ما هي سيناريوهات التدخل التركي في ليبيا؟ وما خيارات القاهرة للخروج من الأزمة

عربي بوست
تم النشر: 2019/12/30 الساعة 15:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/12/30 الساعة 15:05 بتوقيت غرينتش
هل ترسل تركيا قواتها إلى ليبيا؟

قال مسؤول في العاصمة الليبية طرابلس، الخميس 26 ديسمبر/كانون الأول 2019، إن الحكومة المعترف بها دولياً طلبت رسمياً من تركيا الحصول على دعم عسكري جوي وبري وبحري؛ لصد هجوم تشنه قوات شرقي ليبيا، التي يقودها اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي يسعى للسيطرة على طرابلس.

تصريحات المسؤول الليبي تأتي بعد ساعات من إعلان وزير الداخلية في حكومة الوفاق المعترف بها دولياً، فتحي باشاغا، الخميس، أن حكومته "ستطلب من تركيا رسمياً دعمها عسكرياً، وهذا سيكون لمواجهة القوات المرتزقة التابعة لخليفة حفتر، والتي قدَّمت قواعد ومطارات لدول أجنبية".

كما شدَّد باشاغا على أنه سيكون "هناك تعاون كبير مع تركيا وتونس والجزائر، وسنكون في حلف واحد، وهذا سيخدم شعوبنا واستقرارنا الأمني".

وبشكل عام، فإن منعطف التدخل التركي المرتقب في ليبيا هو نتيجة فشل كل القوى الإقليمية والدولية التي تلعب دور في الأزمة الليبية، وعلى وجه الخصوص سياسة القاهرة وأبوظبي في التعامل مع الملف الليبي ودعمهم الكامل لخليفة حفتر الذي قطع الطريق أمام كل الطرق السياسية لاحتواء الأزمة والتوصل إلى حل.

ودعم حكومة الوفاق المعترف بها دولياً في عملية الهجوم على طرابلس، حيث لم تلعب أي من القوى الرئيسية في النزاع أي دور لإيقاف محاولة اقتحام طرابلس من قبل قوات حفتر بل علي العكس قام الموقف المصري والإماراتي على دعم تلك العمليات ما جعل حكومة السراج في وضع لا تحسد عليه ولم تجد من يساندها غير الحكومة التركية التي تريد دعم حكومة السراج كجزء من صراعها الإقليمي مع مصر والإمارات وكذلك جزء من الصراع على السيادة في شرق المتوسط.

ومن المفارقات، أن السراج كان مدعوماً في بداية وصوله للسلطة من القاهرة، لكن القرار في القاهرة نفسها لم يكن ثابتاً ومستقراً إذ كان هناك تياران داخل المؤسسة الأمنية المصرية يتصارعان، تيار يرى ضرورة الانفتاح على كافة الأطراف الليبية المختلفة بما فيها الإخوان المسلمين مع الحفاظ على دعم حفتر، مع التسليم بأن حفتر غير مؤهل للسيطرة على الوضع بمفرده وأنه يجب التفاوض مع الجميع. وهو الرأي الذي كان يتعارض مع الرؤية الأخرى التي كانت تريد تصدير نموذج "30 يونيو" إلى الجوار الليبي، لكن 30 يونيو ليست ثورة أكتوبر البلشفية الحمراء ولا هي الثورة الإسلامية الإيرانية. في النهاية انتصر المعسكر الداعي لعدم الحوار مع تقديم الدعم الكامل لحفتر وأصبحت رؤية القاهرة متطابقة مع رؤية أبوظبي في المساندة والدعم للواء المتقاعد خليفة حفتر. لكن الفرق بين مصر والإمارات أن الأخيرة لا تملك حدود مباشرة مع ليبيا، وأنها لا تمثل لها أي أهمية باستثناء حربها الضروس على تيار الإسلام السياسي وعلى رأسه جماعة الإخوان المسلمين. ومن يعرف التركيبة الاجتماعية والسياسية لليبيا جيداً يعرف أن الشعب الليبي ليس بالمسيّس، وأن مدناً مثل مصراتة وطرابلس ليست مسيّسة، وأن الإسلاميين والإخوان المسلمين لا يتزعمون مشهدها، بل هم أشبه بلاجئين سياسيين في الغرب الليبي، حيث إن حواضن الإخوان التاريخية كانت في الشرق الليبي، بينما ظل الغرب عصياً عليها، لكن بعد سيطرة حفتر على الشرق نزحوا غرباً.

