“فوضوي.. شرير.. لا يتحمل المسؤولية”.. ما أوجه الشبه بين الجوكر ومحمد بن سلمان؟

عدد القراءات
924
عربي بوست
تم النشر: 2020/01/30 الساعة 15:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/01/30 الساعة 15:55 بتوقيت غرينتش

في مشهدٍ شهير من فيلم The Dark Knight، تقدّم شخصية "الجوكر" نظرة نادرة تتعمق وتفصح عن سبب قيامه بأفعاله الفوضوية والتخريبية. يقول: "أنا مثل كلب يطارد السيارات. لم أكن لأعرف ماذا سأفعل إذا لحِقت بإحدى تلك السيارات، أتدري، أنا فقط أفعل أشياء"!

بعيداً عن ذلك المشهد، ولكن في قلب معانيه، نرى الآن أميراً لدولة شرق أوسطية يصحُّ لفلسفة الجوكر تفسير أفعاله على نحوٍ يفوق أي تفسير آخر لها. مزيج من التربية المدللة والغياب الكامل لمعاني المسؤولية، بالإضافة إلى تقلبات في البيت السعودي الداخلي، خلقت من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان (المعروف باسم MBS) شخصيةً أشبه ما تكون بالأشرار الفوضويين في قصص الكوميكس المصورة.

وليس ثمة بيان على ذلك أبرز من جريمة القتل الخرقاء للصحفي جمال خاشقجي، الذي لم يُقتل فقط في عملية جرت بقلب سفارة بلده الدبلوماسية، وإنما عملية التقطتها كاميرات المراقبة وصوَّرت جميع القتلة المشاركين فيها (والذين استخدموا جوازات سفرهم الحقيقية، بأسمائهم الحقيقية)، في خطة شديدة الإحكام والدهاء اكتشفها العالم أجمع!

لم يكن خاشقجي الخصم الأكثر تصريحاً بانتقاداته للعائلة المالكة السعودية. فلمَ يخاطر بن سلمان، وهو الرجل الذي يبدي حرصاً على تقديم نفسه على أنه مصلح سيغير وجه السعودية إلى الأبد، بمثل هذا القدر الكبير من الإدانة الدولية، وهذه الإساءة التي لحِقت بسمعته، لإسكات أحد أبرز السعوديين في الصحافة الغربية؟

الإجابة هي: لأنه شبَّ على حياة محصناً فيه من أي عقاب، ومعتاداً إرضاء كل نزوة واتته. وبين أبناء المستبدين، يقع بن سلمان تحت بشار الأسد، الطاغية السوري الذي ورث السلطة من أبيه الوحشي، حافظ، وفوق عُديّ صدام حسين، ابن صدام، الشهير بنَزَقه وغرابة أطواره، وهو الذي عُرف عنه قتل كل من يوجِّه أقل إساءة إليه، حتى وإن كان من المقربين المخلصين لأبيه الرئيس أو من إخوته غير الأشقاء. وقد وطَّد بن سلمان منصبه في البداية بتطهير وإقصاء أفراد من أصدقائه وعائلته في "حملة لمكافحة الفساد". ثم جاءت حربه على اليمن، التي أطلقها بعد توليه منصب وزير الدفاع وهو في العشرينيات من عمره، حتى أصبحت الآن مستنقعاً للسعوديين، لتنمَّ عن ضعف حساباته لمناوراته الدفاعية، وافتقار تحركه إلى النضج والذكاء.

وإضافة إلى تلك الحوادث المسيئة للسمعة دولياً، والمغامرات العسكرية غير المحسوبة، فإن صعود محمد بن سلمان إلى حاكم الأمر الواقع في السعودية أطلق دسائس ومكائد الظلام في القصر الملكي. إذ في سبتمبر/أيلول الماضي، على سبيل المثال، أُطلق النار على حارس شخصي رفيع المستوى موالٍ لوالده، ليسقط قتيلاً، في "نزاع شخصي" مع صديق، هكذا قالت وسائل الإعلام الرسمية السعودية، لكننا لن نعرف الحقيقة أبداً. إذ انتشرت شائعات بعدها بأن عملية القتل ترجع إلى سخط المؤسسة الأمنية القديمة على سلوك بن سلمان المتقلب وحركاته المتهورة.

وإذا اعتقدت أن هذا كل ما في الأمر، فلا، لدينا الآن فصل جديد، وهو متعلق باختراق بن سلمان هاتف جيف بيزوس من خلال رابط أُرسل في رسالة عبر تطبيق واتساب، ليخترق الهاتف ويسرّب مجموعة كبيرة من البيانات والمعلومات الشخصية عن بيزوس. دون أدنى محاولة لإظهار بعض الكياسة أو التغطية على فعلته، استهدف محمد بن سلمان أغنى شخص في العالم. وهكذا فإن ثمة احتمالاً كبيراً بأن يكون بن سلمان هو الشخص الذي ندين له بتسريب رسائل بيزوس إلى عشيقته، تسريب أعقبته بعد ذلك، بحسب التقارير، محاولات لابتزاز رئيس شركة أمازون.

