الإخوان والرئيس.. بين التجني والتشنج! (2 – 5)

عربي بوست
تم النشر: 2020/01/02 الساعة 17:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/01/02 الساعة 17:05 بتوقيت غرينتش
مرسي

(1)

انتهيت في الحلقة السابقة، إلى خلاصة مفادها أنني لن أوجّه لومي أو عتابي إلى الأستاذ سليم عزوز الذي يمتهن الصحافة، ويجري خلف المواضيع التي تهم الناس، وتشغل الرأي العام، بغضّ النظر عن طريقة عرضه لها التي لم يلتزم فيها بمعايير التحقيق الصحفي، فخلط الرأي بالخبر، وزاد، فأهان الذين امتنعوا عن الحديث إليه. وإنما أوجه اللوم والعتاب بصورة مباشرة إلى قيادة الإخوان المسلمين في الخارج، وإلى زملائي في الفريق الرئاسي، في الخارج أيضاً، لسكوتهم كل هذه السنوات، عن تسجيل ما توفر لديهم من الحقيقة.

وهنا، قد يسأل سائل: ولِمَ لمْ تُدْلِ بشهادتك، وقد كنت عضواً في الفريق الرئاسي للرئيس محمد مرسي؟!

سؤال وجيه ومستحق، وإليك -عزيزي القارئ- إجابتي عنه:

عدت إلى مصر في بداية عام 2012؛ لأشغل موقع المستشار الإعلامي للجمعية التأسيسية لكتابة دستور 2012م. ثم التحقت برئاسة الجمهورية في أول يناير 2013، وتم تكليفي بمتابعة ملف "ماسبيرو" وهو الاسم الشائع، لهيئة الإذاعة والتلفزيون الرسمية. ما يعني أني لم أشهد حملة الرئيس مرسي الانتخابية، ولم أشارك فيها، وقد شهدت تلك الفترة أحداثاً مهمة، تناولها الدكتور سيف الدين عبدالفتاح، في (شهادته) التي أدلى بها للأستاذ عزوز، كما لم أشهد -من داخل الرئاسة- الأحداث التي جرت خلال الشهور الستة الأول، من حكم الرئيس مرسي، رحمه الله.

ولأن المهمة التي اضطلعت بها، كانت (إعلامية) بحتة، وهي متابعة ملف "ماسبيرو"، فقد كنت بعيداً، بطبيعة الحال، عن دائرة القرار السياسي، ومن ثم، فلم أشهد ما يتصور الناس أن من واجبي الشهادة عليه. وإن كان لديّ معلومات حول بعض الأحداث التي جرت أثناء وجودي في الرئاسة فليس من (سلوك رجل الدولة) أن يقوم بالحديث عنها، أو الخوض فيها (منفرداً)، دون الرجوع إلى زملائه في الفريق الرئاسي. أما ما يتعلق بمهمتي في الرئاسة فسآتي على بعض أحداثها في سياقها الطبيعي من هذه الحلقات، إن شاء الله.

(2)

أكثر من تعرض للتجريح والإساءة البالغة، من (شهود) حلقات "الشهادة"، بعد الأستاذ عزوز، كان الدكتور سيف الدين عبدالفتاح، والشيخ عصام تليمة. ويجب أن أسجل هنا شديد أسفي لما تعرض له كلاهما من إهانة مُدانة ومُستنكَرة، فالذين شنوا هذه الحملة على الرجلين تعرضوا لشخصيهما، وليس لـ (شهادتيهما)! وهذا أسلوب بدائي مرفوض، لا علاقة له بالموضوعية، ولا بالنقد، ولا بإحقاق الحق.

موضوعياً وأخلاقياً لا يمكنني الطعن في (شهادة) أي من الرجلين، لأني لم أشهد تلك الأحداث التي تناولاها، وعلقا عليها، ولكن يمكنني القول إن لديّ ما يدحض (التعليل) الذي أعلنه الدكتور سيف الدين عبدالفتاح، للرأي العام، يوم تحدث مع مذيعة "الجزيرة مباشر مصر"، فأعلن استقالته على الهواء مباشرة من عضوية الهيئة الاستشارية لرئيس الجمهورية. وقع ذلك مساء يوم 5 ديسمبر 2012، بينما كانت القناة تنقل بثاً مباشراً من محيط قصر الاتحادية، وإليك -عزيزي القارئ- جانباً من الحوار، الذي جرى بين الدكتور سيف، ومذيعة الجزيرة مباشر مصر:

