زل قلمي أول الأمر عندما هَممتُ باختيار اسم المقال فكان "القضية الفلسطينية وإسرائيل في الدعاية الانتخابية العربية والأمريكية" بدلاً مِن اسم المقال الحالي "القضية الفلسطينية والكيان الصهيوني في الدعاية الانتخابية العربية والأمريكية".
فذكرتُ كلمة إسرائيل بدلاً من الكيان الصهيوني المُغتصِب، ولكن عُدتُ أدراجي سريعاً، وقلتُ لنفسي اِهدأ فقط ارتديت لِباس الدبلوماسية الدولية المشؤومة التي تعترف بالكيان الصهيوني كدولة لها شرعية دولية لا أكثر… فعدت وقلتُ لا إنها زلة قلم، ولكن والله وددتُ أن تُقطع يدي في حين غفلةٍ مني عقاباً لجُرمي على أن اُبرر لنفسي وأقول إنها الدبلوماسية الدولية.
فنحن الشعوب العربية الحرة التي ما فتِئت أنظِمتُها العميلة بالإسراع إلى التطبيع في السر والعلانية والاعتراف بِها على أنها إسرائيل – المزعومة.
نحن الشعوب العربية التي لا تعترف بالعدو الصهيوني كدولة، بل كيان غاصب نؤمن بأنه في يومٍ ما إلى زوالٍ.
نحن الأقلام الحُرة التي تُعري هذه الأنظمة الخائنة لا التي تُزل أقلامها، بل الأقلام التي رسمت حدوداً خارجية للوطن العربي كله وتجاهلت الحدود الداخلية بين دولِنا العربية، فكانت أشبه بالحدود بين المُحافظات أو الولايات أو المدن أو حتى أقاليم نفس الدولة، فأشرق الوطن العربي كدولة عظمى من حيث الجغرافيا والناتج المحلي والثروات الطبيعية والبشرية وحتى القوة العسكرية.
الكيان الصهيوني في الدعاية الانتخابية الأمريكية
في مُستهل انتخابات رئيس الولايات المتحدة الأمريكية يتسارع ويتسابق مُرشحو الرئاسة الأمريكية في برامِجهُم الانتخابية وهو من سيقدم أكبر دعم إلى الكيان الصهيوني على حساب دولتنا الفلسطينية، بل ويصل الأمر إلى حد الاتهام بالخيانة والتشكيك في الولاء للدولة الإسرائيلية – المزعومة – بين المرشحين الأمريكان حتى يحرجوا بعضهم البعض، وتقليل فُرص خصومهم، حيث التأييد للحملات الانتخابية من قِبل جماعات الضغط اليهودية واللوبي الصهيوني المُسيطر على مفاصل الإعلام والاقتصاد الأمريكي.
فبداية من رئيس أمريكا رقم 33 وهو هارت ترومان حتى رئيس أمريكا رقم 45 وهو دونالد ترامب تاريخ طويل من التواطؤ الأمريكي مع الكيان الصهيوني.
رئيس الولايات المتحدة رقم 33
إنه ترومان الذي تمت مُمارسة ضغط شديد عليه من قبل اللوبي الصهيوني، كما اعتبر أن دعم قيام دولة الكيان سيمكنه من الفوز بولاية رئاسية ثانية بعد أن تولى منصب الرئاسة أول مرة بعد وفاة الرئيس فرانكلين روزفلت عام 1945.
رئيس الولايات المتحدة رقم 34
تولى دوايت أيزنهاور الرئاسة الأمريكية خلفاً لترومان الذي عين فوستر دالاس وزيرًا لخارجيته والذي بدوره كان حريصاً على تحصيل دعم الحزب الجمهوري لإنشاء دولة كومنولث في فلسطين، وأيضاً في حماية الحقوق السياسية اليهودية.
