لا يوجد أي داعٍ للاندهاش مما قدمه كروس ليلة الأربعاء الماضي أمام فالنسيا. كروس ليس لاعباً ناشئاً يخطو خطواته الأولى في عالم المستديرة، فهو واحد من أفضل المُمررين في كرة القدم في آخر 10 سنوات وواحد من أهم لاعبي زيدان في فترته الأولى، والثانية المستمرة حالياً مع الميرينغي.
بعيداً عن التكتيك والفنيات وكل شيء خاص باللعبة، حكايتي مع توني كروس وحُبي له مؤسس على كونه واحداً من أكثر اللاعبين الذين يتحلون بالهدوء مع كرة القدم، لا يتأثر بالضغط فلا يفقده توازنه العقلي في التفكير واتخاذ القرار، قادر على فعل أي شيء مما يميزه هو تحديداً في التدريبات ولا يشاهده أي أحد، وقادر على فعله أيضاً أمام كل العالم عبر التلفاز وجماهير الملعب.
لذا، هو واحد من اللاعبين الذين يمررون كرة القدم بسرعة تفكير عالية، تشعر وكأنه يملك عقلين وليس عقلاً واحداً، لكن هناك سراً وراء ذلك..
توني يخبر أصدقاءه في التدريبات دائماً مع بايرن أو مدريد بالتحلي بالصبر قبل التمرير له كي يحلل وضع الملعب أولاً، وكي لا يضغط الخصم عليه أو يغلق زوايا التمرير المتاحة بعد استلام الكرة. يقول زميله الكرواتي ماندزوكيتش لاعب الدحيل القطري في مقابلة مع قناة بايرن ميونيخ عن صديقه توني كروس: "يقول لنا دائماً أن نشرب أي مشروب قبل التمرير له (يضحك) – كناية عن التأني قبل التمرير له-، يريد منا التحلي بالصبر والتفكير قبل تمرير الكرة له".
ماذا يحدث عندما يجتمع كروس ومودريتش معاً؟
وضعية "creating numerical superiority" أو "خلق التفوق العددي"، هي واحدة من أهم الوضعيات اللازمة لبناء الهجمة في أي فريق يلعب كرة على الأرض ويخترق من أنصاف المساحات. لا توجد ثنائية في العالم أفضل من توني ومودريتش في تلك الوضعية، توني تحديداً يحب الزيادة العددية في كل شيء، في وضع التمرير أو خلق الفرص من الخلف أو في تقليل الضغط في بعض الأماكن من الملعب.
مع ريال مدريد، ترى راموس يأخذ الكرة لبناء الهجمة، يمررها لكاسيميرو الذي يتقدم بها للثلث الثاني من الملعب، هنا يتقدم الخصم للضغط على حامل الكرة (كاسيميرو)، فيعود كروس ومودريتش سريعاً ناحية كاسيميرو، هنا أصبحت الوضعية 3 ضد 2، وإذا تقدم ثلاثة لاعبين من الخصم يتأخر أحد أجنحة مدريد لخلق التفوق العددي ويكون الوضع 4 ضد 3.
عندما تكون الكرة مع كاسيميرو، يبدأ كروس في تحليل الوضع كاملاً، ومن ثم يبدأ في التحرك لإعطاء الإشارة لكاسيميرو بالتمرير له، في الوقت ذاته يتحرك مودريتش بدون كرة لسحب لاعب من الخصم معه وصنع مساحة للتمرير لكروس، فبدلاً من ضغط الخصم على كاسيميرو أصبح الوضع في حالة هجمة خطيرة لمدريد.
بجانب القدرة الكاملة لكروس على التمرير في وضعيات صعبة وأحياناً مستحيلة، هو قادر تماماً على مراقبة الخلل في هيكل المنظومة الدفاعية للخصم، والتفكير سريعاً لاستغلالها.
لذا عند استغلال الكرات وعند ضغط مدريد على الخصم عادة ما يضع كروس نفسه بين لاعب الخصم الذي سيمرر الكرة ولاعب الخصم الذي سيستقبلها، خصوصاً على الأطراف لتحويل اللعب سريعاً ناحية المساحة الأخرى الفارغة للاعب المتطرف من مدريد.
موقع WhoScored ترجم تلك الحالة رقمياً وأوضح أن كروس شارك في أهداف مدريد بشكل مباشر أو غير مباشر بنسبة 92% في آخر 3 سنوات، أظن أنها أفضل نهاية لهذا الكلام.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.