الإخوان والرئيس.. بين التجني والتشنج (3 – 5)

عربي بوست
تم النشر: 2020/01/13 الساعة 11:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/01/13 الساعة 11:38 بتوقيت غرينتش
الإخوان والرئيس.. بين التجني والتشنج!

وهمٌ اسمه الدولة

"أدار الرئيس محمد مرسي (وَهْماً اسمه الدولة)، بناءً على حقيقة، اسمها الانتخابات النزيهة". وبعبارة أخرى: "الانتخابات النزيهة جاءت برئيس منتخب، ليدير "دولة وهمية"، يسيطر عليها آخرون"!

بهذا التشريح الموجز للواقع، إبان إعلان الدكتور محمد مرسي -رحمه الله- رئيساً لمصر، بدأ المتحدث الرسمي السابق لحزب الحرية والعدالة، الإعلامي المعروف الدكتور حمزة زوبع "شهادته" التي أدلى بها إلى الأستاذ سليم عزوز، في سلسلة حلقات "الشهادة" التي أثارت سخطاً واسعاً، بين أنصار الرئيس مرسي. ولم يكن الدكتور زوبع مبالغاً، في وصفه هذا، بل حقيقة الأمر أنه جاء مطابقاً لواقع الحال. فالطريقة التي تُدار بها مصر، وغيرها من دول العالم الثالث، تقوم -في الأساس- على "قانون القوة"، وليس على "قوة القانون"، ومن ثم، لا يمكننا الحديث عن وجود حقيقة للدولة، وإنما عن وَهْمٍ اسمه الدولة، أو "شبه دولة" كما قال السيسي ذات يوم، وظن الطيبون منا -وهم كُثر- أنه لم يُحسن التعبير كعادته، لكنه كان يعني ما يقول، وينقل الحقيقة كما هي، ولعلها المرة الوحيدة التي صدق فيها، حتى اليوم.

كانت "شهادة" الدكتور زوبع "الشهادة" الوحيدة التي أربكت وأرهقت الأستاذ عزوز، إذ حاول طوال الوقت حثّ الدكتور زوبع على تسديد اللكمات إلى قيادة الإخوان المسلمين، مستغلاً موقفه الناقد لهذه القيادة. غير أن الدكتور زوبع، استطاع بلباقة، وذكاء، تفويت الفرصة على الأستاذ عزوز، ولم يسمح له باستغلاله مطلقاً، وكان موضوعياً، إلى حد بعيد، فأنصف الرئيس مرسي ووصفه بما هو أهله، ونفى عنه كل المثالب والمعايب التي ألصقها به إعلام الثورة المضادة. ودلل على صحة ما ذهب إليه بشواهد عديدة، كونه كان مستشاراً للحملة الانتخابية للدكتور مرسي، ودارت بينهما أحاديث جانبية، على هامش الجولات الانتخابية، جعلت الدكتور زوبع يخرج بهذا التقييم "الموضوعي" لشخصية الرئيس مرسي.

تحدث الدكتور زوبع، في الوقت الذي استطاع الاستحواذ عليه، في جداله مع الأستاذ عزوز، عن العلاقة بين الجماعة والحزب، وبرر "هيمنة" الجماعة على قرار الحزب، ورغم أنه تبرير له وجاهته، في سياقه وظروفه، غير أني لم أقتنع بهذا التبرير، وفي كل الأحوال، فإني أوصي القارئ بمشاهدة هذه "الشهادة" التي جاءت في حلقتين.

مرشح أساسي وآخر احتياطي.. لماذا؟  

من جانبه، أتى الدكتور أمير بسام، عضو مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين، في "شهادته" على قرار الإخوان المسلمين بالترشح لرئاسة الجمهورية، والآلية التي تم بها اختيار المهندس خيرت الشاطر مرشحاً رئاسياً، ولماذا وكيف تم اختيار الدكتور محمد مرسي مرشحاً احتياطياً؟

وقد جاءت شهادة الدكتور بسام متوافقة حد التطابق، مع الشهادة التي أدلى بها لي عضو مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين وعضو الهيئة العليا لحزب الحرية والعدالة، الأستاذ كارم رضوان. مع العلم أن كلا الرجلين يقف على طرفي النقيض اليوم من أزمة الإخوان الداخلية؛ فبينما الدكتور بسام على خلاف مع قيادة الإخوان المسلمين الحالية التي يطلق عليها البعض "جبهة الدكتور محمود عزت"، فإن الأستاذ رضوان لا يزال على ولائه التام لهذه القيادة.

