مثلث «المال والكرة والنجاح».. لماذا لا تشتري الأموال وحدها المجد الكروي؟

عدد القراءات
9,157
عربي بوست
تم النشر: 2020/01/17 الساعة 15:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/01/20 الساعة 13:47 بتوقيت غرينتش
مثلث «المال والكرة والنجاح».. لماذا لا تشتري الأموال وحدها المجد الكروي؟

أعلنت "ديلويت"، أكبر مؤسسة عالمية لقياسات النجاح المالي ومقرها لندن، قائمة بأكثر 20 نادياً في عالم كرة القدم تحقيقاً للأرباح في عام 2019.

وتصدَّر برشلونة الإسباني القائمة، للمرة الأولى في تاريخه، برصيد 741 مليون جنيه إسترليني، قبل جاره ريال مدريد الذي احتل المركز الثاني برصيد 667 مليون جنيه إسترليني. بينما جاء نادي مانشستر يونايتد الإنجليزي ثالثاً وحصته 627 مليون جنيه إسترليني، ثم بايرن ميونيخ الألماني بأرباح وصلت إلى 581 مليون جنيه إسترليني، وباريس سان جيرمان الفرنسي خامساً وحصته 560 مليون جنيه إسترليني، ثم مانشستر سيتي الإنجليزي سادساً برصيد 538 مليون جنيه إسترليني. وتقهقر ليفربول الإنجليزي بطل أوروبا والعالم في عام 2019، إلى المركز السابع، وحصته 533 مليون جنيه إسترليني، متقدماً على جاره الإنجليزي توتنهام هوتسبير، وصيف دوري أبطال أوروبا الماضي وله 459 مليون جنيه إسترليني، في المركز الثامن. بينما جاء تشيلسي الإنجليزي تاسعاً بـ452 مليون جنيه إسترليني، ويوفنتوس الإيطالي عاشراً وحصته 405 ملايين جنيه إسترليني.

أكثر 10 أندية في العالم تحقيقاً للأرباح عام 2019

وتلك الأرباح تمثل فارق اﻹيرادات عن المصروفات في فرع كرة القدم خلال عام 2019. والإيرادات تأتي من عشرات المصادر المتنوعة، أبرزها عقود الرعاية والدعاية مع المؤسسات العالمية، وعقود البث التلفزيوني للمباريات المحلية، وحصة النادي من الأرباح عن البطولات التي يفوز بها أو يصل إلى الأدوار المتقدمة فيها. وكذلك إيرادات الفريق من تذاكر مبارياته المقامة على ملعبه. وبالتأكيد صفقات بيع عدد من لاعبيه إلى أندية أخرى في أسواق الانتقالات.

ورغم ارتفاع الجوائز المالية المقدمة إلى اﻷندية المتوَّجة بالبطولات القارية والمحلية، فإنها لا تزال محدودة جداً قياساً بالمبالغ الضخمة التي تنالها الأندية من المؤسسات الكبرى التي توفر الرعاية للأندية نظير الارتباط بأسمائها.

تطور إيرادات أغنى 20 نادي من 1996 حتى 2018

وفي النهاية هذا الترتيب القائم على الأرقام -وهي لغة لا تكذب- يعصف بنظرية عاشت طويلاً فى عقول الجميع.

ووفقاً لتلك النظرية، يعتقد كثير من عشاق كرة القدم أن المال الوفير يكفل لأصحابه النجاح، وأن وفرة المال تمنح النادي القوة والنفوذ لشراء أغلى اللاعبين ودعم مراكز الفريق المتنوعة بأحسن اللاعبين من كل بقاع العالم، وكذلك التعاقد مع أفضل وأغلى المدربين.

لكن هؤلاء لا يدركون أن المال وحده لا يحقق أي نجاح، ولكنه عنصر مهم للغاية ضمن مجموعة من العناصر التي يحتاجها أي فريق بدنيا الرياضة وليست كرة القدم فحسب.

وترتيب الأندية الأغنى في العالم كفيل بإسقاط تلك النظرية.

برشلونة الأغنى افتقد المدير الفني الكفء والإدارة الممتازة، فاكتفى بالتفوق على أقرانه المحليين، محققاً بطولة الدوري الإسباني فقط، رغم وجود المال الوفير والنجم الفذ ليونيل ميسي. وخسر في نصف نهائي دوري الأبطال الأوروبي بطريقة مهينة في ليفربول، وسقط بالأمتار الأخيرة في بطولتي كأس ملك إسبانيا وكأس السوبر الإسبانية.

أما ثاني أندية العالم ثراءً، ريال مدريد، فهو النموذج الأوضح أن المال وحده لا يضمن النجاح.. ورغم أرباحه التي تقترب من ثلاثة أرباع المليار، فإنه خرج خالي الوفاض تماماً بلا أي لقب في عام 2019، خاسراً الدوري والكأس ودوري الأبطال الأوروبي. واضطر إلى الاستغناء عن مدربه وسط الموسم، لكنه لا يزال متصدعاً إدارياً.

ثالث أندية العالم على صعيد المال هو الأكثر عجزاً عن الوجود على منصات التتويج في السنوات الأربع الأخيرة. مانشستر يونايتد الذي يسير من هاوية إلى منحدر حتى صارت خسارته للألقاب في توقيتات مبكرة خلال الموسم.. يتصدر قائمة أكثر أندية إنجلترا ثراءً، وهو الأدنى بينها فنياً بفارق بعيد. ويعاني الفريق الأحمر غياب النجوم الأفذاذ، وكثرة تغيير المدربين، وانشغال الإدارة عن متابعة الفريق، فبقي المال وحده غير قادر على صنع النجاح.