سيناريوهات التدخل التركي

وفيما يتعلق بالتدخل التركي عسكرياً وتداعياته على الوضع في ليبيا، أعتقد أن هذا التدخل قد يغير من طبيعة الموازين على الأرض على الأقل في الغرب الليبي، في حالة وفر أردوغان دعماً كافياً لحكومة الوفاق بما فيها دعم جوي سيجعل وجود حفتر في الغرب في وضع صعب، خاصة أن ليبيا كلها لا يوجد فيها قوات عسكرية نظامية أو قوات يُعتد بها. إذ يعتمد حفتر على المرتزقة الليبيين والأجانب خاصة من السودان وروسيا وتشاد، مع الدعم العسكري والمالي والاستخباراتي من مصر والإمارات وفرنسا بدرجات مختلفة. وتعتبر قوات حفتر ميليشيات ليس إلا، لكنها تتميز بتوفر العتاد العسكري والدعم الجوي. وفي حالة تدخلت تركيا سيفقد حفتر هذه الميزة ما قد يقلب الموازين على الأرض،  لكن كل ذلك يتوقف علي طبيعة التدخل، هل ستدعم تركيا حكومة الوفاق بالسلاح والعتاد العسكري فقط أم سيكون هناك تدخل جوي؟ أم أن تركيا تنوي التدخل بشكل كامل؟

لكن بعد انتشار تقارير عن أن الحكومة التركية قد تستخدم ميليشيات حليفة لها في الداخل السوري في ليبيا فذلك قد يشكل منعطفاً خطيراً في التدخل بين الأزمتين الليبية والسورية، حيث لن يرحب الليبيون بوجود سوريين على أراضيهم للقتال، كما سيكون من السهل انتقال عناصر متطرفة من سوريا إلى ليبيا. كما أن أي ظهور لجماعات إرهابية متطرفة في ليبيا سيكون حدثاً تتحمل تركيا كلفته السياسية.
لكن حتى الآن، لم تتضح طبيعة وحجم التدخل واللذان سيحددان مقدار وطبيعة التغير في الصراع الدائر في ليبيا. 

وعلى الأرجح، فإن العمليات التركية في ليبيا ستقتصر فقط على المنطقة الغربية مع محاولة لإظهار القوة في الشرق. مع الإبقاء على حكومة الوفاق وإعادة حفتر إلى حدوده التي كان عليها عام 2015. ولا أظن أن تركيا تريد الاصطدام عسكرياً مع مصر، لذا فمن الأرجح أن الشرق سيكون بعيداً عن أي عمليات تركية، كذلك لأسباب لوجيستية فإن التقدم صوب الشرق سيكون من الصعوبة بمكان. إلا إذا قررت تركيا استفزاز القاهرة بتوجيه ضربات جوية لقوات حفتر في الشرق الليبي وهو أمر مستبعد، لأنه سيتطلب قيام تركيا بالسيطرة على بعض المطارات في الغرب الليبي لتكون قاعدة لانطلاق مثل هذه العمليات. 

سياسياً يعتبر التدخل التركي مختلفاً بشكل كبير عن التدخل في شمال سوريا ضد الأكراد، أولاً، يتحرك أردوغان وتتصرف تركيا بناءً على دعوة واتفاق بين أنقرة والحكومة الشرعية المعترف بها دولياً (مسمار في محاولة تشبيه تدخله بتدخل إيران وروسيا في سوريا). في المقابل، لا يمتلك حفتر أي شرعية سياسية إلا ما تبقى من برلمان طبرق، لكن تظل الحكومة الشرعية للبلاد هي حكومة السراج.

كما يمكن القول إن تركيا أمّنت أوضاعها في سوريا وشمال العراق وتستطيع التفرغ لليبيا والنزاع على السيادة الإقليمية في شرق المتوسط، من خلال عمل المنطقة العازلة وخلق تفاهمات مع إيران وروسيا وحتى النظام السوري على مناطق النفوذ في سوريا.

ثالثاً، كانت تركيا في وضع دفاعي أمام محور مصر السعودية الإمارات منذ عام 2013، وتعقد الوضع أكثر بعد انقلاب يوليو الفاشل في تركيا في 2016. لكن تركيا الآن لديها فرصة سانحة للتحول من الهجوم إلى الدفاع، بعد تهدئة الأوضاع في سوريا بتسوية مؤقتة مرضية لها، وخاصة بعد موقف الرباعي مصر وإسرائيل وقبرص واليونان في محاولتهم تقسيم المتوسط فيما بينهم، والتي تعتبرها تركيا تعدياً على حقوقها.