رؤساء الولايات المتحدة رقم 35 : 37
وهما كينيدي وجونسون ونيكسون
أخذت العلاقة بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني منعطفات عدة بداية من عهد كينيدي، سيقول البعض استثنِ كينيدي من هذا فهو أول رئيس الأمريكي دعم حق العودة للاجئين، كما هو موضح في الفقرة 11 من قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 الصادر عام 1948.
ولكن في عهده شهدت العلاقات الأمريكية والكيان الصهيوني نمواً إيجابياً كبيراً كما لو أنه الصديق الوفي الوحيد للكيان فهو صاحب مقولة "صداقة إسرائيل ليست مسألة حزبية، بل هي التزام وطني".
نأتي لعهد جونسون الذي لا يختلف شيء عن سابقه كينيدي بل كان أقل دعماً لحقوق الشعب الفلسطيني فخّفضَ طموحات الشعب الفلسطيني من دعم حق العودة إلى إعادة توطين عرب فلسطين دون الحديث عن حق العودة.
ومروراً بسجل حافل من التواطؤ في عهد فورد وكارتر وريغان وبوش الأب وكلينتون وبوش الابن وأوباما.
ووصولاً إلى رئيس الولايات المتحدة رقم 45
وهو السيد دونالد ترامب الذي تعامل مع الأراضي الفلسطينية مُعاملة بريطانيا أثناء إصدار وعد بولفور عام ١٩١٧، وعد من لا يملك لمن لا يستحق، فنقل السفارة الأمريكية من الأراضي الفلسطينية المحتلة – تل أبيب – إلى القدس.
واعترف بمشروعية الاستيطان الصهيوني الذي هو في القوانين الدولية -الاستيطان- جريمة حرب.
ولو كان الاستيطان ليس حديث العهد لكنه لم يكن لهُ مشروعية دولية ولا دعم دولي.
لكن بقيادة ترامب أمريكا بمفردها مُحلقة خارج السرب ضاربةً بالقرارات والقوانين الدولية عرض الحائط فاعترفت بمشروعية الاستيطان.
ولو خرجنا الآن عن اثنين وهما الموضوع وفلسطين وحركنا البوصلة ناحية سوريا حيث مُرتفعات الجولان السورية فأيضاً اعترفت بهم أمريكا في عهد ترامب على أنهم خاضعون بشكل شرعي للاحتلال الصهيوني، لأنها تمثل عمقاً استراتيجياً للكيان الصهيوني.
القضية الفلسطينية في دعاية الانتخابات العربية
منذ إدراكي للواقع العربي لم أر رئيساً عربياً يولي القضية الفلسطينية اهتماماً في برامجه الانتخابية!
ولكن من سخرية القدر أني وُلِدت وحسني مبارك رئيساً لمصر وعلمت أن جدي الأول وأبي عاصروه وعلي عبدالله صالح رئيساً ليمننا السعيد والقذافي رئيساً لليبيا الأحرار وزين العابدين بن علي رئيساً لتونسنا الخضراء وبوتوفليقة رئيساً لجزائر الشهداء وكل هؤلاء عاصرهم الجدود والأولاد والأحفاد، فكيف لهم أن يكون لهم برنامج انتخابي واقعي يتم تنفيذه؟ وبجانب هذا كله يبوحون بعداء الكيان في برامجهم الانتخابية!
لكنه "الشو الإعلامي" والمسرحية الهزلية المعهودة، طالما هناك برنامج انتخابي فدولتنا ديمقراطية، لكن جاءت ثورات الربيع العربي وأطاحت بكل هؤلاء الطواغيت الذين تآمروا على شعوبهم الأبية.
وحتى نُنصِف ونرى الأمل فالوحيدون والأوائل الذين صدحوا باسم فلسطين عالياً في الآفاق.