لقد اتفق "الشاهدان"، بسام ورضوان، على أن الدكتور محمد بديع، المرشد العام للإخوان المسلمين، قد طلب من مجلس شورى الجماعة ترشيح من يرونه مناسباً من "الإخوان" لمنصب الرئاسة، بعد أن انتهت المداولات داخل مجلس الشورى إلى "ضرورة" المنافسة في الانتخابات الرئاسية، بأغلبية طفيفة. وذلك رداً على تهديد الدكتور كمال الجنزوري، رئيس الوزراء آنذاك، للجماعة؛ بقوله إن "قرار حل البرلمان جاهز وموجود في درج مكتبه". وكان يترأس البرلمان المصري حينها الدكتور سعد الكتاتني، نائب رئيس حزب الحرية والعدالة، صاحب الأغلبية البرلمانية.

الذي استوقفني في هذه الواقعة، هو طلب المرشد العام إلى مجلس شورى الجماعة ترشيح من يرونه مناسباً من "الإخوان" لمنصب الرئاسة! وذلك على الرغم من وجود ذراع سياسية للجماعة، ألا وهي حزب الحرية والعدالة الذي  يرأسه الدكتور محمد مرسي. فلِمَ لا يكون الاختيار من بين كوادر الحزب، الذي تم إنشاؤه في الأساس لممارسة العمل السياسي، وفي مقدمته خوض الانتخابات بمختلف أنواعها. ما الداعي لوجود الحزب إذن إذا كانت الجماعة هي التي ستنافس في الانتخابات وليس الحزب؟ وكيف يتم اختيار المهندس خيرت الشاطر، نائب المرشد العام للإخوان المسلمين، كمرشح رئاسي وهو لا يشغل أي موقع في حزب الحرية والعدالة المنوط به المنافسة في الانتخابات، في وجود رئيس الحزب الدكتور محمد مرسي؟

أريد تسليط الضوء على هذه النقطة شديدة الأهمية، من وجهة نظري؛ لأني لم ألحظ أحداً اهتم بها، ولفتَ الأنظار إلى دلالتها السلبية، التي تتمثل في أحد أمرين، أو في كليهما: 

– الأمر الأول هو الخلط بين دور الجماعة ودور الحزب، أو بالأحرى، "وصاية" الجماعة على الحزب.

– الأمر الثاني هو عدم اقتناع قيادة الجماعة بأن الحزب سيقوم بدوره السياسي، على النحو المطلوب منه، ما يعني غياب ثقة الجماعة في الحزب، رغم أن السواد الأعظم من مؤسسيه، هم من الإخوان المسلمين، وقيادته كلها هم رموز العمل السياسي والبرلماني "الإخواني". فأي الطرفين أجدر على اتخاذ القرار السياسي، قيادة الجماعة أم قيادة الحزب؟

أما اختيار الدكتور محمد مرسي مرشحاً احتياطياً للمنافسة في الانتخابات الرئاسية فقد جاء استجابة لتنبيهٍ من بعض أعضاء الشورى العام، العالمين بالدستور والقانون، بعد حصول المهندس خيرت الشاطر على أغلبية الأصوات ليكون مرشح الجماعة، باحتمال استبعاده من المنافسة؛ لعدم تسوية وضعه "القانوني"، وقد تم استبعاده بالفعل!

ولست أفهم، لماذا تم الإبقاء على المهندس الشاطر مرشحاً رئاسياً رغم هذا التنبيه "القانوني"؟

وقد أثر هذا القرار "غير الموفق" على صورة الدكتور محمد مرسي لاحقاً؛ فقد ظل إعلام الثورة المضادة والدولة العميقة يصفونه بـ "الاستبن"، حتى بعد أن صار رئيساً منتخباً، من الشعب، بل واشتد الترويج لفِرْيَة أن خيرت الشاطر هو الرئيس الفعلي، وليس محمد مرسي. وأشهِدُ الله أن هذا كان كذباً وافتراءً على الرجلين من أبواق الثورة المضادة والدولة العميقة. 