رابعاً، انتهت تركيا القديمة التي نعرفها في عام 2016 بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، ولم تعد سياسة تركيا الخارجية مقتصرة على أدوات القوة الناعمة التي رسخ مفاهيمها أحمد داوود أوغلو وفق سياسته الاستراتيجية "صفر مشكلات".  السياسة التي أربكها تحول الربيع العربي إلى شتاء عاصف. وأدركت أنقرة أن كسب المعارك في المنطقة لا يمكن أن يتحقق بالقوة الناعمة فقط، وإنما يجب أن تمتلك الدولة قوة مادية فاعلة على الأرض مدركة أن الأمر الواقع يفرض نفسه في النهاية. وما حدث في سوريا من قبل روسيا وإيران ببعيد ولا ما رسخته مصر والإمارات في ليبيا أيضاً. ولدى تركيا إمكانيات كبيرة وخيارات واسعة منها قدرتها على استخدام قوتها العسكرية مثل أي دولة أخرى. كذلك تحللت تركيا من قيود حلف الناتو بشكل أو بآخر بسبب موقفهم من محاولة الانقلاب الفاشلة ما جعل أردوغان أكثر حرية في التغريد بعيد عن الحلف.


خامساً، تثبت تركيا لكل من حلفائها وأعدائها أنها حليف يُعتمد عليه، وأنها تقف بجانب حلفائها كما حدث في الأزمة القطرية بإرسال قوات تركية لحماية قطر ومنتجات تركية لتغطية العجز في الأسواق القطرية.

سادساً، اذا نجحت تركيا في السيطرة على غرب ليبيا بوجود قوات لها هناك وحلفاء أقوياء على الأرض، سيكون ذلك ورقة مهمة في يد تركيا ضد أوروبا فيما يتعلق بملف الهجرة غير الشرعية، حيث سيصبح أردوغان مسيطراً على ملفي هجرة السوريين الغير شرعية وهجرة الأفارقة من السواحل الليبية أيضاً.

خيارات القاهرة 

ويبقى لدى مصر فرصة أخيرة على الصعيد الدبلوماسي لوقف التدخل التركي المرتقب في ليبيا، أو علي الأقل تقليل شرعيته إذا كنت ترغب في تفادي وجود تركي في ليبيا وزيادة تعقيد المشهد في ليبيا، من خلال الآتي:

1- الدعوة لوقف إطلاق النار والضغط على حفتر للانسحاب من محيط طرابلس وعدم التصعيد ضد حكومة الوفاق.

2- الدعوة لقمة عربية أو إفريقية عاجلة لمناقشة الوضع في ليبيا، وطرح مبادرة سلام جديدة تكون بديلاً أو مكمّلة لاتفاق الصخيرات، ودعوة قوة دولية تساند الموقف المصري مثل روسيا وفرنسا.

3- قبول مصر التفاوض مع القوى الليبية في الغرب وعدم انفراد حفتر بالدعم ومحاولة التوصل لصيغة مقبولة من القوى الليبية في الغرب.

4- التواصل مع دول الجوار الليبي لرفض أي تدخل من دولة من خارج الإقليم.

أخيراً سيناريو تقسيم ليبيا وارد نظراً لأن البلد فعلياً مقسوم إلى 3 إجزاء منذ عام 2014 الشرق والغرب والجنوب المنسيّ الذي عاد للقرون الوسطى، أوهام أن طرابلس تحتاج للقاهرة انتهت نظراً لأن البضائع التركية أصبحت في كل دكان في الغرب الليبي، ولم تعد طرابلس تحتاج لمعبر السلوم لكنها تحتاج لمعبر رأس جدير مع تونس، وكذلك مطار معيتيقية، وكل من ميناءي طرابلس ومصراتة، العديد من الليبيين بعد سنوات من الحرب أصبحوا متقبلين سيناريو التقسيم.

وأخيراً يجب التأكيد على أن ما يجمع أهل ليبيا أكثر مما يفرقهم. فلا يوجد نزاع عرقي أو ديني أو حتى سياسي بين الشعب الليبي. لكن للأسف فإن الحل للأزمة الليبية في يدي القوى الإقليمية والدولية التي تتحكم في المشهد بشكل عام. 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد علي
باحث في الشأن الليبي
باحث في الشأن الليبي
تحميل المزيد