في كل مرة ومع أواخر كل سنة تشدني الحركية العجيبة في العالم والرغبة الجامحة في قدوم سنة أخرى ويسود الأمل أن السنة القادمة ستكون أفضل بكثير من الأخيرة، لكن ما بين الحاضر والمستقبل المنشود ماذا غير فينا الماضي؟
سنة كاملة قادرة على تغييرنا وقادرة على تغيير مجتمعاتنا قادرة أن ترفع من شأن دول وأن تودي بأخرى قادرة على خلق فرص جديدة وعلى خلق صور منا أخرى في كل أنحاء هذا العالم، سنة كاملة يمكن أن تفتح صفحات لا تطوى وتغلق كتباً لم نتصور يوماً أن العالم يستمر من دونها. نودع في كل مرة السنة الماضية ونسارع لاستقبال أخرى دون الوقوف للحظة والتمعن ماذا أخذنا منها وماذا أخذت منا هي في المقابل..
نحاول وبقدوم سنة جديدة إطفاء شموع سنة أخرى والاطلاع على الفلك وكامل حظوظنا حتى وإن كنا نسخر في العلن من هذا نحاول التشبث بهذه السنة والمراهنة عليها ونعطيها التاج لنعلن أن أفضل سنة في عمرنا أوشكت على البدء، وننسى أننا نحن بأخطائنا الفادحة وخطواتنا الثابتة وحدنا من نستطيع جعل العالم أفضل بكثير وجعل السنوات القادمة موروثاً جميلاً للأجيال التي ستأتي ذات يوم.
أتحدث من منطلق شخصي، فقد أصبحت وبمرور الزمن مؤمنة وبقوة أن الماضي هو جزء منا وأن صورة الأنا لا تكتمل دونه حتى أن المستقبل لن نفهمه إلا عندما نتحلى بالحياد ونحلل الماضي، أن نفهمه وأن نعي مفهوم هامش الخطأ الذي يجعل للذات البشرية أبعاداً أكبر وسلطة أقوى على هذا العالم الذي نحاول السيطرة عليه أكثر من التمتع به والعيش فيه.
أحاول التحدث عن الماضي عن طريق زاوية أكبر من الزاوية المحدودة للخطأ والفشل وأحاول التحدث عنه دون أن أنسى سرد ووصف جوانبه الجميلة التي تخلق ذاكرة شعبية وتشعرنا بالدفء والأنس في غربة التجارب الموالية وتدفعنا أن نحيا بطريقة أعمق وكلها أمل، أحاول القول إنه ونحن نستقبل أعوام العمر الجديدة أن نقف أمام المرآة ونرى آثار السنوات الأخرى التي مررنا بها تارة ومرت هي بنا تارة أخرى.
لا أدعو أبداً إلى الالتصاق بالماضي لأنه لن يحرك شيئاً فينا إذا تشبثنا به بطريقة دور الضحية " كثير من الناس يعيشون طويلاً في الماضي، والماضي منصة للقفز لا أريكة للاسترخاء" لكني أقول إن في بعض الأحيان وفي الرحلة نحو المستقبل يجب أن نأخذ معنا بعض التجارب والنجاحات وحتى الإخفاقات لكي نواجه المجهول في القادم لأن المستقبل سيصبح الحاضر ذات يوم وسيطرح أسئلة سنحتاج كل ما ذكرته لكي نقدم أجوبة ما.
الرهان الأكبر هو معرفة إلى أين نذهب، وما بين ذلك هو مجرد تفاصيل سيلعب القدر دوراً كبيراً فيها بدعم من القوة الإلهية، وأن كل يوم يأتي نستطيع إذا أردنا إعلانه أول يوم لسنة جديدة سنبني فيها أنفسنا من جديد.
لا يسعني إلا أن أتمنى لكل القراء عاماً جديداً مليئاً بالسعادة والفرص الجديدة، وخاصة الفرص التي تأتينا في الوقت المناسب عندما تكون الذاكرة سليمة والرغبة في التغيير حاضرة. لا يمكنني أن أنسى طبعاً كل الأوطان العربية التي تحاول اللحاق بأمم العالم التي شقت بقوة وعزم وهي تحمل كل مفاهيم الإنسانية طريقها نحو الديمقراطية المبنية على قبول الآخر ومساعدة الفاشل حتى ينجح.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.