ولكن ما الذي كان بن سلمان يبحث عنه بالضبط في هاتف بيزوس؟

هل كان الاختراق ضربة انتقامية من الانتقادات الدائمة للأمير في صحيفة The Washington Post، وهي الصحيفة التي كان يكتب خاشقجي فيها ويملكها بيزوس؟ هل كان بن سلمان يحاول حيازة بعض المعلومات في مواجهة بيزوس؟

وقد باتت مواجهة هذا الموضوع الشغل الشاغل حالياً لوسائل الإعلام السعودية ودعايتها ونشاطها على شبكة الإنترنت. وجرى بالفعل تفعيل جيش من مُتصيّدي تويتر (Twitter trolls)؛ لإطلاق الدعاية المضادة والدعوة إلى مقاطعة "أمازون"؛ "لتلقين بيزوس درساً لا ينساه" إذا لم يعتذر عن ادعائه أن ولي العهد اخترق هاتفه. وقد سبق أن أوقف "تويتر"، العام الماضي، 90 ألف حساب اعتيد استخدامها لمهاجمة وتهديد من يجرؤ على انتقاد العائلة المالكة، وحشد الوسوم الجماعية في تأييد وتمجيد ولي العهد. وقد سبق أن تعرضت شخصياً للهجوم على الإنترنت بعد أن كتبت نقداً للعائلة المالكة السعودية، وأخذت حسابات موالية للحكومة السعودية تتهمني بأنني أتلقى تمويلاً من قطر.

وليس ثمة مخطط رئيسي ما لهذه الحملات على شبكة الإنترنت، ولا في الواقع أي جهود منظَّمة للعلاقات العامة السعودية ككل، باستثناء إفراغ نوبات الغضب في أولئك الذين يشيرون إلى أنه ربما ليس الجميع على قلب رجل واحد في تأييد المؤسسة الملكية السعودية. ويتماشى أسلوب نوبات الغضب الطفولية في تكوين الصداقات والتأثير في الناس مع أسلوب ولي العهد المراهق في إدارة علاقاته الخارجية. فهو أسلوب يقوم على الجشع والسخط الطفولي على أنه ليس كل شيء يمكن شراؤه. وقد حرص محمد بن سلمان خلال رحلاته إلى الولايات المتحدة، على تأمين مقابلات مع ملوك "وادي السيليكون"، مثل مارك زوكربيرغ، وبيزوس نفسه.

عامةً، هناك نمط من السلوك يجعل من الصعوبة بمكان على الحلفاء الغربيين الاستمرار في تصوير السعودية على أنها حليف مؤهل جدير بالتحالف معه في المنطقة. وقد علقت السياسة الخارجية الغربية، فترة طويلة، في صورة نمطية من القطبية الإقليمية، إيران فيها هي الشق الشرير غير المتوازن الساعي المخصِّب لليورانيوم، والسعودية هي الفاعل المسؤول المتوازن الذي يهم الحفاظ عليه ودعمه لتحقيق وحفظ الاستقرار في المنطقة.

ولطالما كان هذا الاعتقاد وهماً، غير أنه بات الآن أصعب تقبُّلاً أكثر من أي وقت مضى، في ظل تمسُّك ولي العهد بسلوك يثبت أنه ليس شخصاً بالغاً يمكن التعامل معه فيما يتعلق بإدارته لأموره. آخر التقارير تشير إلى أن رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، أُمطر بوابل من الرسائل المليئة بالرموز التعبيرية من طرف بن سلمان على تطبيق واتساب، وهو ما جعل رئيس الوزراء في موقف أخذ يحاول فيه معرفة ما إذا كان هاتفه تعرض للاختراق، أم ما إذا كان بن سلمان ببساطة مولعاً بالتواصل عبر الصور ولا يحب استخدام الكلمات. وكالعادة، تسرب هذا الخبر أيضاً إلى الصحافة.

وفي الختام، ما يميز بن سلمان ليس اتّسامه بدهاءٍ من نوعٍ ما، وإنما هي فوضى قائمة على نزوات، وتنفَّذ بأدوات من صندوق ألعاب ما. والواقع أنه ربما يجدر بي مراجعة المقارنة السابقة، فمحمد بن سلمان ليس لديه حتى ذكاء ومكر الجوكر. الحقيقة أنه أشبه بشرير سكوبي دو السطحي أكثر من أشرار الانتقام الأكثر دهاء. إن الشيء الوحيد الذي يفعله محمد بن سلمان بثبات لا يحيد عنه هو الإتيان بأفعال تنتهك المعايير الدولية وبطريقة خرقاء يمكن تتبعها، حتى إنه دائماً ما يُمسَك بها.

– هذا الموضوع مترجم من صحيفة The Guardian البريطانية.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

نسرين مالك هي صحفية سودانية المولد، تخرجت في جامعة الخرطوم والجامعة الأمريكية بالقاهرة، واستكملت دراستها بجامعة لندن. وهي تقيم حالياً في لندن ولها عمود صحفي بصحيفة The Guardian البريطانية.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

نسرين مالك
كاتبة صحفية
كاتبة صحفية وعملت سابقًا في أسواق الأسهم الخاصة
تحميل المزيد