حسنًا، عندما تقرأ عنوان التدوينة للوهلة الأولى تشعر معها بمقارنة وشيكة بين السويدي زلاتان إبراهيموفيتش مهاجم ميلان الإيطالي، والمهاجم المصري مروان محسن، دعني أعترف أنها محاولة ساذجة للغاية لزيادة عدد قراء هذا المقال.
لم أحلق بعيداً في مخيلتي إلى هذا الحد، أرجوك لا تقلق بشأن سلامة قواي العقلية. الأمر وما فيه أنني أردت محاولة تفسير الأداء الباهت لمروان محسن رفقة النادي الأهلي ومنتخب مصر. أثناء بحثي عن أنواع المهاجمين وأدوارهم وجدت ما يسمى في الإعلام المصري بـ "المهاجم المحطة". وهو مصطلح يعني عدة أدوار يعرفها اللاعب والمدرب والمشاهد من فرط تكرارها من قِبل جهابذة التعليق والتحليل في مصر.
إنييستا الزملكاوي وهازارد الأهلاوي
يطلق من وقت لآخر من قِبل الوسط الرياضي المصري العديد من التشبيهات والمقارنات بين لاعبين محليين وآخرين عالميين، عندما يتألق المحليون في فترة ما، أو في مباراة واحدة. يمتلك المحللون والمعلقون المصريون جرأة غريبة تميزهم عن نظرائهم في عالم كرة القدم. أتذكر أن "فيلسوف التحليل" أيمن يونس، كما يحب أن يدلعه الجنرال مدحت شلبي، قال سابقاً: "محمد إبراهيم مثل إنييستا لاعب برشلونة فى مهارته وطريقة تفكيره واستحواذه على الكرة، ولكن إبراهيم يتفوق على إنييستا كونه يسجل أهدافاً أكثر".
حسام البدري، المدير الفني الحالي لمنتخب مصر والأسبق للنادي الأهلي، قال في تصريحات تلفزيونية: "أحب هازارد جداً، هو لاعب قريب نوعاً ما من عبدالله السعيد ولكن بشكل مختلف". ولم يتسنَّ لأي جهة تحديد ما إذا كان الكابتن حسام البدري في وعيه تماماً أم لا عندما تفوَّه بهذه الكلمات.
الأول أخطأ بتشبيه أحد أعظم لاعبي خط الوسط في التاريخ، أما الآخر فأخطأ مرتين عندما قارن هازارد بعبدالله السعيد، والخطأ الثاني قوله إن هازارد هو الذي يشبه عبدالله السعيد، وليس العكس!
ولأننا في زمن الحرية وعصر السماوات
المفتوحة، قررت أن أسير على دربهم وأن أدلي بدلوي بإضافة مقارنة عالمية-محلية
جديدة. لكن قطعاً ليست بين إبراهيموفيتش ومروان محسن، تذكر أنني ما زلت في كامل
قواي العقلية.
المقارنة ستكون بين مروان محسن وأوليفييه جيرو
الذي يُهاجَم بضراوة رغم تحقيقه كأس العالم واللعب في أرسنال وتشيلسي. ليست مقارنة
بين أرقام وإحصائيات اللاعبين، بل مقارنة لمحاولة فهم أدوار اللعب التي يقوم بها
"المهاجم المحطة"، ولماذا يتعرض لكل هذا الهجوم اللاذع؟
مهاجم "المحطة"
يصف العديد من المحللين المهاجم "المحطة" بأنه لاعب ذو قدرات بدنية قوية يصبح قِبلة لتمريرات لاعبي خط الوسط وخط الدفاع. كما أنه قادر على الفوز بالكرات الهوائية لخلق مساحة لزملائه، كما أنه مولع بصناعة الأهداف أولاً ومن تسجيلها ثانياً، مثل الكرواتي ماندزوكيتش.
من البديهي أن تجد بعض السمات التي تميز اللاعب المحطة، وأهمها:
* التمريرة من لمسة واحدة Lay off pass للقادمين من الخلف وتمهيد الكرة لهم بشكل سلس للغاية.