وسائل الإعلام لابتزاز الرئيس 

في "شهادته" سرد الأستاذ رضا فهمي، رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس الشورى المصري عدداً من الروايات، استوقفني بعضها لحساسيته، ومن تلك الروايات ذكره استشهاد ممثل وزارة الدفاع المصرية، في اجتماعات اللجنة، بخرائط "إسرائيلية"؛ لإثبات عدم أحقية مصر في حقول غاز شرق المتوسط. هذا الأداء يكشف لنا بوضوح أن قيادة الجيش المصري لا تعرف ولا تفهم معنى السيادة الوطنية، المنوط بها الدفاع عنها وليس عن مصالح الذين يستهدفونها، هذا إذا أحسنا الظن بهذه القيادة، لكن في هذه الأمور فائقة الحساسية لا يمكن تقديم حسن الظن بأي حال من الأحوال.

كما ذكر الأستاذ فهمي شكوى اللواء خالد فوزي، نائب رئيس جهاز المخابرات العامة، بأنه لا يمكنه لقاء الرئيس وقتما يريد، وأن عليه طلب اللقاء من خلال أحد مساعدي الرئيس. بينما استطاع شخص من موظفي الرئاسة الدخول على الرئيس أثناء ترؤسه اجتماعاً لمجلس الأمن القومي؛ كي يخبره بانفجار ماسورة مياه مركزية في القاهرة. وكلا الأمرين يستحقان الوقوف عندهما والمحاسبة عليهما.

الغزَل الذي أغرقت به الإعلامية لميس الحديدي الرئيسَ مرسي ذات مرة، بعد لقاء الأستاذ فهمي باللواء خالد فوزي يكشف لنا بوضوح عن الجهة التي توجه وتدير الإعلام في مصر. إن الدولة التي يوظف رجال المخابرات آلتها الإعلامية لابتزاز الرئيس المنتخب لا تكون دولة، وإنما "وهم اسمه الدولة" بتعبير الدكتور زوبع، أو "شبه دولة" بتعبير عبدالفتاح السيسي.

شبه الدولة والمؤلفة قلوبهم 

أما الأستاذ قطب العربي، الأمين المساعد للمجلس الأعلى للصحافة في مصر، فقد بيَّن في "شهادته" للأستاذ عزوز جانباً إيجابياً مهماً من التحول الجذري الذي طال آلية اختيار رؤساء مجالس إدارات الصحف القومية ورؤساء تحريرها، إذ أصبح هذا القرار شديد الأهمية والحساسية منوطاً بالجماعة الصحفية، وليس برئيس الدولة ولا رئيس مجلس الشورى، كما كان معمولاً به لعقود، وهذا أمر لو تعلمون عظيم.

في جانب آخر من "شهادته" تحدث الأستاذ العربي عن محاسبة الصحفيين الذين كانوا يتربحون من الإعلانات، وهو سلوك محظور مهنياً وقانونياً على الصحفي. غير أنه عند مراجعة أسماء أولئك الصحفيين "المدانين" بارتكاب تلك المخالفة، البالغ عددهم 600 صحفي تقريباً، تدخل الأستاذ العربي لدى جهات المحاسبة لـ (تخفيض) هذا العدد. وبرر الأستاذ العربي هذا التدخل -مازحاً- أنه "تعاطف" مع زملاء المهنة. وسأمتنع عن التعليق على هذا التدخل من جانب الأستاذ العربي لأنه سيكون تعليقاً قاسياً.

وفي نقطة ثالثة، أشار الأستاذ العربي إلى تخفيض المكافأة التي كان يتلقاها الشاعر فاروق جويدة من صحيفة الأهرام. وقد أورد الأستاذ العربي هذا المثال للتدليل على الرغبة الحقيقية للسلطة -حينذاك- في غلق "حنفية" الفساد، وإيقاف إهدار المال العام، حسب تعبيره. ومن جهتي أقول إن هذا هدف نبيل ولا شك، وإنه ضرورة من ضرورات الإصلاح المؤسسي، غير أن الأستاذ العربي ومن معه لم يكونوا يدركون -على ما يبدو- أنهم يحاولون إصلاح "شبه دولة" وأن أشباه الدول تُدار بمنطق القوة لا بقوة المنطق. ومن ثم، يتعين عليك أن تتصرف مع هذه الشريحة المتنفذة في مؤسسات "شبه الدولة" بمنطق "المؤلفة قلوبهم"، أي لا تمنع عنهم امتيازاتهم، لكن عليهم أن يفهموا أن بإمكانك حرمانهم من هذه الامتيازات، ويمكنك تطبيق ذلك، وبحزم، مع أول محاولة "تمرد" من أي منهم؛ حتى تضمن التزامهم بالمسار الذي اخترته للانتقال من شبه الدولة إلى الدولة.

