كان يهتم كثيراً بالأحذية وأحرج مساعديه عند الشيخ زايد.. حسني مبارك بقلم هيكل

عربي بوست
تم النشر: 2020/01/16 الساعة 12:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/01/11 الساعة 09:34 بتوقيت غرينتش
من اليمين الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان والرئيس الخلوع حسني مبارك

يكاد يكون كتاب هيكل والذي كان بعنوان "مبارك وزمانه من المنصة إلى الميدان" رواية متكاملة الأركان. ولولا الإحساس الذي يملؤك بالحزن من الحديث عن رجل أتيح له أن يحكم إحدى أهم دول العالم العربي لثلاثة عقود رغم تواضعه على المستوى العقلي والإنساني لربما استمتعت بملهاة يمكن أن تكون في المستقبل ملهمة لمسرحيات مثل شاهد ما شافش حاجة.. إلخ. ظهرت الطبعة الأولى من الكتاب عام 2012. وبذلك فإن أحداً لا يستطيع أن يوجه النقد الروتيني لمعظم كتب هيكل. وهو أن أحاديثه تدور عن غائبين في قبورهم. فهذا الكتاب لا زال معظم شهوده أحياء ومنهم مبارك نفسه. وكان بإمكانهم مقاضاة الكاتب. وأجد هنا مفيداً أن أتوقف عند بعض ما جاء في الكتاب.

حكم مبارك مصر 30 سنة هي أكثر بكثير مما احتاجته دول كالصين وماليزيا لبناء دولة متقدمة أبهرت العالم، وحين سئل في العام الأخير إن كان سيورث الحكم لولده كان جوابه: يا راجل إيه ده هو أنا حاسيبه يحكم خرابة!

في اليوم الثاني لمقتل السادات كتبت "واشنطن بوست" أن الرجل القادم لحكم مصر لا يعرفه حتى الذين يظنون أنهم يعرفونه. وحين غادر تنكر له حتى أقرب الناس إليه، ما يعطي انطباعاً بأن الرجل لم ينجح في إقامة علاقات إنسانية مع أحد.

يذكر هيكل أنه سأل الفريق صادق، وزير الدفاع المصري الذي عُين مبارك في عهده قائداً لسلاح الطيران، وكان مستغرباً كيف استطاع حسني البقاء في موقعه رغم تغيير أربعة من قادة الطيران المصري بعد حرب 1967، وذلك بسبب ضرورة إعادة بناء الطيران، فرد صادق بأنه -أي مبارك- مطيع لرؤسائه. وعندما تحدث معه السادات عن رغبته في اختيار مبارك نائباً له استغرب هيكل وذلك لأن هناك مَن لهم أسبقية عليه مثل اللواء الجمسي وغيره، وتبين من الحوار أن السادات يريد رجلاً يصدق عليه المثل الإنجليزي بأنه يمضي في تنفيذ أوامر رؤسائه بأكثر مما يقتضيه الواجب، حسب رأي هيكل.

يروي هيكل أن السادات أعطاه حقيبة مليئة بالوثائق.. قال له السادات إنه شخصياً ليس لديه صبر على قراءة مسائل كهذه، وأن هيكل يحب الأوراق القديمة ويستطيع أن يضيف هذه الأوراق إلى أرشيفه. حدث هذا بعد ما سمّاه السادات ثورة التصحيح التي صفى فيها السادات مراكز القوى من زملائه الذين كانوا يدبرون للإطاحة به وحينها كان هيكل يدعم السادات. والعلاقة بين الرجلين على ما يرام. احتوت الحقيبة على ورقة كتبها سامي شرف يسجل فيها مكالمة من السادات لعرضها على عبد الناصر. ذكر السادات في المكالمة موضوع سلة القنابل التي أُرسلت للزعيم السوداني الهادي المهدي وتسببت في قتله. والوثيقة مصورة ومنشورة في الكتاب. كان واضحاً أن معرفة السادات بمبارك تعود إلى هذه الحادثة وتنفيذ مبارك بلا نقاش لأوامر السادات وبشكل أبعد مما يقتضيه الواجب كانت سبباً في اختياره نائباً للسادات.

