أول عملية مخابراتية له كانت وهو ابن العشرين وحارب تجارة المخدرات بين تركيا وأفغانستان.. القائد قاسم سليماني لمن لا يعرفه

عربي بوست
تم النشر: 2020/01/03 الساعة 09:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/01/03 الساعة 09:54 بتوقيت غرينتش
قاسم سليماني

"انتقام إيران سيكون ساحقاً" هكذا ردت إيران صباح اليوم على مقتل الجنرال قاسم سليماني في غارة جوية أميركية قرب مطار بغداد الدولي، فيما تقرر عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن القومي الإيراني لبحث الرد المناسب. وتوعد خامنئي بانتقام يطال المجرمين "الذين لطخت أيديهم بدمائه(سليماني) ودماء الشهداء الآخرين".

الرجل الملقب بـ"الصقر الإيراني" أحد أهم جنرالات صقور الحرس الثوري ومن رجال المهمات الصعبة في إيران. ولد لأسرة بسيطة تشتغل بالفلاحة. اشتغل أولاً مع الشباب في منظمة المياة بالبلدة ثم وبعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران التحق بفيلق الحرس الثوري الإيراني. ثم تمت ترقيته ليصبح واحداً من بين عشرة قادة إيرانيين مهمين في الفرق الإيرانية العسكرية المنتشرة على الحدود.

في 22 سبتمبر/أيلول 1980، وبعد إطلاق الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988)، انضم سليماني إلى ساحة المعركة بصفته قائد شركة عسكرية، تتألف من رجال من كرمان الذين جمعهم ودربهم شخصياً. وسرعان ما حصل على سمعة الشجاعة، وارتقى من خلال الرتب بسبب دوره في العمليات الناجحة في استعادة الأراضي التي احتلها العراق وأصبح في نهاية المطاف قائد فرقة 41 ثار الله وهو فيلق محافظة كرمان في حين لا يزال في العشرينات من عمره، وكان يشارك في معظم العمليات الرئيسية. وكان عموماً متمركزاً في الجبهة الجنوبية وقد أصيب بجروح بالغة في عملية طريق القدس. في مقابلة أجريت في عام 1990، أشار إلى عملية الفتح المبين بأنها "أفضل" عملية شارك فيها و"لا تنسى جداً"، نظراً لصعوبتها بعد النتيجة الإيجابية. كما شارك في قيادة وتنظيم بعثات الحرب غير النظامية داخل العراق قام بها مقر رمضان. وعند هذه النقطة أقام السليماني علاقات مع القادة العراقيين الأكراد ومنظمة بدر الشيعية، وكلاهما عارضا الرئيس العراقي صدام حسين.

بعد الحرب، خلال التسعينيات، كان قائد الحرس الثوري الإسلامي في مقاطعة كرمان. وفي هذه المنطقة، القريبة نسبياً من أفغانستان، يسافر الأفيون الذي يزرع في أفغانستان إلى تركيا وإلى أوروبا. وتجربة سليماني العسكرية ساعدته على اكتساب سمعة كمقاتل ناجح ضد تهريب المخدرات. وفي 1998 تم تعيينه قائداً لقوة القدس في الحرس الثوري خلفاً لأحمد وحيدي وهي وحدة قوات خاصة للحرس الثوري الإيراني، ومسؤولة عن عمليات خارج الحدود الإقليمية. 

نسعد أم نقلق من الحرب القادمة؟ 

الأكيد أننا سعداء بهذه النهاية القاطعة والحاسمة لهذا التاريخ الأسود من الجرائم ضد شعبنا السوري.. سعداء لأننا لم ننس هذا الكم الهائل من الدعم والمساندة والتحريض لنظام الأسد على العنف الدموي ضد ثورتنا الطاهرة في سوريا، لم ننس تحالفه مع حزب الله اللبناني يداً في يد ومع ميليشيات عراقية في معارك سوريا كلها خاصة معركة القصير في محافظة حمص بسوريا، وأشرف عليها بنفسه وتمكن من استردادها من المعارضة في مايو/أيار 2013.

جريمة التغيير الديموغرافي في سوريا 

لم ننس إشرافه بنفسه على عدة معارك في ريفي اللاذقية وحلب، وآخرها معارك حلب التي أدت إلى تهجير قسري لمئات الآلاف من السوريين. لم ننس قيادته لعمليات تغيير ديمغرافي في حلب وسائر المحافظات السورية التي تدور فيها رحى الحرب.