رابع الأندية مالاً بايرن ميونيخ الألماني، وخامسها باريس سان جيرمان، وكلاهما ناجح محلياً ومترنِّح أوروبياً وعالمياً. وكذلك يأتي سادسها مانشستر سيتي، بطل البريميرليغ والكأس الإنجليزية، والعاجز حتى اليوم عن تحقيق أي نجاح أوروبي في دوري الأبطال (رغم أنه الأغنى عالمياً على صعيد ميزانيات شراء اللاعبين). وهو مكتظٌّ بأروع اللاعبين، ولديه المدرب الألمع عالمياً بيب غوارديولا الإسباني، ولكن الفريق يفتقد عنصراً مهماً، وهو الإدارة الواعية، بدليل كثرة أزماته مع الاتحاد الأوروبي ومخالفاته المتكررة للوائح اللعب النظيف، وهو ما يهدده كثيراً بعقوبات رادعة.

الأندية من الأول حتى السادس في عام 2019، فشلت أوروبياً وعالمياً.. وثانيها لم يحقق لقباً واحداً في العام، وثالثها كان فاشلاً رياضياً بكل المقاييس في العام.

فماذا فعل لهم المال؟

عكس ذلك، يقف ليفربول شامخاً بإنجازاته وانتصاراته وألقابه رغم أنه سابع الترتيب.

ليفربول بطل دوري الأبطال الأوروبي وبطل السوبر الأوروبي وبطل كأس أندية العالم في 2019، وهو الأكثر نجاحاً على صعيد المباريات والانتصارات والنقاط خلال العام، وأنهاه متصدر البريميرليغ بأكبر فارق نقاط في نهاية العام على مر التاريخ.

ليفربول امتلك إدارة بالغة الوعي والاحتراف، بداية بتوفير كل العناصر الكفيلة باستقرار الجهاز الفني، ومنحته الصلاحية على مدار ثلاث سنوات لاستقدام اللاعبين الأكْفاء دون أي تدخُّل ودون ضغوط أو تسرُّع لتحقيق النجاح. وتمكَّن الألماني يورغن كلوب من تنفيذ برنامجه بتصاعدٍ هادئ من موسم إلى آخر حتى أنهى عام 2018 ثانياً في دوري الأبطال وفي البريميرليغ قبل أن يقلب الطاولة لصالحه بالمسابقة الكبرى في 2019، وها هو يقترب بشدة من انتزاع بريميرليغ بأرقام غير مسبوقة في 2020.

فوز ليفربول بدوري أبطال أوروبا 2018-2019

وعن اللاعبين حدِّث ولا حرج. ليفربول يتمتع بوجود حارس مرمى برازيلي اسمه أليسون، وهو المتوَّج بجائزة الأفضل في كل الاستفتاءات عام 2019. وعنده مدافع العالم الأول بجدارة، الهولندي فيرجيل فان دايك، ومهاجموه الثلاثة محمد صلاح وساديو ماني والبرازيلي فيرمينيو لديهم فاعلية يندر تكرارها عالمياً منذ تفرُّق مثلث ميسي وسواريز ونيمار.

وأخيراً امتلك ليفربول المال ليكمل عناصر التفوق، ويحصد أغلب البطولات.

مما سبق يمكننا الوصول إلى حقيقة مهمة للغاية، وهي أن أي فريق بحاجة لوجود أربعة عناصر كبرى، ليضمن تحقيق النجاح والوجود في مكانة رفيعة دائمة بين الكبار.

أولها هو العقل المفكر.

الإدارة الواعية المنظَّمة التي توفر للفريق وللمدرب وللاعبين كل زوايا ومتطلبات النجاح دون تدخُّل أو سعي للأضواء هي العنصر الأقوى والأهم في مربع النجاح لأندية كرة القدم. وبالطبع الإدارة الواعية قادرة على جلب المال إلى النادي، سواء بعلاقات قوية أو حسابات وعروض واستثمارات ومناسبات.

وثانيها هو القلب النابض.

المدير الفني الكفء ومعه الجهاز الفني من طاقم معاونين يمثل ركناً رئيسياً من أركان النجاح. وكثيراً ما امتلك النادي مالاً وفيراً وإدارة جيدة، لكنه عانى من تواضع المدير الفني أو فقر الجهاز الفني في أداء مهمته.

ثالثها الأطراف التي تتحرك لتنفيذ ما يأتيها من تعليمات من العقل والقلب معاً.

اللاعبون.. وهنا الأمر ليس قاصراً على لاعب أو اثنين أو خمسة.. ولا بد للفريق القوي من أن يمتلك 16 لاعباً جيداً على الأقل، وهو ما يضمن استمرار النجاح بحالات الغيابات الاضطرارية للإصابة أو الإيقاف.

رابعها الدماء التي تجري وتنتشر.

الميزانية القوية التي تستجلب أفضل النجوم الذين يحتاجهم الفريق، وتضمن توافر المال المطلوب لرواتب اللاعبين والمدربين (وهي مرتفعة جداً في زمننا المعاصر)، وكذلك المصروفات الضرورية للمباريات والمعسكرات.

المال ركن من أركان المربع الذي يقوم عليه الفريق، ولكنه غير قادر وحده على أن يحمل الفريق أو أن يضبط اتزانه.

غياب عنصر واحد يمكن أن يهز الفريق، لاسيما إذا كان النقص حاداً.

لكن النجاح الكامل لا يتحقق إلا بالرباعية التامة.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علاء صادق
ناقد رياضي مصري
ناقد رياضي مصري
تحميل المزيد