صحيح أن مسيرته لم تكن حافلة بما يتماشى مع حجم موهبته للعديد من الأسباب، يدخل في ذلك الظروف النفسية المحيطة باللاعب، وعدم حصوله على فرصة الاحتراف في أوروبا، كون التسيير الرياضي في المغرب لا يُبنى على أسس علمية للاعبين، وغالبية الفرق تعمل بسياسة الاستهلاك لا صناعة موهبة حقيقية.
هذه السياسة هي نفسها التي تحرم العديد من اللاعبين من الخروج من عالم المحلية إلى آفاق العالمية، بحثاً عن فرصة لترصيع أسمائهم وكتابتها في كتاب المجد الكروي، وهي نفسها التي تحرم آخرين ممن يلعبون الكرة في الأحياء والأزقة من فرصة لتطوير موهبتهم واحتراف الكرة؛ لأن الفرص معدومة في بلادنا أغلب الوقت وفي جميع المجالات. وكرة القدم هي أحد القطاعات المهمشة المنسية، التي يلعب فيها الحظ دوراً كبيراً، إضافة إلى عشوائيتها نظاماً وتسييراً وتخطيطاً ومنهجاً.
صحيح أن محسن متولي لم ينجُ من كل ذلك، لكن مهارته وموهبته الفذة أكبر وأقوى من أن تطمسها المنظومة الكروية المهلهلة. متولي من اللاعبين النادرين في الدوريات العربية، أو ممن ترعرت أرجلهم في البلاد العربية، من حيث جودة الموهبة في لعب الكرة، والذكاء الحاد في تأدية مهام تكتيكية عديدة. متولي قادر على اللعب في جميع مراكز خط الوسط والهجوم بحرفية كبيرة، يعرف جيداً كيف يستغل المهارة في المرور من الدفاع، وفتح الثغرة ضد أي خصم.
مع سرعة عالية، وتطبيق ذي علامة مسجلة، وامتياز في حيازة الكرة، والحفاظ عليها في المساحات الضيقة، مع مساندة مستمرة لزملائه في الدفاع. أضف إلى كل ما ذكر الأعصاب الباردة والحديدية في التعامل مع اللحظات العصيبة والخبرة التي اكتسبها على مر السنين.
يمكننا أن نعيب على محسن في أوقات متفرقة سوء اتخاذ القرار، أو الاحتفاظ المبالغ بالكرة، مع عدم حسن تدبير لحظات من المباريات، لكن هذا لا يُلغي محاسن متولي، فهو من الألماسات النادرة في الكرة العربية، يقدم متعة كصانع فرجة على طريقة التانغو أو السامبا، يصاحب الإيقاع دون نشاز، ويختم السيمفونية بسحر مذهل.
يبقى متولي أيقونة نادي الرجاء المغربي أحد القلائل الذين يشدّون أنظار الجمهور العربي إليهم دائماً.
فما قدمه في كأس العالم للأندية عندما وصل بالرجاء إلى النهائي أمام العملاق البافاري لا يُنسى.
وفي واحد من أفضل الديربيات في تاريخ الكرة المغربية، إن لم يكن الأفضل على الإطلاق، نجح محسن متولي في أن يفرض نفسه نجماً فوق العادة بعدما قاد الرجاء لريمونتادا تاريخية أمام الوداد ليتأهل إلى ربع نهائي كأس محمد السادس للأندية الأبطال.
يومها انفجر متولي ورد على كل المنتقدين لعودته إلى بيته الرجاوي مرة أخرى. وأعلن نفسه نجماً للمباراة دون منازع بعدما سجَّل هدفين وحصل على ركلة جزاء ومرر تمريرتين حاسمتين.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.