في ليلة من ليالي عام 2006، كباقي الأطفال الصغار أشارك عائلتي كل ما يفعلونه لأبدو مثلهم كبيراً، وفي تلك الليلة كانت مشاهدة نهائي دوري أبطال إفريقيا في مباراة محتدمة بين الأهلي والصفاقسي التونسي هي الحدث الأهم.
لم أتحمل مشاهدة كامل المباراة، غفلت في سبات عميق حتى تلك اللقطة المستفزة. عندما أخرج أخي كل غضبه على أحد لاعبي الصفاقسي الذي سقط على الأرض كالشهيد كلما مرر الكرة أو دخل في احتكاك مع أحد لاعبي الأهلي.
استيقظت لأشاهد جميع الوجوه في غاية الاحمرار، والشعور بالخوف والقلق طاغٍ على محياهم كلهم.
لم أكن أفهم لمَ كل هذا الغضب والقلق والخوف؟ إنها مجرد لعبة.
مرَّت الدقائق تلو الدقائق، وصوت قضم الأظافر يشوّش على صوت المذيع التونسي الشهير، رؤوف خليف، ثم بدأت اللقطة الثلاثية الأسطورية، عندما أخرج شادي محمد من قدمه كرة تقودها الرياح نحو رأس عماد "المُتعِب".
من رأس عماد متعب إلى رأس فلافيو ثم إلى قدم أبوتريكة اليسرى، تلك الركلة الهوائية من محمد أبوتريكة كانت وكأن الله -عز وجل- أرسل ملكاً من ملائكته على هيئة بشر في ملعب رادس ليسجل ذلك الهدف، أو أنه أوحى لعبده أبوتريكة بتلك التسديدة.
فرحة هستيرية ما زلت أتذكرها وكأنها كانت بالأمس عندما تناثرت كل الضغوط، ابتعدت كل الأحزان من على وجوه العائلة واحتفلوا جميعاً كالمجانين والسكارى بعد أكثر من 90 دقيقة من الرعب.
احتفلت معهم كالمجنون فرحاً لفرحتهم ورأيت يومها مدى حبهم لذلك اللاعب وذلك الشعار الأحمر. لقد كنت في قمة الانبهار من ذلك اللاعب الذي يستطيع أن يركل الكرة وهي مازالت في الهواء.
من يومها، لم يعد أبوتريكة مجرد لاعب كرة قدم في عيني، إنه الساحر الذي يستطيع بركلة كرة أن ينشر الفرحة في دولة كاملة.
منذ تلك الليلة، كرة القدم بالنسبة لي أصبحت كالحياة وأبوتريكة هو أسطورتي الخالدة التي سأتحاكى عنها كلما أردف الحديث عن أساطير كرة القدم.
تلك الابتسامة النقية والضحكة الطاهرة قادرة على أن تغير مزاج يومي وتحوّلني من الكآبة إلى السعادة في لحظة.
تلك القدم التي تحرك الكرة كالدمية وتبدأ في نشر الإبداع في الملاعب المصرية، تلك العين التي ترى ما لا نراه نحن لتعطي إشارة إلى القدم لترسل الكرة نحو الظلام الدامس في عيوننا.
إذا سألت أي عاشق لأبوتريكة: ما هي أسوأ لحظات حياتك؟
بالتأكيد ستكون من ضمنها تلك اللحظة التعيسة، عندما قام بإلقاء آخر تحية على الجماهير في ذلك النهائي الإفريقي الذي اعتزل به، وأعلن طيَّ جزء من قلوبنا معه للأبد.
ذلك الاعتزال الذي ترك لنا كرة القدم المصرية في حالة فراغ. افتقدت قدم أبوتريكة، افتقدت ابتسامته في الملاعب، افتقدت سحره الذي ينثره في جميع أرجاء الملعب.
سأبقى شاكراً وممتناً لتلك اللحظة التي سجل فيها هدفاً أمام الصفاقسي؛ لأنها سبب في حبي تلك اللعبة وسبب في معرفتي بأمير القلوب.
ربما يصالحنا الزمان يوماً بلاعب يذكرنا بشيء من نسيم هذا الساحر، ولكن أبوتريكة بمواقفه وأفعاله "رجل لن يجود الزمان بمثله".
ربما ليس خفيف الظل، لكن أبداً لن نرى شخصية بمثل مواقفه ودفاعه المستميت عما يؤمن به.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
محمد الزير هو طالب بكلية الطب وكاتب ومحلل رياضي شاب. مهتم بالقصص الرياضية وبالجوانب الفنية والتكتيكية لعالم الكرة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.