مليار ونصف دولار غرامة والشعب سيغضب بشدة .. عواقب استمرار الأردن في اتفاقية الغاز مع إسرائيل

عدد القراءات
1,605
عربي بوست
تم النشر: 2020/01/24 الساعة 14:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/01/24 الساعة 14:17 بتوقيت غرينتش
الأردن

فيصل الفايز رئيس مجلس الأعيان الأردني و بعد إقرار مجلس الأعيان للموازنة يوم أمس الأربعاء 22 كانون ثاني (يناير) الجاري، قال: إن "الوطن وفي ظل الظروف الراهنة، التي تمر بها أمتنا، بحاجة إلى كل جهد وطني مخلص، وبحاجة إلى رص الصفوف، ومساندة كافة الجهود التي يقودها جلالة الملك، من أجل الحفاظ على أمننا واستقرارنا، وقدرتنا على مواجهة التحديات". 

وأضاف الفايز في كلمته: "إن هذا الواقع، يستدعي تعزيز نسيجنا الاجتماعي، وتقوية جبهتنا الداخلية، والتصدي بحزم لخطاب الكراهية والفتنة، ولكافة المخططات الصهيونية الخبيثة، التي تسعى للعبث بثوابتنا الوطنية".

خطاب متشدد من مرجعية عليا في المملكة الأردنية تصف سياسة الكيان الإسرائيلي بالمخططات الخبيثة ليتزامن مع قرار مجلس النواب بإحالة مشروع قرار يحظر على الحكومة استيراد الغاز من الكيان الإسرائيلي؛ مرجعية تتولى رئاسة مجلس الملك المعين من قبل عبد الله الثاني (الأعيان) ليشكل الغرفة الثانية في مجلس الأمة إلى جانب مجلس النواب؛ خطاب جاء بعد إقرار الموازنة العامة في المملكة الأردنية؛ والتي تتعرض لضغوط اقتصادية كبيرة نتيجة بنى اقتصادية هشة ازدادت ضعفا بتدهور الأوضاع في دول الجوار أمنيا وسياسيا ومن ضمنها العراق وسوريا ودول الخليج العربي المشتبكة فيما بينها بما عرف بأزمة حصار قطر وحرب اليمن والتوتر المتصاعد مع طهران.

ضغوط اقتصادية تفاقم العجز في الميزان التجاري والموازنة العامة الأردنية وتزيد من درجة الاعتماد على القروض والمنح والمساعدات الخارجية المشروطة؛ حقائق يزيدها تعقيدا ويهدد بمفاقمتها الغرامات المترتبة على انسحاب الأردن من اتفاقية استيراد الغاز من الكيان الإسرائيلي والمقدرة بمليار ونصف المليار دولار لتضاف إلى الأعباء والهواجس الاقتصادية.

اتفاقية الغاز فخ اقتصادي خبيث

تحولت اتفاقية الغاز إلى فخ اقتصادي وسياسي وأمني خبيث؛ خاصة وأن كلفة الغاز المستورد من الكيان الإسرائيلي مرتفعة بحسب الخبراء؛ فرغم القرب الجغرافي من آبار الغاز فإن سعر القدم المكعب  يقارب خمس دولارات في حين تبلغ الكلفة العالمية 3 دولارات تقريبا للقدم المكعب (سعر القدم المكعب ليوم أمس الأربعاء بلغت ما يقارب الدولار و90 سنتا أمريكيا).

حقائق تبدد بسهولة المبررات المقدمة من النخب المدافعة عن الاتفاقية في حال حظر الحكومة استيراد الغاز من الكيان الإسرائيلي؛ فارتفاع سعر الغاز المستورد من حقول فلسطين المحتلة في المتوسط يعني أن الأردن يدفع من ناحية عملية غرامة عالية بمجرد استيراد الغاز من الكيان؛ إذ أن حجم الخسائر الأردنية نتيجة استيراد الغاز مرتفع الثمن خلال الأعوام الخمس عشرة المقبلة ستفوق الغرامة المستحقة في حال انسحابه؛ فأرباح الكيان تفوق الغرامة بكثير، خصوصا إذ تم ربطها بالنفوذ السياسي والأمني والجيوسياسي المرافق للاتفاقية والذي يعد من ضمن الأرباح الصافية التي يحققها لكيان الإسرائيلي من الاتفاقية.

