بسبب منطقة غور الأردن.. هل تدقُّ طبول الحرب بين المملكة الهاشمية وإسرائيل؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/01/01 الساعة 14:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/01/01 الساعة 17:27 بتوقيت غرينتش
إعلان نتنياهو عزمه ضم منطقة غور الأردن

ما نقرأه في الصحافة ووسائل الإعلام الإسرائيلية من هجوم عنيف وشرس على الأردن شعباً ومَلكاً أمر متوقع، لكن لم يكن من المتوقع قط كيلُ المَسبّات البذيئة والنابية بحق البلد والعاصمة والشعب والملك بهذا الشكل البربري المخزي، الذي يذكِّرنا بأن إسرائيل دولة احتلال عنصري تخفي أنيابها وراء ادعاءات باطلة بالتحضر والتقدم. وهذا الهجوم معهود عنهم منذ زمن تاجر البندقية وما قبله.

بات واضحاً للسياسيين الصهاينة اليوم أنَّ حلمهم، المتمثل في تحويل الأردن إلى دولة للفلسطينيين، قد راح هباءً ورماداً تذروه الرياح. ولذلك حاول الكُتاب الصحفيون الصهاينة وضع ما يشبه الخطة، بحيث تبدأ حكومتهم التدرج بها صوب تحقيق هذا الحلم، الذي يبدو لهم الآن أضغاث أحلام. 

تلك الخطة التي بدأت أصلاً منذ إعلان قانون يهودية الدولة؛ ومن ثم إعلان القدس المحتلة عاصمة لدولة الاحتلال، مروراً بنقل ترامب السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، وصولاً إلى إعلان رئيس وزراء دولة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، قبيل الانتخابات التي خسرها مؤخراً، عن نيته ضم غور الأردن؛ ومن ثم ضم الضفة الغربية بالكامل إلى سيادة دولة الاحتلال. هذا الجزء الأخير من الخطة قد يُشعل حرباً بين الأردن ودولة الاحتلال فيما لو تم البدء به، وكان قبل أسابيع أُعلن عن أعلى درجة تأهب واستعداد للجيش الأردني على الحدود مع دولة الاحتلال، خاصة في منطقة غور الأردن.

الصهاينة بدورهم ليسوا قلقين جداً من هذه المواجهة في حالة نشوبها، فهم يعلمون تماماً أن الأردن سيكون وحيداً وأن هناك كثيراً من الدول العربية التي ستقف متفرجة في أفضل الأحوال، هذا إن لم تدعم دولةَ الاحتلال في حربها ضد الأردن. إذن لن تكون هناك مساندة عربية ولا غير عربية، وهذا لسان حالهم الذي ظهر في صفحات صحافتهم ونُقل عبر شاشاتهم. 

هذا الهجوم على المملكة الأردنية لم يخرج فقط من الصحف والكتاب اليمينيين المتطرفين؛ بل إن هناك سياسيين ومحللين كتبوا -حسب صحيفة "هآرتس"- في مواضيع ومقترحات مماثلة؛ كالهجوم المباشر على المملكة والملك، خاصة بعد استرجاع ملحقَي الباكورة والغمر من دولة الاحتلال إلى السيادة الأردنية مجدداً. وبدأ هؤلاء الكُتاب مهاجمة التدخل الأردني في المسجد الأقصى. كما يقود هذه الحملة قياداتٌ سياسية كبيرة محسوبة على نتنياهو وحزبه، مثل نيلا فايس، الزعيمة اليمينية المتطرفة التي تقود المستوطنين في الضفة الغربية بفلسطين المحتلة. صوَّرت نيلا مقطع فيديو داخل المسجد الأقصى وهي تطلب من نتنياهو أن يضغط على الملك عبدالله الثان؛ من أجل أن يرفع الأردن يده عن المسجد الأقصى، تمهيداً لهدمه وبناء الهيكل؛ بل ذهبت إلى أبعد من ذلك بكثير، وطالبت بجعل إسرائيل تمتد من نهر الفرات إلى نهر النيل.

كما أن البعثات الدينية التي ينظمها المستوطنون إلى الأردن، خاصة إلى جبل هارون، ينشدون فيها ترانيم تتعلق ببناء الهيكل وهدم المسجد الأقصى، والدعوة إلى إسرائيل الكبرى بين نهري النيل والفرات.

