"جمهور ريال مدريد جمهور متطلب كجمهور برشلونة وغيره من الفرق الكبيرة. لكن الفرق أن جماهير البرنابيو طلب من اللاعبين تقديم كل شيء، لا يمكنهم تشجيع لاعب كسول، لأن مرجعهم هو خوانيتو، روح خوانيتو وكماتشو هي ثقافة ريال مدريد، في حين يعتمد برشلونة ثقافة كرويف، التي تتركز حول الدوران، والتمركز، وفهم اللعبة، وألا تخسر الكرة."
أجرى تشافي حواراً مع "البايس" الإسبانية.. تطرق فيه إلى تفاصيل تكتيكية غاية في الأهمية، وتحدث عن غوارديولا، وإنريكي، وسيميوني، والفوارق بين برشلونة وريال مدريد. وقال رأيه في كارفخال، وإيسكو، وأسينسيو، وساؤول، وميسي، ونيمار، ومبابي، وجمهور البرنابيو، وكامب نو، وكروس وإنيستا، وأمور أخرى.
السيمونيستا والغوارديوليستا، تشافي لا يجامل، ممكن أن تختلف معه أو تتفق، لكنه لا يحب اللون الرمادي، الأبيض أبيض والأسود أسود؛ ومن ثم فآراؤه واضحة إلى أقصى درجة.
رواد مدارس اليمين حلو واليسار جميل، والكل يشبه البعض، المهم الحيادية والموضوعية، أعتقد لن يعجبهم جزء كبير من المقابلة.
برشلونة غوارديولا قام بتعقيد الأمور كثيراً، لأن المساحات المتاحة صارت أقل، هل تتفق معي في هذا السياق؟
بالضبط، غوارديولا شديد الهوس بالتفاصيل، لدرجة لا تصدَّق فعلاً. لم أتدرب من قبلُ على الدفاع في أثناء رمية التماس للخصم، لكنه كان يخبرني بأن من الضروري الوقوف في هذا المكان، حتى يصل إلى اللاعب المنافس شعور، ما هذا؟! أين أمرر؟! وكل مكان به لاعب من برشلونة.
ماذا حدث بعد ذلك؟
البعض نسخ ما قمنا به، ووظَّفه في الإطار الصحيح الخاص به، مثل مدرب ألمانيا يواكيم لوف، والبعض الآخر عمل المضاد تماماً، مثل سيميوني.
أتليتكو مدريد لديه كوكي مثلاً، لاعب مهاري جداً، عندما تتدرب معه تدرك ذلك، لكنه مع مدربه وفريقه، يدافع مثل أي مدافع آخر، ويضع تركيزه على تعطيل هجمة الخصم، قبل تفكيره في المباغتة والهجوم. أن تعرف لماذا تحدث مثل هذه الأشياء، وكيفية الهجوم، فهذه هي الموهبة!
كرة القدم تطورت كثيراً تكتيكياً وبدنياً، لكن ما ينقصها تطوُّرٌ أكثر في الشق التقني.
في إسبانيا وبإنجلترا وفي كل مكان، الفرق التي تبادر وتهاجم وتستحوذ أكثر من الفرق التي تترك الكرة وتعود للدفاع. لكنك ما زلت تسمع بعض الأعذار على طريقة "أنا لا أستطيع منافسة برشلونة وسيتي، وإذا لعبت بهذه الطريقة فسأخسر. مع أنه يلعب بهذه الطريقة نفسها ضد ليغانيس على سبيل المثال"!
هل تعتقد أن الأمر نفسه في إنجلترا وإسبانيا، من حيث الكلام عن الإمكانات والقدرات، ونقل التنافس إلى مجال آخر بعيد عن الملعب؟
الآن الأمر أكثر وضوحاً في البريميرليغ، لأن غوارديولا ذهب للسيطرة والتحكم. رغم أن البعض قال إنه سيترك الكرة والاستحواذ ويعود إلى الخلف.
