انتهى العام الماضي بالنسبة للظهير الدولي الجزائري يوسف عطال ببعض التكريمات الرمزية التي تؤكد المستوى الكبير الذي بلغه ابن بلدة "مشتراس" الصغيرة في مشواره الرياضي المليء بالأحداث المثيرة والمفرحة والحزينة، والتي تسبب البعض منها في كبح انطلاقته الكبيرة نحو النجومية العالمية، وتحديداً الإصابة الخطيرة التي يعاني منها حالياً، والتي يمكن القول إنها حرمته من الانضمام خلال "الميركاتو" الشتوي الجاري إلى أحد عمالقة أوروبا.
مجلة "فرانس فوتبول" الفرنسية ضمت الجزائري يوسف عطال ضمن التشكيلة الإفريقية المثالية لعام 2019، رفقة مواطنيه رياض محرز وإسماعيل بن ناصر وعيسى ماندي، والمصري محمد صلاح والسنغاليين ساديو ماني وخاليدو كوليبالي، والمغربيين أشرف حكيمي وحكيم زياش، والحارس الكاميروني أندريه أونانا والنيجيري ويلفرد نديدي.
وجاء هذا الاعتراف من المجلة الشهيرة تجاه عطال، بعد أيامٍ قليلة فقط من اختيار الظهير الأيمن لنادي نيس، ضمن التشكيل المثالي للدوري الفرنسي لكرة القدم لسنة 2019، من طرف صحيفة "ليكيب" الرياضية، رفقة 6 نجوم من نادي باريس سان جيرمان، هم: نيمار ومبابي ودي ماريا وفيراتي وبيرنات، وتياغو سيلفا و 4 لاعبين من أندية أخرى.
وقبل أن نصل إلى ما فعله عطال في العام الماضي، دعونا نتطرق ولو باختصار للمسار الكروي للاعب الشاب، ونتعرف من خلاله على الصعوبات التي واجهها في طريق بحثه عن النجاح.
الحفر في جبال القبائل الكبرى
وُلد يوسف عطال يوم 17 مايو/أيار 1996 ببلدة بوغني بمدينة تيزي وزو بجبال القبائل الكبرى الجزائرية. وقد بدأ ممارسة رياضة كرة القدم ضمن مدرسة نادي شباب بلوزداد بالجزائر العاصمة سنة 2006، قبل أن يلتحق في عام 2008 بفريق الأصاغر لنادي شبيبة القبائل.
وتدرج عطال ضمن جميع الفئات الصغرى للنادي القبائلي التابع لمدينة تيزي وزو، الواقعة على بُعد 100 كلم شرق العاصمة الجزائرية، قبل أن يغادر في عام 2014 نحو نادي بارادو المشهور بقوة أكاديميته الكروية التي أصبحت مقصداً للفرق الأوروبية الباحثة عن نجوم صغار.
لم يكن يرغب عطال في مغادرة النادي الذي يناصره منذ الصغر، ونعني به شبيبة القبائل، ولكنه رحل عنه مكرهاً بعدما تعب هو ووالده من مشقة السفر يومياً من بلدة مشتراس إلى تيزي وزو، إذ كثيراً ما كان يضطر للغياب عن تدريبات الفريق عندما تنقطع به الطريق بسبب التساقط الكثيف للثلوج.
وقد طلب والد يوسف من مسؤولي نادي شبيبة القبائل توفير مبيت لابنه بمدينة تيزي وزو لتفادي تلك المشقة، لكن دون أن يجد آذاناً صاغية، هنا دخلت إدارة نادي بارادو بالجزائر العاصمة على الخط، ولبوا بكل سرور ذلك الطلب البسيط وضموا عطال لأكاديمية النادي في صيف 2014 ثم للفريق الأول في موسم 2015- 2016.
وفي شهر مايو/أيار 2017، قام يوسف عطال بتجارب فنية ضمن ناديي ريال بيتيس وديبورتيفو لاكورونيا الاسبانيين قصد الانضمام لأحدهما في صيف نفس العام، وقد نال إعجاب مسؤولي نادي ريال بيتيس الذين كانوا يرغبون في ضمه. لكن للأسف تعرض عطال لإصابة على مستوى الكتف جعلتهم يتراجعون عن تلك فكرة إتمام التعاقد معه؛ لأنها ستحرمه من التواجد مع الفريق في الموسم التحضيري.