فالرئيس المصري الراحل الدكتور محمد مرسي طيب الله ثراه أول من دعم القضية الفلسطينية في برنامجهِ الانتخابي للرئاسة المصرية، بذل كافة الجهود للوصول إلى حل جذري وعادل للقضية الفلسطينية، يضمن لجميع الفلسطينيين داخل وخارج الأرض المحتلة حقهم في إقامة دولتهم وعاصمتها القدس، فبدون خوف من ضغط الكيان وأحلافه قد اعترف قبل تولي شؤون الرئاسة المصرية في برنامجهِ الانتخابي بأن الأرض الفلسطينية محتلة وإخواننا عرب فلسطين لهم الحق في إعلان الدولة الفلسطينية وعاصمتها بشكل مُطلق وغير قابل للتأويل القدس كُلها ليست الشرقية أو حتى الغربية.
وبعد نجاحه في السباق الرئاسي فتح معبر رفح بشكل شبه دائم وأثناء فترة ولايته القصيرة حدث العدوان الصهيوني على غزة فكان أول من ندد وانتفض، وقال: لبيكِ يا غزة، لبيكِ يا كل فلسطين، إلخ الخطاب الناري على مرأى ومسمع من العدو الصهيوني الغاصِب.
وفي فترة ولايته أيضاً أرسل رئيس مجلس الوزراء المصري الدكتور هشام قنديل إلى قطاع غزة وكان حدثاً جللاً، حيث إنها كانت أول وأكبر زيارة لمسؤول مصري رفيع المستوى إلى القطاع ولو كانت بتنسيق مع واشنطن لوقف العدوان، لكنها أجرأ خطوة عربية سواء دولة بثقل مصر ومسؤول كبير بمركز رئيس الوزراء المصري.
وأيضاً المُرشح المصري السابق لانتخابات رئاسة الجمهورية عام ٢٠١٢ – انتخابات ما بعد ثورة يناير – السياسي المصري حازم صلاح أبوإسماعيل الذي ما ترك مناسبة إلا وتغنى باسم فلسطين.
وأيضاً المرشح المصري السابق لانتخابات رئاسة الجمهورية بعد الثورة الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، حيث تصريحاته الكثيرة ودعمه سراً وعلانية للشعب الفلسطيني بدون تهاون سواء دعوته لكسر الحصار عام ٢٠١٢ أو دعوته لفتح معبر رفح بين مصر وقطاع غزة.
نذهب لتونس الخضراء، حيث الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي الذي ما ترك محفلاً دولياً إلا وشهر بالكيان الصهيوني ولا ترك منبراً رئاسياً إلا وأعلن عداوتهِ لجرائمهم بحق الشعب الفلسطيني.
وآخر الرؤساء هو السيد الرئيس المنتخب قيس سعيد الذي سيطرت القضية الفلسطينية على خطاب فوزه الرئاسي وأخذت نصيب الأسد من حديثه.
فماذا يحدث الآن بعد هؤلاء الصناديد الذين وقفوا في وجه الكيان الصهيوني بكل معاني العروبة والأخوة والدين؟
إنه الواقع العربي المرير الذي تتسابق فيه مصر ودول الخليج وخاصةً ثلاثي الشر – السعودية والإمارات والبحرين- على التطبيع مع الكيان الصهيوني المحتل.
ففي مصر تتحول القضية الفلسطينية من قضية محورية لقضية ثانوية يتحاشى الشعب الحديث عنها حتى لا تنهال الاتهامات بقضايا إرهابية.
وأقرب مثال مُشجع مصري رفع علم فلسطين في مباراة كرة قدم تم اعتقاله وتوجيه له العديد من التهم!
ألهذا الحد وصل فُجر وتخاذل نظامنا الفاشي من التسلط علينا حتى في قضايا عربية بل ودينية مصيرية كهذه؟!
نعود لثلاثي محور الشر الخليجي الذين أضحوا يسبحون بحمد الاحتلال ويطوفون في فلكه ودعوات رسمية منهم وإلى الكيان الصهيوني.
بجانب إعلامهم المتواطئ الذين يشوهون ليلاً ونهاراً في القضية الفلسطينية ويلمعون الاحتلال.
والآن أما آن لنا أن تعود القضية الفلسطينية إلى سابِق عهدِها قضية العرب المحورية؟!
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.