تتدخل في سوريا وليبيا.. هل تستغل تركيا خلافات القوى الدولية لصالحها؟

عدد القراءات
2,639
عربي بوست
تم النشر: 2020/01/24 الساعة 09:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/01/24 الساعة 09:29 بتوقيت غرينتش
erdogan

تبنت الجمهورية التركية بعد ولادتها من رحم ما تبقى من أراضي الإمبراطورية العثمانية، سياسة الاحتفاظ بسيادتها، وحماية حدودها، وعدم التدخل في الأزمات الخارجية، من أجل التركيز على حل المشاكل الداخلية، والتفرغ لبناء مؤسسات الدولة الحديثة، وعملية تحويل هوية المجتمع التركي ليقطع صلته بالماضي. وقاد البلاد في تلك السنوات مؤسس الجمهورية التركية، مصطفى كمال أتاتورك، تحت شعار "السلام في الوطن، والسلام في العالم".

هذه السياسة استمرت حتى بعد وفاة أتاتورك، وتربع رفيقه عصمت إينونو على كرسي رئاسة الجمهورية. وحاولت تركيا في تلك الحقبة التي صادفت سنيِّ الحرب العالمية الثانية أن تبقى على الحياد، لتبتعد عن الانحياز أو الانضمام إلى أحد الطرفين، وتؤسس علاقات ودية مع معظم الدول المتحاربة.

وبعد أن تأكد انهزام دول المحور وانتصار الحلفاء، أعلنت تركيا الحرب ضد ألمانيا في شباط / فبراير 1945، أي قبل فترة وجيزة من انتهاء الحرب العالمية الثانية، دون أن تخوض أي معركة. وكانت الضغوط التي مارسها رئيس وزراء المملكة المتحدة، ونستون تشرشل، على نظيره التركي، لعبت دورا في تغيير أنقرة سياستها الخارجية، وتخليها عن الحياد، كما أن رغبة تركيا في الانضمام إلى الأمم المتحدة بعد انتهاء الحرب، دفعت الحكومة التركية آنذاك إلى اتخاذ هذا القرار.

سياسة تصفير المشاكل

تركيا بدأت تمارس سياسة خارجية فعَّالة بعد تولي حزب العدالة والتنمية حكم البلاد برئاسة رجب طيب أردوغان. وبعد تعيين أحمد داود أوغلو مستشارا لرئيس الوزراء ومن ثم وزيرا للخارجية، تبنت تركيا سياسة خارجية جديدة تجسد نظرية "تصفير المشاكل" التي طرحها داود أوغلو، إلا أن الأحداث المتسارعة التي شهدتها المنطقة بعد اندلاع ثورات الربيع العربي، أجبرت أنقرة على التخلي عن هذه السياسة، لتتبنى سياسة خارجية أكثر واقعية.

المتابع للسياسة الخارجية التركية عن كثب يجد أنها تمارس اليوم سياسة استغلال خلافات القوى الدولية والإقليمية. وهي ذات سياسة السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله. وكان السلطان حاول من خلال هذه السياسة أن يوظِّف الخلافات بين الدول الأوروبية الكبرى لصالح الإمبرطورية العثمانية. ومما لا شك فيه أن هذه السياسة التي مارسها السلطان عبد الحميد الثاني في حقبة تراجع قوة الإمبراطورية، وتكالب الدول عليها، أجلت انهيارها عدة عقود، حتى وإن لم تنجح في إنقاذها.

تركيا ليست قوة نووية، ولا تملك حق الفيتو في مجلس الأمن الدولي كأعضاء المجلس الدائمين الخمسة. ومهما قطعت شوطا كبيرا في السنوات الأخيرة في الصناعة العسكرية ومجالات أخرى، فإن قوتها لها حدود. وهذا الأمر يجعلها مضطرة لتبني سياسة السلطان عبد الحميد الثاني لحماية أمنها القومي ومصالحها العليا، في ظل اختلال النظام العالمي وتضارب مصالح القوى الدولية والإقليمية. 

توازن مطلوب

أنقرة تسعى منذ فترة إلى تحقيق التوازن في علاقاتها مع كل من الولايات المتحدة، وروسيا، والدول الأوروبية، للحفاظ على استقلاليتها وحماية مصالحها. ولذلك، تتقارب مع إحدى تلك الدول في ملف، ومع أخرى في ملف آخر، وفقا للظروف والأطراف المعنية. وفي سوريا، على سبيل المثال، تعمل مع روسيا من أجل التصدي لمشاريع التقسيم، وتحالف الولايات المتحدة مع وحدات حماية الشعب الكردي، إلا أنها في ملف إدلب تحاول أن تتعاون مع الدول الأوروبية التي تخشى من موجة جديدة من اللاجئين، لوقف هجمات النظام السوري وروسيا. ولحماية مصالحها في البحر الأبيض المتوسط، تحالفت مع حكومة الوفاق الوطني الليبية المعترف بها دوليا، كما أنها تقاربت مع إيطاليا والجزائر لحل الأزمة الليبية، والحد من تدخلات محور فرنسا ومصر الذي يسعى إلى إسقاط حكومة الوفاق الوطني.

السياسة الخارجية التركية في حقبة داود أوغلو كانت مبنية إلى حد كبير على استخدام الدبلومسية والقوة الناعمة. وبعد خروج داود أوغلو من المشهد، وتخلي أنقرة عن سياسة "تصفير المشاكل"، أصبح من الضروري استخدام القوة العسكرية الخشنة إلى جانب الدبلوماسية والقوة الناعمة. وأدركت القيادة التركية أن الظروف الدولية والإقليمية الراهنة تفرض عليها استخدام القوة الذكية لحماية مصالح البلاد. 

تركيا بفضل هذه السياسة استطاعت أن توسع مساحة المناورة التي تتحرك فيها، وأفشلت المؤامرات التي تهدف إلى محاصرتها وإبعادها عن ملفات المنطقة، لتضمن مشاركتها في مباحثات حل الأزمات. ومن المؤكد أن هذه السياسة عززت موقف تركيا في تلك المباحثات، وأنها هي التي جعلت تركيا تشارك في مؤتمر برلين الذي لم تجد فيه كثير من دول المنطقة، مثل اليونان، مقعدا لها.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

إسماعيل ياشا
صحفي تركي
صحفي تركي