن داخل الصندوق في ترجمة الفرص إلى أهداف، حتى قوته على اليسار عندما يقطع ويسدد مباشرة.
– لا يوجد لاعب وسط قادر على القطع من الثبات للصندوق، مع نقص لياقة أرثور وسوء مستوى دي يونغ في الميستايا، مما جعل وسط برشلونة يظهر وكأنه على خط واحد، ثلاثي خلف الكرة لا أمامها.
– عاد ميسي كثيراً للوسط رغم وجود 3 لاعبين في هذا المكان، مما جعل العمق الهجومي ضعيفاً، خاصة مع إصابة سواريز وعدم تأقلم غريزمان بعد في المركز 9.
نتيجة لذلك ظهرت عدة لقطات يتواجد فيها ميسي، دي يونغ، بوسكيتس، أرثور في منطقة واحدة، مع صعوبة فتح الملعب طرفياً لضعف أنسو فاتي في المراوغة، وسوء تصرف جوردي ألبا في بعض الكرات، بالإضافة إلى عدم وجود جناح أمامه لسحب الظهير المقابل، والسماح له بعمل "الأوفرلاب"، جنباً لجنب مع عدم فهم غريزمان لمركزه الحالي، كنصف مهاجم ونصف جناح بالشكل المطلوب.
منذ وصولي خضنا 6 وحدات تدريبية، نعم هناك أشياء علينا أن لا نفعلها مرة أخرى في الميدان، نحاول أن نقوي التواصل بيننا (بينه وبين اللاعبين) لكن ليس من السهل دائماً الشرح والفهم، هذا طبيعي جداً.
كان هذا حديث كيكي سيتيين بعد خسارة فالنسيا وقبل مواجهة ليغانيس، بأنه يحتاج إلى الوقت قبل كل شيء، لأن الأخطاء لن يتم حلها في يوم وليلة، دون نسيان فيروس الإصابات وغياب بعض الأسماء، والأهم من كل ذلك عدم فهم اللاعبين لطريقة المدرب الجديدة دون التجربة، في التدريبات وداخل الملعب.
بعد معاناة برشلونة بوضوح أمام فالنسيا بالشوط الأول مع رسم 3-5-2، تحول كيكي إلى خطة 4-3-3 أمام ليغانيس بالكأس. فريق أغيري يلعب بشكل دفاعي، تحسن مؤخراً مع المكسيكي، وأصبح يدافع بطريقة متأخرة للغاية، مع وضع كثافة عددية أمام مرماه، لذلك اختار المدرب الجديد للبارسا لاعبيه بعناية فائقة، وفقاً لمستواهم الحالي وطريقة لعب منافسهم.
غريزمان في المركز 9، رأس حربة صريح في العمق لكنه يتحرك كثيراً نحو الأطراف، بالتبادل مع فاتي وليو ميسي. فاتي لم يكن موفقاً أبداً على اليمين لأنه ضعيف في موقف 1 ضد 1، لذلك تحول إلى اليسار ليجد الدعم الذي يحتاجه من جانب ألبا، بينما أصبح ميسي على اليمين كجناح وهمي، يبدأ على الخط لكنه يستلم في العمق، من أجل إتاحة الفرصة أمام سميدو للانطلاق على الخط فيما يعرف تكتيكياً بـ "أوفرلاب"، أي يصعد الظهير كجناح هجومي صريح مع دخول الجناح الأصلي إلى العمق في مركز صناعة اللعب.
في خط الوسط، بدأ دي يونغ على اليمين وفيدال على اليسار، لسبب تكتيكي بحت، فميسي يستلم كثيراً في أنصاف المسافات على اليمين، ويحتاج دائماً إلى ثنائي يقطع داخل منطقة الجزاء، ألبا على اليسار وسواريز في العمق، ومع غياب لويس للإصابة فإن سيتيين راهن على أرتورو في هذا الجانب، حتى يصنع العمق المطلوب داخل الصندوق، فيما تواجد الهولندي يميناً للربط مع الأرجنتيني في صناعة اللعب وتدوير الكرات في المساحات الضيقة.
دفاعياً، لم ينجح روبرتو في المباريات الأخيرة لذلك كان منطقياً البدء بسيميدو. البرتغالي ليس أفضل حالاً لكنه أسرع أثناء التحولات، ويرتد بطريقة خاطفة عند المرتدات، مما يجعله خياراً أكثر أماناً مع ميسي الذي لا يدافع إلا نادراً، جنباً لجنب مع الثلاثي بيكيه، لونجلي، وجوردي ألبا.
إيجابيات وسلبيات
"غيرنا الخطة إلى 4-3-3، لأننا أدركنا أننا هكذا سنكون أفضل دفاعياً وهجومياً، بسبب الطريقة التي يلعب بها ليغانيس، أعتقد أننا قمنا بالكثير من الأشياء الجيدة، لكنني لست سعيداً تماماً بالأداء"
– كيكي سيتيين.