لو كنت مدرباً لفريق صغير يواجه برشلونة، فسأحاول أن أضغط عليهم وأمنعهم من البناء المنظم للهجمات، سأميل إلى طريقة المدرب باكو خيميز مع هفواته، بدلاً من رص اللاعبين في الدفاع، لأنك عندما تفعل ذلك تترك تير شتيغن يمرر لبيكيه، وبيكيه إلى الوسط، والكرة تخرج بكل أريحية، في النهاية ستموت بشكل متوقع أكثر من رغبتك في المبادرة، وقتل الهجمة قبل الوصول إلى نصف ملعبك.
كنا بالفعل نتدرب على ذلك منذ 2008، حتى مع لويس إنريكي أيضاً: اللعب ضد خطَّي دفاع من أربعة، مع شخص ما، يراقب المحور الخاص بك، حاولنا البحث عن مساحات بسرعة عن طريق تحويل الكرة إلى الجانب الآخر من الملعب، وليس بالتمرير العرضي ولكن بترحيل اللعب إلى الخط الثاني أو الثالث.
برشلونة يعرف ما سيواجه. ونحن نعمل على اللعب الموضعي، ضد 9 مدافعين، حيث لدينا المدافع يصعد بالكرة ويضرب الخطوط، ودائماً نعمل على استغلال المساحات الصغيرة مع سرعة التصرف بالكرة في التدريبات.
نتعلم كيفية السيطرة على الكرة من اللمسة الأولى، حتى تتمكن من الابتعاد عن مراقبك، وتوفير حيز اثنين أو ثلاثة أمتار.
– السيتي غريب، يسيطر
ويستحوذ بمهاجم يضيّع فرصاً عديدة، أهم لاعبين في خط وسط (سيفا ودي بروين) أصلهم
جناحان..
سيلفا ودي بروين اسمان يستطيعان التصرف في الكرة والرؤية بزاوية 360 درجة، لذلك
يتألقان بشدة في أي مكان. عكس ساني مثلاً الذي يشبه بيل على سبيل المثال، يلعب
أكثر على الخط، لأنه لا يتصرف بمثالية في المساحات الضيقة بالعمق.
ساني وأمثاله على الخط، دي بروين وأقرانه في المساحات الضيقة، المهم كيفية استغلال الفراغات.
– كيف يأتي الإبداع؟
بتمريرات الروندو. لا يزال الناس يعتقدون أن أي شيء نفعله من أجل المتعة. لا! إنه تمرين استثنائي.
يمكنك استخدام كلتا القدمين، يمكنك التمرير في الداخل، يمكنك جذب خصمك ثم عندما يكون قريباً منك، بام! تمررها إلى الجانب الآخر. تمرين الروندو 9 ضد 3 مثلاً، 2 يضغطان والثالث يغطي، عليك التمرير بشكل سريع ومن لمسة واحدة؛ من ثم تفكر كثيراً وتبحث بإرهاق عن اللاعب الحر.
في البارسا نفهم كرة القدم على أنها لعبة زمكان (زمان-مكان).. من يتحكم في هذا الآن؟ بوسكيتس وميسي وإنييستا، إنهم أساتذة في هذا، دائماً يعرفون ماذا عليهم أن يفعلوا، وما إذا كانوا محاصَرين أم لا.
وأردف تشافي: "هذا لا يفهمه لاعب مثل كاسيميرو، ولكن في الوقت نفسه، بوسكيتس لا يستطيع قطع الكرات، التي يقطعها كاسيميرو، حينما يقوم بالمجازفة، بالنهاية هي ملك وكتابة، عليك أن تختار!".
وبخصوص ريال مدريد، "إنه ينقسم إلى نصفين، 7 لاعبين ينطلقون للهجوم، وكاسيميرو يبقى وحيداً في المنتصف للتغطية، وهذه أشبه بلعبة حظ.. هذا ما لا يستطيع بوسكيتس القيام به، فحتى أنا أسرع منه، بينما كاسيميرو، فهو سريع جداً، لكنه يجيد هذا على حساب الجوانب الأخرى، التي لم يعمل على تطويرها بعد، فهو دفاعيٌّ أكثر، ويغطي مساحة أكبر، لكنه لا يفهم لعبة (الزمان-المكان)".