* جودة التمرير القصير.
* جودة القرارات والعمل الجماعي.
* السرعة والمرونة فى تحول الجسم من موضع لآخر.
* التوازن والقدرة على حماية الكرة تحت ضغط (Shield skills).
* القوة البدنية والكرات الهوائية.
* التحرك على الأطراف وخلق المساحات ومتابعة الكرات الثانية.
العديد من المدربين يفضلون المهاجم المحطة، أمثال كونتي مع جيرو وإصراره على التعاقد مع لوكاكو في إنتر ميلان، ومن ثَم إعطاء حرية الحركة للقادمين من الخلف كصانع الألعاب أو الوسط المساند أو المهاجم الثاني.
هناك العديد من الأمثلة باختلاف جودة كل منهم، على سبيل المثال، أندي كارول لاعب نيوكاسل، ماندزوكيتش لاعب الدحيل القطري، والمعتزل بيتر كراوتش، وبالطبع أفضلهم إبراهيموفيتش أفضل مهاجم "محطة" خلال العقدين الأخيرين.
الاعتماد على مهاجم المحطة يترتب عليه العديد من الكرات المقوسة داخل منطقة الجزاء، وبالتالي وجود أطراف لديها القدرة على إرسال كرات عرضية جيدة لاستقبالها من المهاجم.
في كثير من الأحيان يتعرض هذا النوع من المهاجمين لسخط جماهيري كبير بسبب بطء حركته، بالتالي أحياناً يكون أقل من نسق المباراة، في أغلب الأحيان اللاعب المحطة ليس لاعباً جماهيرياً بالدرجة الأولى، خاصة إذا اتصف ببطء الحركة.
دورة حياة المروان محسن
هذا المشهد المتكرر لا يفارق ذاكرتي أبداً، تكون الكرة في منتصف الملعب في حوزة لاعبي الأهلي أو منتخب مصر، وبعد عدة تمريرات قصيرة تصل الكرة إلى مروان محسن في ثلث الملعب الثاني، يتسلم مروان محسن الكرة وبدلاً من تمرير الكرة سريعاً والتحرك مرة أخرى، يبحث عن مخالفة من المنافس في وسط الملعب لينقذه حكم اللقاء من جحيم الاحتفاظ بالكرة. المهاجم المحطة هو الذي يمكنه أن يحتفظ بالكرة لمدة 4 ثوانٍ على الأقل بانتظار دعم زملائه، لكن مروان محسن عندما يحصل على المخالفة يعتقد أنه سوف يقيم بعد المباراة بشكل أفضل.
ربما يتهمني بعض مشجعي الأهلي بأنني بصدد إنشاء حملة ممنهجة للهجوم على مروان محسن مهاجم الأهلي، وعرقلة مسيرة الفوز المتتالية، بل من المفترض أن أدعم لاعباً وصل إلى الثلاثين عاماً وعلى وشك الاعتزال.
من الطبيعي ألا أذكر أن المهاجم المحطة لابد أن يسجل، الأمر بديهي أن يحرز المهاجم أهدافاً مهما اختلفت الوظائف الأخرى له في المستطيل الأخضر. لكن المهاجم المصري خاض مع الأهلي 9 مباريات في موسم 2016-2017 سجل خلالها هدفاً وحيداً، وفي موسم 2017-2018 لعب 13 مباراة سجل 4 أهداف وصنع هدفاً وحيدا، وتطور المعدل التهديفي للاعب في موسم 2018-2019 حيث سجل 8 أهداف وصنع 3 أخرى، وفي الموسم الحالي لعب 9 مباريات وسجل هدفين وصنع مثلهما. إجمالاً خاض اللاعب 191 مباراة وسجل 49 هدفاً أي بمعدل هدف واحد كل 4 مباريات.
وهذا ما يفسر هجوم الجماهير على اللاعب الذي يعاني، خاصة في تحويل الفرص إلى أهداف، الأهلي يعاني من ندرة تحويل الفرص إلى أهداف من المهاجم المصري، ومن ضياع الكرات السهلة من جانب المغربي أزارو، هذا ما يفسر بحث الأهلي عن مهاجم جديد في الميركاتو الشتوي.