الأردن وفقا للاتفاق سيضطر إلى دفع غرامة تقدر بمليار ونصف المليار دولار في حال انسحابه من الاتفاق الموقع مع شركة نوبل انيرجي الأمريكية التي ستتولى نقل 45 مليار متر مكعب من الغاز من (حقل ليياثان) بقيمة 10 مليارات لمدة 15 عاما؛ ما دفع نخب أردنية للتحذير من عقوبات أمريكية على الأردن تشمل وقف المساعدات المقدمة للمملكة لتصاف إلى الخسائر المترتبة على الغرامات المرتبطة بالانسحاب من الاتفاقية؛ فأمريكا الضامن الفعلي للاتفاق والعراب الحقيقي بحسب بعض المصادر مسألة فاقمها إنشاء منتدى المتوسط للغاز الذي انضمت إليه الأردن إلى جانب اليونان وقبرص وإيطاليا ومصر في حين تسعى بريطانيا وفرنسا وألمانيا للانضمام مهددا بمزيد متن الخسائر والضغوط المتوقعة على الأردن.

الدور الأردني المتغير

ربط مصير العلاقة بين الأردن وأمريكا والدول الأوروبية بهذه الاتفاقية في محاولة لردع المشرعين الأردنيين في البرلمان والأعيان والحكومة من الإقدام على تحويل قرار مجلس النواب بحظر استيراد الغاز من الكيان إلى قانون يفتح الباب لنقاش وجدل طويل؛ إذ لا يمكن اختزال دور الأردن بمشاريع الطاقة والجوار مع الكيان الإسرائيلي؛ ففاعليته السياسية امتدت وتطورت إلى ما هو أعمق بكثير من اتفاقية الغاز وتداعيات إلغائها، خصوصا بعد احتلال العراق والأزمة في سوريا واندلاع الحرب على الإرهاب وأزمات دول الخليج المتفاقمة (حرب اليمن وحصار قطر)؛ فالأردن كدولة مستقرة سياسيا يعد نقطة ارتكاز مهمة للسياسة الأوروبية والأمريكية تتجاوز حدود العلاقة مع الكيان الإسرائيلي نحو التطورات السياسية والأمنية في العراق وسوريا إلى جانب أمن الخليج والبحر الأحمر

عزز هذه الأهمية المشاريع الأمريكية والأوروبية الفاشلة لإنشاء منصات أمنية وسياسية في العراق وسوريا عبر الأكراد الانفصاليين أو عبر مشاريع سياسية مشتركة مع بعض دول الخليج؛ مشاريع تعثرت وواجهت الفشل ليستعيد الأردن دوره ومكانته كنقطة ارتكاز أساسي للحفاظ على الاستقرار والتوازن السياسي والأمني في المنطقة المهدد بالاعتلال والاختلال  لصالح القوى الدولية والإقليمية المنافسة لأوروبا وأمريكا؛ فاضطراب الأوضاع في الأردن أو اعتلاله الاقتصادي والسياسي سيعني خسارة فادحة لنقطة ارتكاز وتوازن واستقرارا في المنطقة.

إن متغيرات البيئة الإقليمية المتسارعة منذ توقيع اتفاقية الغاز عام 2014 إلى اليوم؛ تؤكد قدرة الأردن على المناورة والانسحاب من الاتفاق المجحف اقتصاديا والمعطوب أمنيا وسياسيا؛ فالمضي بالاتفاق سيرفع من حدة التوتر الداخلي ليعمق أزمة الثقة بين الحكومة والجمهور الأردني العريض؛ مضيفا عنصرا جديدا من عناصر تقويض الاستقرار في المنطقة، ذلك أن اتفاقية الغاز معطى خبيث يجب محاصرته وعلاجه؛ وهي تلميحات يمكن فهمها من خلال خطاب رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز الذي يعد من المرجعيات المهمة والمقربة من الملك عبد الله الثاني.

ختاما: كل الحجج التي يتم مناقشها أو معالجتها لتبرير اتفاقية الغاز تتبدد كالسراب؛ فالدفاع عن الاتفاقية يسقط أمام العديد من الاعتبارات السياسية والأمنية والاقتصادية إلى جانب المتغيرات الإقليمية المتسارعة التي عادت وأكدت محورية الدور الأردني وصعوبة تجاوزه من قبل الشركاء الأوروبيين والأمريكيين؛ ما يجعل من إمكانية حدوث تفهم أمريكي وأوروبي للمشهد الداخلي عالية جدا، وهو ما يفسر ارتفاع حدة الخطاب المؤسسي الأردني؛ فالتوترات الاقتصادية والاجتماعية الداخلية والمتغيرات الإقليمية تعزز الموقف الأردني وتدعمه للتخلص من اتفاقية الغاز وتداعياته الخطرة على الأمن المحلي والإقليمي.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

حازم عياد
كاتب أردني
كاتب أردني