«الذكرى التاسعة لثورة الیاسمین».. لماذا نجحت تونس وفشلت مصر وسوريا وليبيا؟

تم النشر: 2020/01/02 الساعة 09:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/01/02 الساعة 09:35 بتوقيت غرينتش
الثورة التونسية

نجحت ثورة الياسمين الشعبية التونسية في العديد من القضايا الجوهرية المتعلقة بصناعة مستقبل ديمقراطي، من خلال إجراء انتخابات حرة شهد لها العالم بالنزاهة، ونجحت في فرض عقد اجتماعي جديد بين المواطنين والسلطة، يضمن تأسيساً لحكم القانون والمحاسبة الدورية للحكام، وتداول السلطة، والفصل بين السلطات؛ التشريعية والتنفيذية والقضائية. ومن جهة أخرى نجحت ثورة الياسمين في تصدير نموذجها للبلدان العربية الأخرى، رغم أن بعضها يعيش الآن حروباً أهلية بعد الخروج عن المسار الثوري.

وکان لنجاح الثورة التونسية عدة أسباب، ربما أهمها على الإطلاق ابتعاد الجيش التونسي عن شؤون السياسة الداخلية منذ الاستقلال، ومن ثم لم يكتسب الخبرة في الدفاع عن النظام في مواجهة الانتفاضات الشعبیة، ورفضه التدخل  لقمع الثورة التونسیة، عندما عجزت الأجهزة الأمنية عن القيام بذلك، وکان ذلك عاملاً مهماً وحاسماً في سقوط بن علي. وقد حقق أول أهداف الثورة بالإطاحة بابن علي، عن طريق ضغط الجيش عليه، وإجباره على مغادرة البلاد. وبذلك يكون الجيش التونسي فريداً من نوعه، مقارنة بأغلب جيوش المنطقة، مثل جيوش الجزائر ومصر وسوريا، التي لها خبرة ورغبة في الدفاع عن النظم السلطوية ومؤسسة الحكم في مواجهة الانتفاضات الشعبية، أو في ضبط البلاد في أوقات الاضطرابات.

وقد كان الربيع العربي حلماً، كان الجميع يرقص فرحاً، وهو يستمع  للمحامي التونسي، وهو يصرخ "بن علي هرب.. بن علي هرب". كانت طائرة الهارب تُقلع من تونس العاصمة بلا عودة  إلى مدينة جدة، لتشتعل الشرارة في عاصمة المعز في المحروسة مصر، ولكن الأحداث أخذت منعطفاً آخر بانهیار جهاز الداخلیة، وتولي القوات المسلحة إدارة شؤون البلاد. لكن قبل ذلك ومع صراخ الحناجر في میادین مصر: الشعب يريد إسقاط النظام. كانت طاٸرة المخلوع تقلع إلى شرم الشيخ، ولكن کانت الطاٸرة تستعد للعودة لخشبة المسرح، بما سیعرف بعد ذلك  بـ "محاکمة القرن". ورغم كل شيء، تبقى تلك لحظة فارقة ونادرة في تاريخنا العربي، أن نرى تحرر الشعب التونسي من الاستبداد، ثم سقوط حسني مبارك بعد ذلك بأيام. وأن يتم اتخاذ إصلاحات جادة في المغرب، وصولاً إلى المصالحة في اليمن، ولكن قطار الإصلاح لم يكن لمصلحة الشعب السوري ولا الیمني ولا المصري. تحولت الیمن إلی بلد ينتمي للعصور الحجریة، فالجیوبولتیكا تلعب  أدواراً أخرى لرعاية مصالح إقلیمیة تشعل صراعاً مذهبياً يطفو على مسرح الوضع فی الیمن، فتتدخل السعودیة  وإیران والإمارات،  لتصفية حسابات على حساب الشعب الیمني، فتدخل في حرب أهلية مازالت النار مشتعلة حتى کتابة هذه السطور.
وفي الشام ومع ظهور غاز شرق البحر المتوسط، تصبح سوريا ملعباً لكل من لديه حساب ويود تصفيته مع صراع حول التحكم في خطوط الإمداد، والدب الروسي يحقق الحلم الذي لم یتحقق إبان  "الحرب الباردة" بالوصول إلى  "المیاه الدافٸة" في شرق المتوسط بإنشاء قاعدة بحرية على البحر المتوسط.


كما جاءت الفرصة على (طبق من الحمص الشامي) للإیرانیين والأتراك لیلعبوا أدواراً مهمة في الملعب السوري، الكل له مصالح في المنطقة، فتقام التفاهمات بین الجانب الروسي والإیراني والترکي، وأمريكا متواجدة في شرق الفرات للدعم اللوجيستي وسرقة البترول.

وتدخل لیبیا هي الأخرى في عملیة نهب وسرقة للذهب والفضة التي کانت موجودة لدعم فكرة عملة موحدة للاتحاد الإفريقي، سرقت بمعرفة حلف الناتو. والصراع لم ینتهِ بعد في لیبیا بسبب تدخل أطراف إقليمية بين حكومة منقسمة في طرابلس، وبني غازي، وبین أطراف ولاعبين دولیین في الحرب الداٸرة، ومع توابع زلزال الربیع العربي الثاني، بسقوط بوتفليقة الجزاٸر والبشير في السودان. واشتعال ربیع ضد المذهبیة والطاٸفیة والفساد والمحسوبیة ضد من جاؤوا علی ظهر الدبابات في العراق، لیعلن جیل جدید قوامه من موالید الألفية الجدیدة تمرده ضد المذهبیة والطاٸفیة، وتُسقط الحكومة الطاٸفیة في بغداد.

وسابقاً في البحرين، تم إخماد الاحتجاجات والمظاهرات في المیادین من قوات سعودیة وإماراتیة، خوفاً من ربیع في الخليج. 

كانت الأمة العربية بحاجة، لأن تصاب بصدمة وعي، لكي تنتفض على الفكر الاستبدادي الذي لعب بمقدرات الأمة وسلب الشعوب الحرية وأذاقها الظلم. تلك التضحيات والتاريخ الذي سيكتب عن الربيع العربي سيكون محفزاً للأجيال القادمة، وسيكون لها إرث نضالي تستمد منه قيم الحرية والعدالة، ويولّد لديها القدرة على الثورة مجدداً على الظلم. متى ستأتي اللحظة التاريخية المقبلة لثورة جديدة؟ لا أحد يمكنه تقدير ذلك، كما لم تستطع كل مراكز البحوث وأجهزة الاستخبارات التنبؤ بالربيع العربي.

الربيع العربي لم ينتهِ، فهو ليس فصلاً من فصول السنة، إنه تاريخ مشرق لهذه الأمة ويحق لها أن نتباهى به، ففي كل بلد قصة، وفي كل قصة ألف عبرة في صناعة التغيير والتعلم من تجارب الحياة.

ومع احتفالنا هذا الشهر بذکرى هروب بن علي وثورة 25   ینایر/كانون الثاني في مصر، تنتظر كل الشعوب العربية، أن تتوقف الحروب الأهلية وتسقط النظم الاستبدادیة والسلطویة والمذهبیة والطاٸفیة وعمليات القتل علی الهویة.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد سعد عبداللطيف
متخصص فی علم الجغرافیا السیاسیة
تحميل المزيد