تحتاج مسألة اغتيال الزعيم السوداني الهادي المهدي لبعض التفصيل. فقد قام الهادي المهدي، زعيم الأنصار، بثورة على حكم الرئيس جعفر نميري، وقد اعتصم هو وأنصاره بجزيرة أبا. طلب النميري مساعدة عبدالناصر الذي أوفد مجموعة من قادته برئاسة السادات لدراسة الموقف وكان مبارك ضمن المجموعة. أوصى السادات بأن تقوم الطائرات المصرية بنسف جزيرة أبا للإجهاز على الهادي المهدي، لكن عبد الناصر رفض. لجأ النميري إلى السوفييت الذين أرسلوا ثلاث طائرات حلقت فوق الجزيرة لكنها لم تضرب أحداً لكنها أخافت جماعة الأنصار الذين لجأوا إلى كسلا. وهنا قام مبارك بإهداء الهادي المهدي شحنة من المانجو احتوت على متفجرات أدت إلى مقتل الهادي ومجموعة من أنصاره.. وكسب مبارك رضا السادات وغضب عبدالناصر. الأمر الذي أدى إلى أن يقوم ناصر باستدعاء السادات ومجموعته على جناح السرعة.

الشارع المصري لم تفته مزايا نائب الرئيس واستخدم وصفاً مضحكاً (البقرة الضاحكة) للدلالة عليه، والغريب أن هذا الوصف كان مستخدماً حتى بين زملاء الرئيس من السياسيين.

رئيس عايز يدوق طعم العز

يذكر هيكل أنه دعي للقاء الرئيس على انفراد وبينما كان يهيئ نفسه للقاء حاول الحصول على معلومات من أسامة الباز، وهو صديق للطرفين، فأشار عليه ألا يدخل مع الرئيس في حوار فكري أو نظري لأن ذلك يستدعي شروداً من مبارك، ونصح بألا يحاول أن يستكشف فكر الرئيس فإن هذا يستثير حذره، لأن أوضح ما فيه (أي مبارك) أنه يحتفظ بنواياه لنفسه. أما منصور حسن وكان زميلاً لمبارك أيام السادات بحكم أنه كان وزيراً لشؤون الرئاسة، فقال لهيكل الأولى أن تكتشف الرجل بنفسك.

تم اللقاء بعد شهرين من رئاسة مبارك واستغرق ست ساعات أجّل فيها مبارك موعداً كان مقرراً. رد مبارك على ملاحظة هيكل بأنه كان يتمنى لو تأخر اللقاء نظراً لأن الناس تعرف أن هناك مشاورات لتشكيل وزارة وأن هيكل يخشى أن يسيء الصحفيون تفسير موعد اللقاء. رد مبارك ولماذا تتضايق خليهم يغلطوا! ثم قال عن الصحفيين إنهم ناس لبط، وشرح معنى لبط مستفيضاً، وأضاف أن الصحفيين يدعون الفهم وهم ليسوا كذلك. ثم تطور الحديث ليقول إن عبدالناصر أخطأ في العلاقة مع السوفييت لأنهم ناس (فقرا) والأولى أن يتعامل مع الأمريكان لأنهم ناس (متريشين) وأن الذي لا يتعامل مع أمريكا على أنها الدولة الوحيدة (يعك). ثم قال إن العرب ورطوا مصر في حرب 1967 وإنهم شمتوا بمصر حين وقعت الهزيمة وإنه لا يريد أن يبدو وكأنه يحدث الأمريكان مسؤولاً عن المحور العربي. ونصح هيكل بأن ينتمي إلى الحزب الوطني. وذكر أن المستشارين (يسمون بدنه). وما ذكره هيكل عن اللقاء يوضح مستوى الرئيس وكلماته الأقرب إلى أن تكون سوقية وأفكاره الخالية من العمق. 

من المضحك المبكي أن الرئيس طلب سيجاره الخاص ليتشارك مع هيكل الخبير بالسيجار متعة التدخين. واستشار هيكل في أنواع السيجار وجودتها وتحدث عن ذكرياته يوم كان يهرّب إلى مصر السيجار من روسيا خلال بعثته إلى روسيا. ولم يفته أن يطلب من أحد الموظفين أن يسجل أنواع السيجار التي يوصي بها هيكل لأنه عايز يدوق طعم العز!

