أثناء نقاش بيني وبين أخي، تكلمنا فيه عن المدافع الهولندي فان دايك وحاجتي لأرقام وإحصائيات معينة ومحددة حتى أكتب عنه مقالة، قال لي: "ما يفعله فان دايك من الصعب وصفه بالأرقام". والحقيقة أن هذه الجملة معبرة فعلاً عن وضعية فان دايك، العامل الأهم في منظومة ليفربول الدفاعية خصوصاً، ومنظومة الريدز عموماً.
فان دايك هو العامل الأهم في فوز ليفربول بدوري أبطال أوروبا وهو السبب الأكبر في أن يصبح فريق الميرسيسايد قريباً من حصد الدوري الإنجليزي. وعند وضع أرقام فان دايك في مقارنة مع أرقام باقي المدافعين في القارة العجوز سنرى أن أرقامه متقاربة مع أرقامهم وعادية، لكن ما يقوم به فيرجيل غير عادي.
تحول ليفربول من فريق قد ينهي الشوط الأول متقدماً بنتيجة 3/0 ثم يدخل فيه 3 أهداف في الشوط الثاني بسبب أخطاء دفاعية، ومن فريق يحتل المركز الثامن في نظافة الشباك إلى فريق يتصدر سجلات نظافة الشباك على مدار موسمين ومن الصعب تسجيل أي أهداف في مرماه. أتذكر ليفربول في الماضي عندما كان فريقاً عظيماً ومتوحشاً هجومياً يسجل الأهداف ويصنع عديد الفرص، لكنه هش دفاعياً وعرضة دائماً لاستقبال الأهداف بسبب أخطاء ساذجة من المدافعين.
الآن، سواء تقدم أرنولد وربرتسون أم لا لن تدخل الأهداف مرمى أليسون، لأن فان دايك متمركز جيداً جداً، يعرف متى يتحرك للأمام ومتى يبقى في مكانه. وكأنه ولد في هذا المركز.
ربما هي ليست اللقطة الأفضل في تاريخه، لكنها لقطة كاشفة، في مباراة توتنهام وليفربول في الموسم الماضي، حصل السريع لوكاس مورا على هجمة مرتدة لكن تمركز فيرجيل الذكي جداً والخبير استطاع إيقاف الهجمة. هو يقرأ أفكار المهاجم ويعرف جيداً ما يدور في خلده وكيف سيقوم بتنفيذه. يمتلك من الذكاء الكثير ليسبق الجميع بعدة ثوان في رأسه قبل قدمه. يقوم بعمل كل الحسابات أمام الاختيارات المتاحة أمامه ويختار أفضل قرار في أجزاء من الثانية.
في موسم 2018/2019 كان فان دايك أكثر لاعب استعاد الكرة في الدوريات الخمس الكبرى ما بين (اعتراضات- تاكلينج- أو إنه كسب الكرة الثانية) بمجمل 466 مرة. وبمعدل 12 مرة في المباراة الواحدة. وهذا هو ما كان يفتقده ليفربول، قائد دفاعي قادر على مساعدة الفريق وجعل زملائه أفضل، ووجده في فان دايك. في كل مباراة، يقوم قلب الدفاع الثاني أو الظهير الذي يلعب إلى جواره بارتكاب خطأ في التمرير أو التمركز أو فقدان التركيز مما يؤثر على خط الدفاع بأكمله، لكن وبفضل وجود فان دايك يتم تلافي هذه الأخطاء واحتواؤها وكأنها لم تحدث. فأصبحت مهمة فيرجيل ليس فقط مقتصرة على أنه يدافع، بل يوجه زملاءه في خط الدفاع بأكمله. خطأه الوحيد في مباراة الأمس، هو أنه أمر جو غوميز أن يراقب مهاجم وولفرهامبتون حتى لا يبقى خيار لحامل الكرة فيرتكب خطأ في التمرير أو الحيازة، المهم أن يتم حصر وتقليل الخيارات التي يصعب على الفريق المهاجم الاستفادة منها، لكن استطاع مهاجم وولفرهامبتون وضع الكرة في الشباك في نهاية المطاف.
محاولات الحديث عن فان دايك صعبة جداً ومن الصعب فعلاً وصفه في كلمات لأنه أكثر من مجرد مدافع، ومن الصعب وجود مدافعين بلغوا هذه المرحلة من العظمة في تطبيق الدفاع مع أناقة الأسلوب وسلاسته. تطور مذهل جداً يظهره الهولندي كل موسم عن الذي قبله، و"فورمة" لا أعتقد أن وصل إليها لاعب في العقد الأخير من حيث ثبات المستوى والاستمرارية والمجهود الجبار. نحن نتحدث عن لاعب يمتلك 28 سنة، بأسلوب وشخصية انقرضا تقريباً في الوقت الحالي. لاعب تنتظر جماهير باقي الفرق مراوغته حتى تحتفل على منصات السوشيال ميديا باعتبار ذلك انتصاراً، لأنه قضى موسماً كاملاً دون أن تتم مراوغته ولو لمرة يتيمة!
وحتى إن أخطأ في لقطة أو لقطتين يصعب جداً لومه لأن رصيده ممتلئ بعشرات اللقطات، كان هو بطلها الأوحد.
من الغباء بمكان التقليل من فيرجيل فان دايك يا سادة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
آمنة أيمن هي طالبة مصرية بالمرحلة الثانوية ولديها شغف عميق بعالم كرة القدم والتحليل الرياضي.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.