هادئ الصوت وبه قوة رصينة ربما تنمّ عن ثقل أبيات الشعر على قلبه من طريقه الطويل الذي بدأ في دير غسانة برام الله في العام 1944
مريد البرغوثي بارع في الوصف، وفي أن يصيبك بالشلل حين تقرأ من جمال سطر ما.
سطوره غير عابرة أبداً، بل خالدة في الذاكرة، ذهن القارئ، مخيلة الأدباء الصغار والشباب العربي التائق إلى الثورة.
مريد البرغوثي تورّط حباً في صاحبة الطنطورية، ثلاثية غرناطة، وأثقل من رضوى، وأثقلنا جميعاً برثائه وقصتة الأسطورية مع الراحلة الأديبة المصرية رضوى عاشور.
بصفتي واحداً من بقايا الثورة المهزومة في يناير 2011، قرات سطراً إبداعياً للسيد مريد البرغوثي قال فيه:
25 يناير 2011 هي السنة الجديدة، كل السنوات بعدها قديمة.
هنا طَرَحني مريد البرغوثي أرضاً بسطر أدبي خالص، استفزّ فيَّ يناير المهزوم والنائم على اكتئاب في قلبي، استفزّ صوتي المبحوح من الهتاف في الثامن والعشرين من يناير، الطوب الأحمر الذي قذفنا به مبنى أمن الدولة في التاسع والعشرين من يناير، إصابة يدي اليمنى من خرطوش البلطجية في موقعة الجمل، أغاني الشيخ إمام أمام مبنى المحافظة في ليالي حراسة الثورة قبل التنحي، شالي الفلسطيني الذي قبلته ومسحت به دموعي، وسجدت عليه حين تنحّى الطاغية قليلاً ليفسح المجال لطغمة الطغاة من بعده.
مريد البرغوثي أثار الثورة بي من جديد، نحن أبناء يناير بالعامية المصرية "نتلكك" كي نعود إلى الثورة.
وفي العام 2020 "أتلكك" أنا بسطر مريد البرغوثي كي أغرق مرة أخرى في ذكريات الثورة.
اسمح لي أستاذي الفاضل مريد أن أكتبك هنا وأناديك يا عم مريد.
اكتبنا يا عم مريد بلا توقف، بلا استثناء، بلا حسابات، اكتبنا في الثورة ولو بسطر آخر، علّنا نعود من المنفى القصري هذا إلى الميدان.
اكتبنا يا عم مريد كي لا يغفو التاريخ عنا وعن إصاباتنا، شهدائناً، هتافاتنا، مترايسنا في الحواري، صفوفنا في اللجان الشعبية، خيامنا في الاعتصام.
اكتبنا كي لا نُنسى، اكتبنا في يناير رجاءً.
في كتابك ولدت هناك، ولدت هنا، أثار إعجابك ثورية السائق محمود الاعتيادية التي يقوم بها يومياً إلى أريحا، وأقسمت على نفسك أن تكتب محمود، فكتبته وسرّبت إلينا السائق محمود في حالة الثورة اليومية.
السائق محمود كان مع الثورة ضد الإسرائيلين فكتبته،
ونحن بقايا الثورة فاكتبنا كما كتبت يناير في سطر طرحنا جميعاً أرضاً من الألم والحنين.
آثرت البقشيش للسائق محمود، آثرت كلمة "دير بالك على حالك" ولم تقلها له رغم أنه ربما كان يسعد لو سمعها منك.
نحن شباب خط الثورة نتوق لمثل هذه الكلمات الحنونه، ممن هم أمثالك نريد ضمة رجولية منكم تشد على غربتنا الطويلة تلك، كي نستعيد روح الثورة.
شكراً يا عم مريد على سطرك الخاص بيناير 2011.
نوصيك نحن النفر الباقون من يناير أن تكتبنا.. أخبرتنا في كتابك هذا أن الغبي من يثق في قهوة الحكومة، ونحن ندعوك على فنجان قهوة من وقتك كي تكتبنا في يناير في ذكراها التاسعة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.