تحسن برشلونة بوضوح في جوانب عديدة، سواء في تحقيق التوازن المنشود هجومياً على الطرفين، بتواجد ميسي في أنصاف المسافات لفتح الطريق أمام صعود سيميدو على اليمين، كما حدث نصاً في لقطة الهدف الأول، عند استلام البرتغالي في المساحة الشاغرة لانشغال الكل بالرقم 10، وتحرك غريزمان الصحيح داخل الصندوق كرأس حربة حقيقي لا مجرد وهمي، مع تصرفه السريع باللعب من لمسة واحدة والتسديد في المرمى.
أيضاً حصل البارسا على ميزة الرجل الثالث الحر البعيد عن الرقابة على اليسار، لأن الخصم انشغل بتحركات ميسي ودي يونغ في اليمين، مما جعل هناك فراغاً لحصول جوردي ألبا وفيدال على الكرات في مناطق قريبة من المرمى دون رقابة، كلقطة الهدف الثاني الذي لم يحتسب بسبب التسلل.
ضغط صاحب الأرض في نصف ملعب ليغانيس باستمرار، ليستفيد بوسكيتس من هذا الوضع جيداً. الكتالوني لم يعد مثل السابق بسبب عوامل السن وضعف اللياقة، لكنه يتحسن كلما تواجد أكثر في نصف ملعب الخصم، مما يجعله غير مضطر لقطع عشرات الأمتار مثل السابق أثناء التحولات، لأن فريقه يقطع الكرة في مناطق مبكرة من الملعب.
مع هذه الإيجابيات كانت هناك سلبيات واضحة أيضاً، لأن ضغط برشلونة لم يكن مركزاً بالشكل الكافي، مع ضعف لياقة بعض الأسماء مثل ميسي، بوسكيتس، وحتى فاتي الصغير، لذلك حصل ليغانيس على بعض الفرص الخطيرة بمجرد الهروب من مصيدة الضغط المبكر، لوجود مساحات واضحة أمام وخلف الظهيرين. إنها معضلة البارسا الكبيرة نتيجة نقص مجهود الثلاثي الهجومي، وصعوبة تغطية لاعبي الوسط للعمق والأطراف في آن واحد.
التحكم في الإيقاع
عملية النقل من فالفيردي إلى سيتيين ستأخذ وقتاً، وكل تجربة تحتاج إلى وقت من الأساس، هذا ما يحتاجه مدرب برشلونة الجديد، لأن الفريق لم يعد يتحكم في نسق المباريات مثل السابق خلال المواسم الأخيرة، وهذا ظهر بوضوح في نهاية الشوط الأول أمام ليغانيس، بسبب فقدان بعض الكرات في المنتصف، والبطء الواضح في التحولات من الهجوم للدفاع.
يقول كيكي بعد اللقاء: "في الدقائق الأخيرة من الشوط الأول، تسرعنا، لعبنا بسرعة أكثر من اللازم، لذلك يجب علينا أن نتحكم في سرعة اللعب، والبطء أحياناً، إذا لم نفعل ذلك، سوف نخسر الكرة، مما يتسبب لنا بمشاكل".
تصريح منطقي للغاية من مدرب البلاوغرانا، لأن الشوط الثاني تحسن فيه البارسا في هذا الجانب، خاصة مع عودة دي يونغ خطوات للخلف بالقرب من بوسكيتس، مما ساعده في التحكم والسيطرة وعدم فقدان الكرات بتسرع، كذلك تحسن الأمر بشكل أوضح بعد دخول أرثور، البرازيلي المميز جداً في الحيازة والدوران وتهدئة نسق اللعب بعض الشيء.
سجل ميسي الهدف الثالث بعد قيام دي يونغ بدور صانع اللعب من الخلف. صحيح أن الهولندي يلعب بشكل متقدم لحاجة سيتيين إلى لاعب وسط يشغل الفراغات بالأمام، أملاً في فتح الملعب على الأطراف أمام الظهيرين، لكن أيضاً في بعض الأوقات يحتاج إلى اللاعب الذي يتحكم ويستحوذ ويسيطر ويمرر الكرات إلى ميسي، دون الحاجة إلى عودة الأرجنتيني من أجل فعل كل شيء.
سيطر البارسا بعد الهدف الثالث على طول الخط، ليسجل أرثور الرابع ثم ينهي ليو المباراة بالهدف الخامس، في تطور واضح عن مباراتي غرناطة وفالنسيا على مستوى الأداء والنتيجة، لكن مع وجود هامش كبير للتحسن والعمل، سواء في تعديل منظومة الضغط عند فقدان الكرة، أو السرعة في التحولات من دونها، بالإضافة إلى إيجاد أفضل صيغة مناسبة لملء منطقة الوسط وإجبار الخصم على ترك بعض المساحات أمام الأطراف، التي تحتاج إلى قرارات أفضل وذكاء أوضح من جانب الثنائي سميدو وألبا، حيث الحلقة الأضعف في المنظومة حتى الآن، ألا وهي منطقة الهجوم من الأظهرة، ومحاولة تعويض سواريز بالعمق، سواء بدخول فيدال إلى الصندوق، أو فهم غريزمان لأبجديات مركزه الجديد شيئاً فشيئاً، كنصف جناح يتحول إلى الأطراف، ونصف مهاجم يقطع طولياً لا عرضياً، كما يفعل الفرنسي في معظم لعباته حتى الآن.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.