المذيعة: دكتور سيف.. كان هناك مؤتمر صحفي لجبهة الإنقاذ الوطني، كيف تعلق على ما جاء في هذا المؤتمر؟

د. سيف (مقاطعاً المذيعة قبل أن تنهي سؤالها): شوفي يا ست الناس! أنا لا يهمني جبهة الإنقاذ، ولا هذه النخبة المحنطة.. أنا يهمني (الشباب اللي وقع شهيد).. ومن ثم، أنا أؤكد لحضرتك أني أقدم استقالتي من عضوية الهيئة الاستشارية لرئيس الجمهورية.. أولادنا لما يموتوا.. [صمت، وتأثر، وبكاء وشيك، من الدكتور سيف، والمذيعة تحثه على المتابعة : نعم دكتور سيف، تفضل].. أولادنا لما يموتوا، نتيجة ضيق أفق، ونخبة محنطة.. أنا أعلن من هنا، أني أستقيل! أستقيل.. وأعتزل كل الأمور التي تتعلق بالعمل السياسي؛ لأن هذه نخبة لا تليق بمصر، ولا بثورة مصر، سواء نخبة محنطة، أو جماعة ضيقة الأفق، تقوم بأعمال أزهقت الأرواح، وأدت إلى ما نحن فيه..".

من وجهة نظري، من حق الدكتور سيف أن يلوم أي أحد تسبب في إراقة الدماء، لكن ليس من (اللائق) أن يعلن استقالته على الهواء، في هذه اللحظة الحساسة، وقد كان الهدف من الاحتشاد حول الاتحادية، في تلك الساعة (كما ثبت فيما بعد) هو اقتحام القصر الجمهوري، وإعدام الرئيس مرسي، على غرار ما تم مع الديكتاتور الروماني السابق نيكولاي تشاوسيسكو! فضلاً عن أن الدكتور سيف لم يبلغه التكليف من الرئيس مرسي عبر الهواء، كي يستقيل على الهواء! وكان بإمكانه أن يدين من تسببوا في إراقة الدماء، في تلك الليلة الحزينة، ثم يتوجه، من غده، إلى القصر الجمهوري، ويقدم استقالته إلى رئيس الجمهورية، حسب الأصول، لكنه لم يفعل، واختار تلك الصورة الدرامية، واللحظة الخطأ؛ لـ (إعلان) استقالته، وليس (تقديمها)!

ولم يتوقف الأمر عند ذلك، فقد قال الدكتور سيف، في إحدى حلقات برنامج "على مسؤوليتي" التي كان يسجلها لصالح فضائية الجزيرة مباشر مصر، من القاهرة، إن الشعب المصري قام بـ (ثورتين) عظيمتين، 25 يناير، و30 يونيو، وقد اقتطعت الجزيرة هذا (البايت)، وجعلته ضمن (برومو)، ظل يُذاع لفترة طويلة! وباستثناء هذه السقطة من الدكتور سيف، التي تراجع عنها فيما بعد، فأنا أعتبر أن كثيراً مما قاله في هذه الحلقات، كان "كلمة حق عند سلطان جائر"، رضي مَن رضي، وسخط من سخط.

هذا الأداء من الدكتور سيف أزعج قطاعاً عريضاً من الرأي العام المؤيد للرئيس مرسي، فتعامل معه، منذ تلك اللحظة، باعتباره (عدواً)، وليس (خصماً سياسياً)، على أقل تقدير! فنحن في مصر لا نمارس السياسة، ولا نعرف أصولها، للأسف الشديد! فما تعتبره السياسية (حقاً) شخصياً، يعتبره المصريون (عيباً) أحياناً، أو فعلاً مُخلاً بالشرف والمروءة، أحياناً أخرى! وقد انطبق ذلك حرفياً على موقف هذا القطاع من أنصار الرئيس مرسي تجاه الدكتور سيف الدين عبدالفتاح، وهو سلوك أدينه بشدة.

(3)

هذا ما كان من أمر الدكتور سيف، فهل كان موقفه (من الدماء) في تلك الليلة المشؤومة موقفاً (مبدئياً)؟ أم أنه كان (تذرَّعاً) بالدماء، كي يغادر موقعه، فإذا أصبح الصباح، وقد قُتِل الرئيس، وانتهى (حكم الإخوان)، يصبح الرجل، في نظر الناس، السياسي المحنك، المنحاز للشعب، الغاضب لدماء الشباب (الثوري)؟!

