الخصوصية هي المساحة الخاصة بالأفراد أو المجموعات أو المؤسسات، والتي تُبنى على أساس الهوايات أو الميول أو التطلعات وغيرها.
وقد لا تكون بالضرورة هذه الخصوصيات هي أسرار بل مجرد أمور يُحب أن يفعلها المرء وحده أو مع أشخاصٍ آخرين يشاركونه نفس الأفكار، وبالتأكيد فإن هذه الأفعال سَتواجه بالفضُول وحب الاستطلاع، وقد يكون هذا الشيء جيداً في بعض الأحيان -إذا لم يؤثر على صِاحب الشأن- لأن الإنسان دائم التطور ومُحب لِشحذ مهاراتهِ من خلال مُتابعة الغير، وهنا عامل التأثر والتأثير سيكون هو الأساس، ليتخذَ الفضول الشكل الإيجابي، ولكن تبقى (الخُصوصية) خصوصية مُناطة بأصحابها فقط.
وقد تعددت أشكال وأنواع الخُصوصيات بِحسب شخصية الإنسان، فمنها ما يكون شخصياً، لِتهذيب النفس وصفاء الروح، كهواية أو حِرفة مثلاً (صناعة الخزف)، هي ليست شيء خاص ولكن بعض الناس يودون إبقاءها سراً كنوع من الخصوصية بالنسبة لهم، وهذا ما شاهدناه في الفيلم الهوليودي (show time)، للنجم (Robert De Niro)، والذي يظهر بشخصية الشرطي العابس طيلة الوقت، ولكنه وجد صناعة الخزف والتي لم يكن يتقنها بالكامل، كوسيلة للتعبير عما بداخله، وكيف حاول بكل الطرق أن يخفي مَعمله الصغير عن زميله في العمل والذي جسد شخصيته النجم (Eddie Murphy)، مُعتبراً إياه أحد أهم أسرارِ حياتهِ الشخصية، ولا يود لأحد معرفة هذهِ الميول أو التطلعات على حد سواء.
أو شخصي جداً، ومثال ذلك، (المساحة الخاصة ما بين الزوج وزوجته) بما يشتمل على الهوايات وغيرها، وبالتأكيد فإن هذا الأمر نادراً ما نجدهُ في الشرق الأوسط، وإن وجد، فإنه يُقابل في بعض الأحيان بانتقادات لاذعة، كون مُجتمعنا مُتقيداً بعادات وتقاليد وإن لم تعد تنفع في زماننا هذا، إلا أن الخصوصية لا تكون ضمنَ أولوياتها، من مُنطلق لا أسرار بين الأزواج، الأمر الذي قد يتحول إلى مَشاكل، تؤدي إلى الانفصال، تحت بند (عدم التفاهُم)، إلا أن السبب الحقيقي هو عدم احترام خصوصية الطرف الآخر، فمثلاً الزوجة لديها اهتمامات بقرأة القِصص البوليسية أو الأدب القديم، وزوجها لم يُكن يعلم بمثل هكذا هوايات، وبالصدفة اكتشف ذلك، وبفطرة الفضول البشري سيُحاول التعرف أكثر إلى هذهِ الكُتب، فإن شجعها أو حاول على الأقل معرفة المواضيع المقروءة ولو بشكل سطحي، فإن هذا الفضول سيُعتبر إيجابياً، أما إذا تهكم أو استهزأ بِهذا الأمر، فإنه لم يكتفِ بانتهاك الخصوصية فحسب، بل صنعَ فُضولاً سلبياً، سينتُج عنهُ فوارق فكرية بينهم، ونحن كمجتمعٍ شرقي غالبيتهُ للأسف لا تتقبل امرأة ذاتِ طموحٍ أو لديها مشاريع وأفكارٌ مُستقبلية، وإن كانت بسيطة، وهذا واقعُ حالٍ.
أو قد تكون الخصوصية جماعية، ومثال ذلك على سبيل الذكر وليس الحَصر، (نادي النساء للكتاب)، و(ليلة الرجال للبوكر)، و(التجمعات الخاصة بمحبي بالأنيميشن)، وكذلك فقرة الرقص بأنواعه لدى النِساء، والذي بات يحتل مساحة كبيرة اليوم في مجتمعنا الشرقي، خاصة في ظل الانفتاح الذي شهدتهُ السنوات الأخيرة، ومواقع التواصل الاجتماعي، وغيرها، وبالتأكيد فإن مُعظمها تعتمدُ بالأساسِ على الأجواء الخاصة والمشاركة مع أشخاصٍ يتبنون نفس الميولِ والتطلعات، بمعزلٍ عن عامة الناس.
حيث يتباين البشر في تقبُل أو عدم تقبُل البوح بخُصوصياتهم، ويبقى هذا الأمر متروكاً للشخص نفسه، ولتركيبة شخصيته، فقد يكون الموضوع حساساً جداً لبعض الناس، وقد يترتب عليه تبعاتٍ نفسية وآلام، الأمر الذي قد يصل إلى حد الاكتئاب، ومن ثم الانتحار في بعض الحالات.