طرائف الرئيس 

يروي هيكل عن مبارك مجموعة من الغرائب المضحكة المبكية، لكنها تعكس صورة لعقل الرئيس. منها اهتمامه بالأحذية. سفير مصر في يوغوسلافيا يذكر أنه وهو نائب للرئيس السادات حضر مرة لمقابلة تيتو وعندما خرج قال للسفير إن جزمة تيتو كانت جميلة وإنه يرغب أن تقوم سفارة مصر بمتابعة هذا الموضوع، وهو كيف يمكن شراء أحذية لمبارك من نفس محلات أحذية تيتو.

المعارض والمفكر الأستاذ فتحي رضوان ذكر أن مبارك استدعاه للحوار وتم ترتيب سفر فتحي لمقابلة مبارك في القصر الرئاسي في الإسكندرية. قام الأستاذ فتحي رضوان بكتابة ما يود التحدث به إلى الرئيس على خمس صفحات، ولكن تبين أن الرئيس لديه ارتباطات أخرى وطال انتظار فتحي حتى جاء المساء ثم قيل له إن الرئيس سيعود إلى القاهرة في الطائرة الرئاسية ومعه ضيف إفريقي وإن مبارك يرغب في مجالسته خلال رحلة الطائرة. بدا الرئيس على الطائرة منشغلاً ثم جالس فتحي رضوان 5 دقايق قال فيها لفتحي إنه لا زال يحاول أن يتصرف بشكل طبيعي مثلما كان قبل الرئاسة، وتصور يا أستاذ فتحي أنني أجلس كل يوم على الأرض أدهن الجزمة بالورنيش ثم أمسحها وأخيراً ألمعها بالقطيفة. يعلق فتحي أنه أضاع يومه حتى يعرف كيف يمسح الرئيس جزمتهِ.

وينقل الأديب صلاح السعدني أنه قال لمبارك بعد لقاء بينهما حين عاد إلى مصر بعد إبعاده أيام السادات: سيادة الرئيس: ما هو شعورك وأنت تجلس على الكرسي الذي جلس عليه رمسيس وصلاح الدين ومحمد علي وعبدالناصر؟ أجاب مبارك بهدوء والله لو الكرسي عجبك أنا ممكن أرسلهولك البيت. يعلق السعدني أن مبارك لم يكن قادراً على فهم الفرق بين الكرسي الذي يرمز إلى السلطة والكرسي المقعد الذي يجلس عليه.

أما الملك حسين فقد خرج بعد اجتماعه الأول بمبارك خلال رئاسته ليقول إنه روّعه أن مبارك ليس لديه أدنى علم بعلاقات مصر العربية وتاريخها، ثم قال إنه زارنا في عمان حاملاً رسالة من السادات. دخل ومعه حقيبة يد كبيرة وأخرج منها ورقة قرأها على أنها رسالة السادات. وحين استفسر الملك حسين عن بعض ما جاء فيها أخذ الرجل يبحث في الحقيبة دون جدوى، ثم قال إنه سيبلغ أسئلتي إلى الرئيس السادات وسيرسل له الإجابة من القاهرة!

يروي حسين سالم، أحد رجال الأعمال المحيطين بالرئيس، أن الشيخ زايد خلال إحدى زيارات مبارك لدولة الإمارات تأخر دقائق عن الموعد وجاء يعتذر ثم أوضح أن سبب التأخير هو بيت الأزياء في إيطاليا الذي بقوم بحياكة ملابسه وأنهم قد قدموا هذا العام ليعيدوا أخذ قياساته نظراً لأنه فقد بعض الوزن. ثم قال إنهم كل عام يبعثون له بأفضل ما لديهم من قماش ليختار منها ما يروقه وإنه بهذا أراح نفسه. وعرض على الرئيس مبارك أن يرسلهم له ليختار ما يروقه هدية من الشيخ زايد. وبالطبع فقد وافق مبارك وعندما حضر مندوبو بيت الأزياء في اليوم التالي لمبارك اختار 30 بدله أمام مرافقيه الذين شعروا بالإحراج الشديد بينما لم يلحظ مبارك شيئاً.

(يتبع)

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

صالح الشحري
طبيب فلسطيني
طبيب فلسطيني واستشاري أمراض نساء و توليد. مهتم بالشأن الثقفي وقضايا المجتمع وسبق أن كتبت عدة مقالات في موقع huffpost النسخة العربية.
تحميل المزيد