قولاً واحداً، العلم عند الله، فهو وحده الذي يعلم السر وأخفى، وإني -على المستوى الشخصي- أنزِّه الدكتور سيف الدين عبدالفتاح عن هذه الانتهازية الفاقعة.

لكن الدكتور أحمد رشدي، أحد مستشاري المهندس خيرت الشاطر المقربين، أكد لي أن موقف الدكتور سيف من الدماء الذي أعلنه ليلة (حصار الاتحادية) ليس موقفاً مبدئياً، ولكنه كان (تبريراً) لقرار استقالته على الهواء، في هذه الليلة التي لم يكن أحد يدري على أي حال سيكون صباحها!

يروي لي الدكتور أحمد رشدي هذه الواقعة التي كان شاهداً عليها، فيقول:

كان من عادة المهندس خيرت الشاطر بعد خروجه من السجن إبان انتفاضة 25 يناير/كانون الثاني 2011، توجيه الدعوة، بصورة شبه دورية، إلى بعض المفكرين، والسياسيين، وأساتذة الجامعة المبرزين؛ لقراءة الأحداث التي تمر بها مصر، ومناقشة أهم القضايا المطروحة على الساحة المصرية.

وفي أحد هذه اللقاءات، وكان عقب حادثة (فتاة التحرير) المشهورة التي سحلها بعض المجندين، وقاموا بتعريتها، في مشهد يندى له الجبين، قال الدكتور سيف الدين عبدالفتاح: الشباب كلموني أثناء اعتصامهم في التحرير لاستشارتي فيما يجب عليهم فعله، فقلت لهم: انقلوا الاعتصام من ميدان التحرير إلى مجلس الوزراء!

فقال له أحد الحضور: ولكن يا دكتور سيف، هذا الانتقال ترتب عليه (دم)! وفيه ناس ماتت!

فأجابه الدكتور سيف: هذه ضريبة الثورات! الدم ضريبة الثورات!

من جانبي، أضع هذه الرواية أمام الرأي العام، وأمام الدكتور سيف الدين عبدالفتاح، بطبيعة الحال، فإن كان يذكرها، فعليه أن يعللها، أو يصححها، إن كان بها خطأ ما.. أو ينفيها من الأساس، إن شاء.

(4)

الشخصية الأخرى التي تلقت الإهانات، بعد إذاعة حلقات (الشهادة)، هو الشيخ عصام تليمة، وقد سرد الشيخ تليمة في (شهادته) التي لم يكن لها علاقة مباشرة بالرئيس مرسي، رحمه الله، مواقف عديدة، تناولت قرار خوض الإخوان المسلمين الانتخابات الرئاسية، والنصائح التي حملها إلى الإخوان بالعدول عن هذه الخطوة، وأمور كثيرة أخرى.. والشيخ تليمة، لم يكن طرفاً (فاعلاً) في أي من هذه الأحداث التي رواها، وإنما كان (مبعوثاً خاصاً) من جانب الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي إلى قيادة الإخوان، وحاملاً لردود الإخوان على رسائل الشيخ القرضاوي.

ومن ثم، فالرجل لم يكن (شاهداً) على "عام حكم الرئيس مرسي"، ولكن الأستاذ عزوز قرر الزج به، تحت هذا العنوان؛ لأسباب (تسويقية) محضة، لا تخفي على العارفين بـ (الود المفقود) بين الشيخ تليمة وقيادة الإخوان المسلمين في الخارج، أو ما يسميها البعض "جناح الدكتور محمود عزت"، وأرجو أن أكون مخطئاً!

مأخذي على (شهادة) الشيخ تليمة محصور في سرده لكيفية تعرّفه على الدكتور محمد مرسي، القيادي الإخواني، حينذاك. فقد استخدم الشيخ تليمة ألفاظاً لوصف شخصية الدكتور مرسي، لم يدرك -في غمرة حماسه- سوء وقعها على المتلقي، لاسيما أسرة الرئيس مرسي ومحبيه، وهم بالملايين! وكان بإمكانه -وهو الشيخ الأزهري- أن يستخدم ألفاظاً أخرى، لا تنتقص من (حقيقة) انطباعه (السلبي) تجاه الدكتور مرسي، في حينه، ولكن تحفظ للرئيس الأسير (وقت إجراء المقابلة) قدره الذي يستحقه، احتراماً لثباته وصموده، حتى اللحظة الأخيرة، من حياته على الأرض.

(يُتبع) ..

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد عبدالعزيز
المستشار الإعلامي للرئيس المصري الراحل محمد مرسي