وبمجمل ما تقدم، فإن الخصوصية هي حرية شخصية بحتة، يجب على الآخرين احترامها مهما كانت بسيطة أو سطحية بالنسبة إليهم، لأنها قد تعني الكثير لأصحابها، وهنا بالتأكيد فإن الأذواق المختلفة للبشر سَتلعبُ دوراً مهماً في هذا الأمر، من مُنطلق "لولا الأذواق لبارت السلع!".
ولكن ماذا لو تحول الفضول إلى تدخلٍ سافر في حياة الآخرين، في محاولةٍ لتغيير وجهات النظر إلى وجهاتٍ أُحادية، ذات طابعٍ تقليدي، سائد في المجتمع، بغض النظر عن مدى تقبُل أو رفض الطرف الآخر لهذا (التعدي)، فإنهُ بالتأكيد سيتحول إلى (فضولٍ سلبي)، وهنا سيبرز عاملٌ مهم إلا وهو عدمِ احترام حُرية الآخرين البحتة (خُصوصيتهم)، والذي سينعكس عنهُ رد فعل غير متوقع.
ولو تمعنا بالأمر لوجدنا أن أغلب المُجتمعات، تُقدس وتحترم حُريات الناس الشخصية من خلال الالتزام بالقوانين والأعراف الخاصة بهذا الأمر، والتي تضمن وتصون خصوصيات الناس، الأمر الذي سينعكسُ إيجاباً على حياة البشر ويكون التركيز على المنجزات لا غير، (بعيداً عن التطلعات والميول)، والتي تعتبر حقاً شخصياً لكل إنسان.
والجديرُ بالذكر، فإن الشرق الأوسط على وجهِ الخُصوص، يتربعُ على عرشِ عدم إحترام خصوصيات الناس لبعضها، الأمر الذي يُعتبر أشبه بتقليد فلكلوري.
فنجدَ الجميع يتدخل بحياة الاخرين، ولا يكتفي بذلك بل يُصر على أن تنتهج آراؤه والتي تعتبر من المُسلمات التقليدية، ولو تمعنا بحياة كل فرد منهم، لتبينَ أنه يفعل الأمر عينه، أو يتمنى ذلك بداخله، لكنه يُعطي الحق لنفسه في كسر حواجز خُصوصيات الآخرين من مُنطلق خوفه من أن يقعوا بالخطأ أو يصيبهم مكروه، مُجرداً المقابل من حُريته في التعبير عن نفسه وإلغاء دورهُ الطبيعي في الحياة، وإعطائه دور (المستقبل-المنفذ) فقط.
وإن مثل هذه التدخلات غير المُبررة، بخُصوصيات الناس، هي أحد أهم أسباب المشاكل الاجتماعية بعد (المخدرات)، التي يعاني منها المجتمع الشرقي اليوم، ولكن الأهم هو تحديد أسباب هذه الظاهرة السلبية وكيفية الحد منها، لأن علِاجها سيحتاج إلى وقتٍ كبير، وفي ما يلي أهم الأسباب:
1) عقدة الفهم/ أغلب الناس تعيش شعور الفاهم والناصح بكل شيء، والبدء بعلاجها يتم من خلال بث ثقافة "لكل امرئ دور في الحياة".
2) الرأي/ معظم الناس يتخوفون من عدم إبداء رأي مهماً كان بسيط، فهذا يدل على العزلة أو الانطوائية عن العالم، والعكس هو الصحيح.
3) عادات وتقاليد قديمة/ إن التشبث بهذه القيم التي لا تستطيع مُواكبة التطورات الحاصلة من شأنها "زادت الطين بلة"، خاصة لدى الاشخاص الذين لا يريدون تطوير حياتهم، على اعتبار أن التطور قد يجرفهم عن المسار الذي رسم لهم من قبل المجتمع الذي ولدوا فيه.
4) ثقافة التقليد الأعمى/ رغم ما نشهده اليوم من تطور تكنولوجي، ومواقع التواصل الاجتماعي، إلا أن وسائل الاستخدام الأمثل غائبة تماماً، وتسود محلها ثقافة التشهير والفضائح والتحريض، لدرجة أصبحت تدعى بـ (وسائل التنافر الاجتماعي).
5) التناقض/ المجتمع الشرقي رغم طبيعة مظهرهِ الذي يوحي بالتحفظ، إلا أنه يُشجع على التدخلات في حياة الناس العامة والخاصة، تحت ذريعة "الناس لبعضها"، والطريف عندما تحتاج إليهم فعلاً وقت الضيق فلن تجد أحداً.
6) الخُصوصية/ وهي النقطة الأبرز، ولأننا في مجتمعٍ شرقي، لعل أبرز الطرق التي يمكن سلكها هو (لستَ مُجبراً لِمشاركة كل أخبارك الشخصية)، وهذا هو الأهم كونه يمثل بداية العلاج للحد من هذه الظاهرة، فالحد من المشاركة يقلل وطء هذه الظاهرة، ويُشجع على ثقافة احترام الخُصوصية الشخصية للناس، على اعتبار أنها تُمثلهم هم فقط، ولا تمثل كل المُجتمع، وهو الأهم.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.