قليل من المبررات لا يضر
اللاعب تألق مع الإسماعيلي بشكل رائع، حيث حرية الحركة والديناميكية التي يتمتع فريق الإسماعيلي بها مقابل الأهلي الذي يمتلك بعض الصرامة التكتيكية، وخاض مروان محسن أفضل مواسمه على الإطلاق مع الدراويش، حيث خاض 37 مباراة سجل 14 هدفاً، وصنع 8 أخرى في أفضل مستوياته من ناحية التهديف وصناعة الأهداف.
وإبان فترة تولي كوبر لمنتخب مصر الذي نجح بالصعود إلى كأس العالم والحصول على المركز الثاني ببطولة إفريقيا 2017، رغم ذلك قوبل من البعض بهجوم شديد على طريقة اللعب، المدرب الأرجنتيني يعتمد على الدفاع ثم الدفاع ثم الدفاع ثم الهجوم المرتد عن طريق محمد صلاح بتمريرة من عبدالله السعيد أو أي لاعب من وسط الميدان.
خدمت طريقة كوبر لاعبي الدفاع بشكل كبير على سبيل المثال علي جبر تم اختياره في منتخب البطولة رغم أنه ليس من لاعبي الصف الأول، تألق لكل عناصر الدفاع ووسط الملعب وتتوقف السلسلة عند خط الهجوم تحديداً مروان محسن، الأرجنتيني يعتمد على الكرات الطولية إلى مروان لتمهيد الكرة إلى القادمين من الخلف خاصة محمد صلاح، من النادر وجود هجوم منظم من لاعبي المنتخب وإرسال كرات عرضية نحو مروان محسن التي تعتبر مزية المهاجم الأساسية. بالتالي ظهر مروان محسن بشكل متواضع للغاية من وجهة نظر الكثيرين. ربما يتبادر إلى ذهن القارئ بطولة أمم إفريقيا 2019 تحت قيادة المكسيكي خافيير أغيري الذي يتبنى بعض الأفكار الهجومية عكس الأرجنتيني كوبر، رغم ذلك لم يسجل مروان محسن أو يصنع أي أهداف، بالإضافة إلى أن معدل فقده للكرة بالمبارة الواحدة كان 4.5 ومعدل فوزه بالكرات الهوائية 52% لكل مباراة. على كل حال الأداء الباهت لمنتخب مصر باستثناء محمد الشناوي حارس الأهلي، وطارق حامد لاعب الزمالك، مع أداء أقل من المتوسط أو سيئ من باقي اللاعبين جعل الأمر يمر مرور الكرام.
رسالة أخيرة
من البديهي أن تجد من يدافع عن المهاجم مروان محسن من جماهير الأهلي بداعي دعم اللاعب، خاصة أنه يبذل ما في وسعه، تجدهم حينما يسجل أهدافاً لابد أن أدعم اللاعب في ظل الهجوم اللاذع من الإعلام وبعض الجماهير، وتجد البعض الآخر لا يعتبر الدفاع عن لاعب يقدم مستوى متواضعاً من قواعد الانتماء الأربعين.
ماذا لو سجل مروان محسن هدفاً فاز به الأهلي ببطولة إفريقيا هذا الموسم، أعتقد أنه سيخرج علينا الإعلام وبعض الجماهير بعنوان "مروان محسن يخرس الألسنة ويقود الأهلي للتتويج بالأميرة الإفريقية".
حينها ستجد من يتغنَّى بأداء المهاجم المصري وإصراره على الرد في المستطيل الأخضر على المنتقدين، ويرفعه إلى عنان السماء، إذن من حق الجمهور عندما يقدم أداء سيئاً أن ينتقد اللاعب بشدة. هذا هو حال الجماهير دائماً.
تذكر دائماً: الجماهير التي تصفق لتتويجك هي نفسها التي ستصفق لقطع رأسك، فالناس يحبون الفرجة.
الروائي الإنجليزي تيري براتشيت
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.