لم يتدرب عليها في صغره، كروس فعلها في ألمانيا، تياغو مع برشلونة، كازورلا كنت دائماً أسأله: كيف تعلمت كل هذا وأنت لم تبدأ صغيراً في أي نادٍ كبير؟
دائماً أسال نفسي: مودريتش وكروس وكازورلا وسيلفا، كيف لم يتعاقد برشلونة مع هؤلاء؟!
– فيليب لام وألابا وغيرهما، تحولوا من أظهرة إلى لاعبي الوسط. ما رأيك؟
الفكرة في خلق التفوق، يمكنك مواجهة فريق يضغط بقوة أو يراقب أظهرتك؛ من ثم عندما تضع الظهير في العمق، فإنك تكسب لاعباً إضافياً في أثناء بناء الهجمة، وفي حالة ذهاب الجناح لرقابته كالعادة، فأنت تحصل على زاوية تمرير مفتوحة تجاه الأطراف.
القصة ليست أبداً في تبادل المراكز بين اللاعبين، ولكن في كيفية فهم اللعبة.
في الدوري القطري، تحركت مرة بالكرة فوجدت زميلي يلحقني، قلت له: ماذا تفعل؟ عندما نلعب بعضنا بجوار بعض مع مسافة متر واحد، سنجعل الخصم يفعل ما يريد.
مارادونا وبيليه نفسهما إذا لعبا معاً في هذه المسافة نفسها، فسأكون أمامهما أفضل مدافع في العالم.
على سبيل المثال، إنيستا معه الكرة، يجب أن أكون بعيداً عنه بمسافة، وفي حالة
بكلاسيكو 6-2، كان يستل ميسي الكرة بكل أريحية. لماذا؟
إيتو وهنري لعبا في أنصاف المسافات، بين الظهير وقلب الدفاع يميناً ويساراً، خط وسط الريال قام بمراقبتي أنا وإنييستا.
لويس إنريكي كان يقوم بشيء مغاير بعد التقدم، يعود لمناطقه، يسحب الخصم، ثم تمريرة طولية للهجوم، أو اعتماد مباشر على مهارات ثلاثي المقدمة. أنا لا أحب هذه الطريقة في اللعب، لو كنت فائزاً في الدقيقة الـ89 (1-0)، أحب أن أذهب إلى منطقة الخصم بالكرة وأفرض شخصيتي وطريقتي؛ من ثم هناك اختلافات كبيرة حتى بين المدارس الهجومية نفسها.
لا أحب اللعب في منطقتي، أفضّل الاستحواذ بمناطق الخصم، وفي حالة قطع الكرة، عليه ركض 80 متراً لتسجيل هدف. الدفاع بالكرة أفضل كثيراً من الدفاع من دونها.
– عندما يدافع الفريق من مناطقه، فإنه يجبر لاعبيه على جري أمتار أطول، هذا صحيح؟
بالتأكيد، كل مدرب له تدريباته، سيميوني لأنه يدافع متأخراً، فإن فترة الإعداد تكون قاسية، وبها تمرينات جري طويلة، لأن لاعب الوسط والجناح يقطع أمتاراً طويلة في أثناء التحول من الدفاع إلى الهجوم.
مع غوارديولا مثلاً، كانت تمريرات الجري تركز على "السبرنتات" القصيرة 10-15 متراً، مع باكو سيرل لو، لأنك تلعب في مساحات ضيقة أكثر، ولا تقطع أمتاراً طويلة في الركض أو التحولات، فلا تحتاج أن تجري كثيراً.
