في سبتمبر/أيلول 2015، ظهر مرشح الرئاسة عن الحزب الجمهوري دونالد ترامب ضيفاً على البرنامج الإذاعي الذي يقدمه النجم الإعلامي هيو هيويت للحديث عن السياسة الخارجية الأمريكية.
وكان أحد الأسئلة التي وجهها هيويت لقطب تجارة العقارات هو: "هل تعرف مَن هو الجنرال سليماني؟".
بسرعة فائقة أجاب ترامب: "نعم"، قبل أن يتردد، ويستدرك: "واصل الحديث، أخبرني القليل عنه".
حين قال هيويت لترامب: "إنَّ سليماني يدير فيلق القدس"، رد ترامب: "أعتقد أنَّنا أسأنا معاملة الأكراد على نحوٍ فظيع".
فقاطعه هيويت: "لا، لستُ (أقصد) الأكراد، بل فيلق القدس. الحرس الثوري الإيراني، فيلق القدس، الرجال الأشرار".
فرد ترامب المرتبك: "اعتقدتُ أنَّك قلت الأكراد".
خلط رئيس الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب بين فيلق القدس، أرفع وحدة عسكرية بالجيش الإيراني التي كان يقودها آنذاك الجنرال قاسم سليماني، وبين الأكراد.
دعونا الآن نتقدم بالزمن سريعاً 4 سنوات وأربعة أشهر وصولاً إلى يوم 2 يناير/كانون الثاني 2020، حين أصدر الرئيس ترامب قرار اغتيال سليماني من ملعب الغولف الخاص به. ففي بيانٍ أخطأ في اسم المنظمة التي كان الجنرال سليماني مسؤولاً عنها، قالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) إنَّ الضربة كانت "تهدف لردع خطط انتقامية إيرانية مستقبلية".
لكنَّ هذا ليس مقالاً يتناول نتائج اغتيال الحكومة الأمريكية لثاني أقوى رجل في إيران، ودعوني أفسد المفاجأة لكم: ستكون النتائج وخيمة على الجميع. ولن يتناول المقال مشروعية اغتيال مسؤول أجنبي على أرض أجنبية، ودعوني أفسد لكم المفاجأة ثانيةً: من الصعب تبرير مشروعية هذا الاغتيال.
هذا المقال هو فرصة للتعبير عن دهشتي المتجددة من كون دونالد ترامب هو رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وحيرتي المستمرة من عالمٍ يسمح لنجم تلفزيوني جاهل ومطور عقارات معتوه بأن يشعل فتيل حرب عالمية ثالثة. الرجل الذي لا يعرف شيئاً ولا خلفية له تماماً عن الشؤون الخارجية أو مفاهيم الأمن القومي قد يقود العالم إلى مصير مخيف بقرار أصدره من ملعب الغولف الخاص به.
سأسمح لنفسي في هذا المقال بمراجعة ما لطالما اعتبرتُه أكثر تصور مخطئ عن سباق الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016، وهو أنَّ "دونالد من الحمائم، وهيلاري من الصقور". أي أن ترامب رجل مفاوضات وتفاهمات، بينما هيلاري سيدة حرب قاسية.
كان هذا هو العنوان السخيف لمقال كتبته ماورين داود بصحيفة The New York Times الأمريكية في أبريل/نيسان 2016، زعمت فيه خطأً أنَّ ترامب كان قد عارض حرب العراق "مثل أوباما"، ثُمَّ أشارت بسذاجة إلى أنَّ ترامب، على النقيض من كلينتون، "سيُفضِّل اتباع مهارة إبرام الصفقات بدلاً من استراتيجية الصدمة والترويع".
لكن، وياللدهشة انسحب ترامب من الاتفاق النووي التاريخي مع إيران بعد أقل من 18 شهراً من توليه الرئاسة. ولجأ إلى سياسة "الضغط الأقصى" ضد طهران، وهي السياسة التي دفعت الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية إلى حافة الحرب حتى قبل اغتيال قاسم سليماني.