بلجيكا بوابة الاحتراف الأوروبي
بعد تعافيه من الإصابة، اكتفى عطال بالاحتراف ضمن دوري أوروبي من المستوى المتوسط حيث انضم، في منتصف شهر آب/ أغسطس عام 2017، لنادي كورتريه البلجيكي على سبيل الإعارة لموسمٍ واحدٍ مع بند أحقية الشراء.
لكن موسمه الأول بأوروبا كان متواضعاً وصعباً بسبب معاناته من تعدد الإصابات، ما جعله يكتفي بالمشاركة في 10 مباريات رسمية فقط رفقة ناديه الجديد، 6 فقط منها بدأها كأساسي.
ولم يمنع الظهور القليل ليوسف عطال مع كورتريه مسؤولي النادي البلجيكي من تفعيل بند شراء العقد مقابل مليون يورو في صيف 2018 ثم بيعه قبل بداية الموسم الجديد 2018-2019 لنادي نيس الفرنسي مقابل 3 ملايين يورو.
في فرنسا، انفجر النجم الجزائري مع
نيس حيث شارك في 30 مباراة رسمية، في الموسم الماضي، سجل خلالها 6 أهداف، وصنع
هدفاً واحداً. وكان أحد أبرز نجوم نيس دفاعاً وهجوماً. لترتفع قيمته السوقية من 3
ملايين يورو إلى 25 مليون يورو.
وفي هذا الموسم، خاض 14 لقاء، سجل فيها هدفاً
واحداً، قبل أن يتعرض لإصابة خطيرة على مستوى غضروف الركبة اليمنى خلال مباراة
مواجهة نادي ميتز يوم 7 ديسمبر/كانون الأول الماضي، لحساب الجولة الـ17 من
الدوري الفرنسي، ما تطلب إجراء عملية جراحية ستبعده عن الملاعب لمدة طويلة تتراوح
ما بين 3 و5 أشهر.
لعنة الإصابات
يبدو أنّ هذه الإصابة قد جاءت لتوقف أو تؤجل دخول عطال في منعرج حاسم في مساره الاحترافي، حيث تعرض لها في وقت كان يستعد فيه لحزم أمتعته للرحيل عن فرنسا نحو دوري من مستوى أعلى.
ففي الوقت الذي كان يتألق فيه عطال من جولة لأخرى منذ انطلاق الموسم الجاري، كانت العديد من التقارير تشير لدخول النجم الجزائري دائرة اهتمامات بعض الأندية الأوروبية الكبيرة، على غرار أندية أتلتيكو مدريد الإسباني وتشيلسي وتوتنهام الإنجليزيين التي كانت ترغب في ضمه خلال "الميركاتو" الشتوي الحالي، قبل أن تتراجع بسبب الإصابة الخطيرة التي تعرض لها مؤخراً. ولكنها قد تُعيد فتح ملف اللاعب الواعد خلال فترة الانتقالات الصيفية القادمة، شأنها في ذلك شأن أندية أخرى كانت تفكر منذ البداية لضمه في الصيف بدل الشتاء، كريال مدريد الإسباني وبايرن ميونيخ الألماني.
أسرع لاعب في الدوري الفرنسي
من المؤكد أنّ العديد من القراء الذين لا يعرفون جيداً يوسف عطال ولم يشاهدوا الكثير من مبارياته يتساءلون الآن عن السبب الذي يدفع هذه الأندية العملاقة للتفكير في ضمه لصفوفها.
ويمكن الإجابة عن هذه الأسئلة بالقول إنّ هذا الشاب يُجيد اللعب بقدميه اليمنى واليسرى، كما يمكنه اللعب كظهير وكجناح أيضاً، و هو بارع في قيادة الهجمات المعاكسة بفضل سرعته الكبيرة ومراوغاته المميزة.
وبالحديث عن السرعة، وعلى الرغم من أنّ الدوري الفرنسي ينشط فيه النجم كيليان مبابي، مهاجم نادي باريس سان جيرمان الذي يعتبر أحد أسرع اللاعبين في العالم، فإنّ عطال يعتبر إلى غاية إعداد هذا المقال أسرع لاعب في فرنسا في الموسم الجاري بحسب إحصائيات الرابطة الفرنسية المحترفة لكرة القدم، بحيث بلغت سرعة الظهير الجزائري 36.6 كلم في الساعة خلال إحدى لقطاته الهجومية لمباراة فريقه نيس وموناكو يوم 24 سبتمبر/أيلول الماضي، لحساب الجولة السابعة من الدوري.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.