– كيف يقرأ ميسي المباريات؟
ميسي قوي جداً على الصعيد التكتيكي، ملمٌّ بكل كبيرة وصغيرة تخص المكان والزمان والفراغ والتوقيت، أين يقف زميله، أين يقف خصمه، من المجحف مقارنته بأي لاعب آخر.
ميسي يراوغ بسهولة، يعرف أن المدافع يهابه، لذلك يأتي لاعب آخر يساعده، لا يكفي أيضاً، يدخل ثالث على الخط، يصبح هناك موقف 3 ضد واحدٍ أمامه، هنا يبدأ في التمرير إلى غيره، أي إنه لا يستخدم مهارته من أجل المراوغة، بل من أجل فتح الفراغ لزملائه، لمساعدة الفريق.
ليبرون جيمس قام بشيء مشابه، جيمس ليس لاعب أنانياً أو فردياً، عندما يلعب أمامه ثنائي من المنافس فإنه يمرر إلى زميله، الأصل في الفراغ، البحث عنه، إيجاد الزميل الحر، خلق التفوق في النهاية.
– من هم اللاعبون الذين يعجبونك؟
فيتولو وساؤول، وتياغو ألكانتارا، وكارفخال.
– ماذا عن إيسكو وأسينسيو؟
أعتقد أن ما يجب على هؤلاء اللاعبين الشباب أن يعرفوه، هو ما قاله لي لويس أراغونيس، عندما سألني ذات مرة: ماذا تريد؟ هل كرة القدم الجميلة أم الجيدة؟
لم أفهم سؤاله، فقال لي: "أنت أعطني كرة القدم الجيدة، فالكرة الجميلة أقبلها نعم، ولكن لخداع أربعة خصوم"، أي إن الخداع أمر رائع ومحبَّب للجماهير، لكنه في النهاية لا يعطي بالضرورة كرة قدم جيدة وجديرة بالتقدير والاستمرار زمناً طويلاً.
لا أريد أن أحدد أسماء، حتى لا يفهمني أحدهم بطريقة خاطئة، لكن في الليغا تأتي أسماء رائعة، تجيد المراوغة، لكن في النهاية يختفون دون وضع بصمة دائمة.
نعم تراوغ، لكن لماذا؟ ما الأشياء الأنيقة التي يفعلها ميسي؟ لا شيء.
هو يقوم بعمله فقط. ميسي هو كرة القدم الجيدة، وفي الوقت نفسه جيدة جداً بحيث تصبح جميلة.
– هل البرنابيو متطلب؟
جمهور ريال مدريد جمهور متطلب كجمهور برشلونة وغيره من الفرق الكبيرة. لكن الفرق أن جماهير البرنابيو يطلب من اللاعبين تقديم كل شيء، لا يمكنهم تشجيع لاعب كسول، لأن مرجعهم هو خوانيتو، روح خوانيتو وكماتشو هي ثقافة ريال مدريد، في حين يعتمد برشلونة ثقافة كرويف، التي تتركز حول الدوران، والتمركز، وفهم اللعبة، وألا تخسر الكرة.
برشلونة أكثر تعقيداً، أكثر نادٍ متطلب في العالم، مدريد لا يمتلك نوعية كرة القدم الأنيقة نفسها، إذا قام مدافعه بتشتيت الكرة في المدرجات، من الممكن أن يمر الأمر دون ضجيج. ولكن في الكامب نو إذا فعلت ذلك فستسمع الجماهير تصفر ضدك، وهذا يحدث منذ زمن كرويف.
– ما بعد منافسة ميسي وكريستيانو؟
نيمار مرجع، لاعب رائع وقائد كبير جداً، لا أتفق مع من يتهمه بعدم المسؤولية، بالعكس هو يستطيع حمل فريقه في المباريات الكبيرة، ولديه الجرأة لأخذ الكرة واتخاذ القرار في أصعب فترة.
مبابي أيضاً سيأتي بعده، لاعب رائع في سن صغيرة، لديه كل الإمكانات للتطور، يذكِّرني بهنري.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.