أمر بترحيل الآلاف من السكان السوريين (السنّة) من بلدات في ريف دمشق (الزبداني ومضايا)، مقابل نقل الآلاف من السكان السوريين (الشيعة والعلويين) من بلدات في ريف إدلب (كفريا والفوعة) ضمن ما عُرف باتفاق "المدن الأربع"؛ فكان هذا الاتفاق أكبر وأخطر عملية تهجير وتغيير ديموغرافي واضح ومباشر وعلني تحدث في سورية في تاريخها.

كانت المعارضة السورية تُسيطر على بلدتي الزبداني ومضايا، ويقيم فيها 40 ألفاً من السكان المعارضين للنظام بشكل عام، فحاصرها النظام وميليشيات (حزب الله) اللبناني حصاراً قاسياً مدة ثلاث سنوات، بعد أن فشلا في اقتحامها، لصلابة المقاتلين المسلحين فيها، لأنهم بالأساس من سكانها ولا غرباء بينهم.

بالمقابل، كان النظام السوري يُسيطر على بلدتي كفريّا والفوعة في ريف إدلب، ويقيم فيها سكان (شيعة وعلويون) موالون بشكل مطلق، بينما حاصرتها فصائل معارضة مدة سنتين، بعد أن ترددت في اقتحام البلدتين نتيجة وساطات إقليمية، لأن دخول المعارضة لهذه البلدات سيؤدي إلى مجازر طائفية.

توصل النظام والمعارضة المسلحة، عبر وسطاء إيرانيين وخليجيين، إلى اتفاق يقضي بإخراج الناس من هذه القرى، وإخلائها من سكانها الأصليين، ليسيطر كل طرف على البلدات التي يحاصرها، وينتهي احتمال المجازر الطائفية من جهة، ولتصير المنطقة التي يسيطر عليها كل طرف "صديقة" له بالكامل.

لم يكن أمام السكان في مناطق المعارضة سوى الرضوخ، فالحصار كان خانقاً لدرجة لامس فيها حدود الموت البطيء، بينما زرع النظام في سكان مناطق الموالاة فكرة أن المعارضة ستبيدهم عرقياً إن بقوا، تلك الفكرة التي روّج لها النظام السوري كثيراً بين مؤيديه منذ بداية الثورة.

خلص تقرير معمَّق صدر عن (معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى) في ديسمبر/كانون الأول 2015، إلى أن التحركات السكانية الواسعة النطاق في سورية لم تكن مجرد نتيجة ثانوية أو عابرة للحرب، بل يعود كثير منها إلى استراتيجيات تطهير عرقي واعية تنفذها الأطراف كافة، ويعني ذلك أن التغيير الديموغرافي حدث في أكثر من اتجاه، منذ عدة سنوات، كانت بداياته في حمص أوائل 2012، وطال ما قام به الأكراد في شمال سورية، من تغيير ديموغرافي عرقي وليس مذهبي، أدّى إلى كوارث. فنحن لم ننس أنه غير وجه الأرض في سوريا كلها.

لم ننس أنه من حول ثورة الشعب السوري إلى صراع طائفي لصالح توسيع النفوذ الإيراني عن طريق جلب 70 ألفاً من الميليشيات الطائفية العراقية والأفغانية والباكستانية واللبنانية.

لم ننس أنه عزز علاقته مع قيادات حزب الله اللبناني، منهم عماد مغنية ومصطفى بدرالدين وزعيم الحزب حسن نصر الله، منذ عام 2000 ومن ثم حرب يوليو عام 2006 مع إسرائيل. وكان له الدور الأساسي في تجهيز حزب الله بالصواريخ ومن ثم تعززت العلاقة العضوية بين فيلق القدس وحزب الله، خلال التدخل العسكري لإنقاذ حليفهما نظام بشار الأسد في سوريا منذ عام 2011. وكل هذا ليجهزوا على ثورتنا الخالدة في سوريا.

اليوم يتخلص العالم من أحد أهم الأذرع الإرهابية التي أقلقت منام العالم لسنوات طويلة، مدير العديد من العمليات ضد الكثير من الأبرياء في العالم . اليوم كان الثأر للكثير من الثوار الأحرار، كثير من الأمهات المكلومات في سوريا ولبنان والعراق، اليوم ننام مرتاحين قريري العيون ولو ساعة واحدة قبل أن تشتعل الحرب من جديد.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

زياد المالكي
كاتب سوري
كاتب سوري