كل ذلك -أعزائي- كان قبل هجمة الصحافة هذه الأيام، والتي اشتدت أكثر بعد التدريبات التي قام بها الجيش الأردني مؤخراً على الحدود مع إسرائيل.
فبدأوا يتساءلون: لماذا يقوم الأردن بهذه التدريبات؟ هل بات الأردن متخوفاً من هجوم مباغت مِن قِبلنا؟ هل يستعد الأردن لحرب باتت وشيكة مثلاً؟

عزيزي القارئ، الهجوم من الصهاينة على الأردن كبير وضخم، لا يقتصر فقط على الصحافة ووسائل الإعلام كما شاهدنا. فاليمين المتطرف الصهيوني بزعامة نتنياهو، بات يطالب اليوم بتنفيذ مخططات كان يطرحها يسرائيل كاتس، مثلاً، بخطاباته في أثناء مؤتمرات كان يعقدها بمستوطنات في الضفة الغربية بفلسطين المحتلة، مثل أن الثقل السكاني الفلسطيني يجب أن ينتقل إلى الضفة الشرقية؛ أي إلى الأردن أو إلى غزة، ويسرائيل كاتس اليوم ضمن حكومة الاحتلال ويشغل منصب وزير النقل والمواصلات، وقال في مشروعه إن الفلسطينيين إن لم يوافقوا على الانتقال إلى الأردن أو غزة طوعاً أو بالإغراء المادي، فسوف تكون هناك طرق أخرى لم يَذكرها. 

هذه المشاريع باتت تطفو على السطح اليوم، إذ يقاتل اليمين المتطرف من أجل تجميع الأصوات اليمينية؛ لضمان الفوز بأغلبية مقاعد الكنيست، كي يتمكن من تشكيل الحكومة حتى لو كان الثمن تعميق الخلافات في البيت الصهيوني ذاته.

لكن مع كل ذلك أذكّركم -أعزائي- بما كتبتُه قبل عام من الآن، وبالتحديد قبل أعياد رأس السنة الميلادية، عندما كتبتُ عن برنامج على القناة العبرية العاشرة حين نزل المذيع إلى الشارع؛ لاستقصاء أحوال اليهود الاقتصادية وأين يخططون للذهاب من أجل قضاء إجازتهم السنوية، فسأل إحداهُنَّ كانت تتسوق وقال لها: هل ستذهبين نهاية السنة إلى إسبانيا؟ قأجابته قائلة إنها لا تملك المال الكافي للذهاب هناك، فقال لها مباشرة: إذن ستذهبين إلى الأردن؟ حين فاجأته بإجابة صادمة: لا، الأردن لنا، لكنهم يستأجرونه منا وسنعيده قريباً! وبينما لم يستطع المذيع كبت ذهوله الشديد من هول الصدمة، سألها مجدداً: إذن ستنتظرين حتى تتمكنين من الذهاب إلى هناك مجاناً؟

لكن رغم ذلك، فما يريح فؤادي اليوم -أعزائي- هو أن الذي نراه اليوم من توحُّش اليهودية المتطرفة هو نتاج للأزمة السياسية الداخلية المتفاقمة هناك، فاليمين المتطرف اليوم بات يطالب بما كان لا يقوى على المطالبة به في السابق، وهذه المطالب كانت من شبه المحرَّمات ومن السابق لأوانها، والمجاهرة بتلك المطالب مثل: هدم الأقصى وإسرائيل الكبرى وإلغاء مشروع الدولة الفلسطينية وأن الضفة الغربية جزء من إسرائيل، وإزاحة الملك ونظامه، والهجوم على الأردن والأردنيين… أنا أعتبر طرح تلك المطالب على الطاولة السياسية بدولة الاحتلال الآن كحلاوة روح، وتخبُّط كتخبط المجرم الذي حُشِر في الزاوية ولم يعد له مَخرجٌ بالمرَّة.

هناك منعطف كبير وحادٌّ في العلاقة مع دولة الكيان الصهيوني، خاصة بعد أن اعتبرت الصحافة الصهيونية الملك عبدالله الثاني حجر عثرة في طريق بناء الهيكل وقيام إسرائيل بين الفرات والنيل.

اليوم يجب أن ندرك جميعاً أنه لم تكن ثمة قيمة تُذكر لمعاهدة "وادي عربة" عند اليهود، ولا يقيمون أي احترام أو التزام لأي قانون دولي أو معاهدة أو اتفاقية أو مواثيق أممية. هذا ديدن الصهاينة عبر العصور والأزمنة.
يجب علينا اليوم كأردنيين إلغاء اتفاقية الغاز حتى لو كَلَّفنا ذلك ملياراً ونصف المليار دولار، وهو الشرط الجزائي الذي فُرِض علينا في الاتفاقية، لكننا سنوفر حينها على البلد خمسة عشر مليار دولار، ومِن ثم نحاسب أولئك الذين وقَّعوا على هذه الاتفاقية وورَّطوا البلد والشعب.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

بشار طافش
كاتب أردني
بشار طافش هو كاتب أردني حامل لشهادة البكالوريوس في الاقتصاد، ومؤسس منظمة Warming Observers التي تُعنى بالتوعية بظاهرة الاحتباس الحراري واحترار كوكبنا، وأعمل في مجال الدواء مديراً لأحد مستودعات الأدوية في الأردن.
تحميل المزيد