كانت داود مخطئةً تماماً وكلياً وعلى نحوٍ مثير للإحراج، تماماً مثلما حاول بعضنا توضيحه في حينه. لكن لم يقتصر الأمر عليها. فالكثيرون من مختلف ألوان الطيف السياسي اقتنعوا، بحماقة، بالفرضية المضحكة التي مفادها أنَّ ترامب سيكون من الحمائم بصورةٍ ما، وأنَّه سيكون معارضاً للسياسات التدخّلية في شؤون الغير وانعزالياً لا يتدخل فيما لا يعنيه ولا يقحم أمريكا في معارك لا ناقة لها فيها ولا جمل.
ويواصل الكثيرون من زملائي في الإعلام الدفع بهذا الرأي المضلل. متناسين قصف ترامب سوريا مرتين، وإحالته مدينتي الموصل والرقة ركاماً، واستخدامه حق النقض (الفيتو) ضد محاولة من الكونغرس لإنهاء المشاركة الأمريكية في الحرب السعودية على اليمن، وشهد عهده زيادة بخمسة أضعاف في ضربات الطائرات دون طيار في عموم المنطقة وخارجها. مع هذا، كانت صحيفة عريقة مثل الـ The New York Times مُصِرّة على الإشارة بصورة غريبة إلى "إحجام الرئيس عن استخدام القوة في الشرق الأوسط"!
لم يمضِ، بطبيعة الحال، زمنٌ طويل على هذه الإشارة. فبعد أقل من 72 ساعة، لقي قائد فيلق القدس ونائب رئيس الميليشيات المدعومة إيرانياً في العراق مصرعهما. وقد قُتِلا من خلال قصف طائرة دون طيار.
أعلنت الولايات المتحدة الآن عملياً الحرب على إيران. هذه لم تعد حرباً "باردة" أو حرب "ظل". لكن القائد الأعلى للجيش الأمريكي، دونالد ترامب، وبينما يستعد جيشه لصراعٍ مفتوح مع طهران، اتهم رئيس الوزراء الكندي بحذف لقطاته من نسخة تلفزيونية كندية من فيلم Home Alone 2. وهو الرجل الذي يعيد التغريد بانتظام لتغريدات تروج لنظرية المؤامرة ضده وفضيحة "بيتزا غيت"، ويعيد التغريد من حسابات القوميين البيض على تويتر، وهو الرجل الذي يعتقد أنَّ أوكرانيا تحوز أحد خوادم شبكة الإنترنت الخاص باللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي غير الموجود أساساً، والرجل الذي يعتقد أنَّ تغيُّر المناخ هو شائعة صينية، والرجل الذي يريد استخدام الأسلحة النووية لوقف الأعاصير، والرجل المستعد لاستخدام قلم شاربي لتعديل خريطة حكومية رسمية لإثبات أنَّه كان محقاً بشأن الطقس، في حين أنَّه كان في الحقيقة مخطئاً كلياً بخصوص كليهما.
المؤسف في الأمر أن الموقف الحالي الذي وضع ترامب العالم فيه كان يمكن تفاديه عندما أُدخِل تعديلان على "قانون إقرار الدفاع الوطني" لعام 2020 في مجلس النواب الأمريكي الأول يختص بمنع أي تمويل لأي عمل عسكري ضد إيران دون موافقة الكونغرس، والتعديل الثاني مختص بإلغاء قانون "تفويض استخدام القوة العسكرية" لعام 2001. لكنَّ كلا التعديلين حُذِفا من النسخة النهائية لقانون إقرار الدفاع الوطني التي مررها مجلسا النواب والشيوخ، وبموافقة أعضاء ديمقراطيين منتخبين في كلا المجلسين.
العار على أولئك الديمقراطيين.
وليساعد الرب بقيتنا.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.