من دفع ضريبة التمرد؟ 

آخر الشهادات التي سأتعرض لها، في هذه المقالة، هي "شهادة" السيدة غادة نجيب، عضو "حركة تمرد" صنيعة جهاز المخابرات العامة؛ لتهيئة الجماهير للخروج إلى الشارع يوم 30 يوينو/حزيران 2013؛ كي تضفي على الانقلاب العسكري الذي كان يتم التخطيط له، على قدم وساق آنذاك، صورة الانحياز لإرادة الشعب. هذه الشهادة التي وصفها الأستاذ سليم عزوز بـ "الرائعة"، فضلاً عن أنها كانت أقل الشهادات التي قاطع فيها الأستاذ عزوز "شاهده"!

ما لفت نظري في شهادة السيدة نجيب إصرارها -حتى اليوم- على نُبل الأهداف المعلنة لحركة تمرد، رغم النتائج الكارثية التي ترتبت عليها. تلك النتائج التي لم تنحصر في الانقلاب على أول تجربة تداول سلمي للسلطة في مصر، ولا في التنكيل بالرئيس المنتخب، ثم اغتياله على مرأى ومسمع من العالم، ولا في قتل آلاف المعتصمين السلميين في رابعة والنهضة وأخواتهما، ولا في اعتقال عشرات آلاف آخرين، ولا في أضعاف هذا العدد من المطاردين والمنفيين، بل تجاوزت نتائج هذا "التمرد" الحدود فألحقت "دماراً شاملاً" بكل بلاد الربيع العربي، باستثناء تونس.

وقد لاحظت أن السيدة نجيب لم تُبْدِ أسفها عن مشاركتها في حركة "تمرد"، ولم تقدم اعتذاراً لضحايا الانقلاب العسكري وذويهم الذين يدفعون، حتى اليوم، وإلى أمد لا يعلمه إلا الله، ضريبة مشاركتها تلك، وكأنها اكتفت بشرف إعلان الانسحاب منها، عندما علمت أنها تُدار من قِبَل المخابرات العامة. ولم تنس السيدة نجيب أن تلوم جماعة الإخوان المسلمين ورئاسة الجمهورية على عدم الاتصال بها بعد انسحابها من تمرد؛ للاستماع إليها ومعرفة أسباب انسحابها. لكنها تناست أن الإخوان المسلمين تعاقدوا مع زوجها الفنان هشام عبدلله على تقديم برنامج في قناة "وطن" قبل إطلاقها؛ كي يبرهنوا للرأي العام أنهم منفتحون على الجميع، حتى على أولئك الذي ألحقوا بهم الأذى، بل بمصر كلها.

"الشهادة" ليست شراً مطلقاً

وأخيراً، في نهاية تقييمي لأبرز ما جاء في حلقات "الشهادة" التي أعدها وقدمها الأستاذ سليم عزوز لصالح موقع الجزيرة مباشر، أود التأكيد على أن هذه الخطوة من جانب الأستاذ عزوز لم تكن شراً كلها. بل كان فيها من الخير الكثير، فقد اضطر تلفزيون "وطن"، الناطق باسم الإخوان المسلمين، إلى استدعاء قيادات إخوانية كبيرة وشخصيات بارزة أخرى، للحديث عن تلك الفترة التي تناولتها حلقات "الشهادة"، وما كان لتلفزيون وطن وضيوفه من قيادات الإخوان أن يتحدثوا في هذا الموضوع الهام والشائك إلا تحت ضغط هذه "الشهادة" ولا يفوتني التأكيد على أني لم أجد فيها ما يبرر ذلك الهجوم الحاد غير الراشد الذي تعرض له بعض الشهود، وأعني بالتحديد كلاً من الدكتور سيف الدين عبدالفتاح والشيخ عصام تليمة.

(يُتبع)..

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
أحمد عبدالعزيز
المستشار الإعلامي للرئيس المصري الراحل محمد مرسي
تحميل المزيد