«أوهام المشجع الأهلاوي»: لماذا رفض جمهور الأهلي هدية «سانتا كلوز» الأمن المصري؟

تم النشر: 2019/12/30 الساعة 13:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/12/30 الساعة 13:21 بتوقيت غرينتش

مرت مباراة الجولة الثالثة لحساب المجموعة الثانية في دور مجموعات دوري أبطال إفريقيا، بين الأهلي المصري وبلاتنيوم الزيمبابوي، يوم السبت الماضي، التي أقيمت في القاهرة، مرت بسلام داخل الملعب، وبلا مفاجآت، فاز الأهلي المصري بهدفين نظيفين. على عكس ما حدث في مدرجات استاد السلام، الذي شهد مواجهة متجدّدة بين الأمن المصري وجماهير النادي الأهلي.

بدأت أحداث اللقاء بإجراءات التفتيش الأمنية الروتينية أمام بوابات الاستاد، التي مرت بسلام وبلا مناوشات. لكن يبدو أن وزارة الداخلية المصرية قد تعاقدت مع سانتا كلوز جديد ليوزع بعض الهدايا والمفاجآت على جماهير الأهلي المتواجدة في المدرجات. إذ ملأ سانتا المدرجات برجال مباحث ومخبرين متنكرين في زيّ مدني. ليس هذا وحسب، بل كلف سانتا رجالَ المباحث والمخبرين باختيار بعض مشجعي الأهلي المتوافدين على المدرجات عشوائياً، واقتيادهم بعيداً عن الأعين خارج المدرجات. ولأن سانتا كريمٌ والجماهير تستحق، والموسم على الأبواب، وجّه سانتا رجال المباحث بالكشف عن الهويات والبطاقات الشخصية للحاضرين في الملعب.

انسحاب جمهور الأهلي من المدرجات

الكشف عن الهويات والبطاقات الشخصية هو تقليد أمني مصري عتيق، لا يتذكر أحدهم متى وكيف بدأ، ولا يجرؤ أحدهم أن يتساءل عن مدى قانونيته. وللأمانة والموضوعية فهو تقليد بسيط للغاية، دون إذن من النيابة العامة ودون الحق في إيقاف الأفراد وتفتيشهم ومنعاً لحرية الحركة والتنقل، ومنعاً للسير الطبيعي للحياة، يطلب منك المخبر أو ضابط المباحث بطاقة تعريفك الشخصية كي يتأكد أنك شخص صالح، عن طريق إرسال رقم البطاقة إلى ضابط مباحث يجلس أمام جهاز حاسوب به قاعدة بيانات أمنية، ليتأكد الجالس أمام الحاسوب أنك لست مطلوباً للجهات الأمنية لأي سبب كان. هذا الإجراء قد يأخذ منحى عنيفاً بعض الشيء إن قررت محاورة الضابط أو المخبر، فقد يجذبك الأخير من حزام الخصر المعقود حول بنطالك، أو من ياقة قميصك ويده تضغط على رقبتك كي لا ترفع رأسك، ثم يدس يده في جيبك ويخرج المحفظة، ويبدأ في فحص كافة محتوياتها.  

للأسف، ودون أسباب مقنعة، رفض جمهور الأهلي هدية سانتا كلوز، وقرَّروا عدمَ التشجيع، اعتراضاً على ممارسات رجال الأمن والمخبرين. وحاول رجال الأمن الشرفاء حثَّ الجماهير على التشجيع والتفاعل مع المباراة، لكن بلا جدوى. ليس هذا فحسب، بل تمادت الجماهير في فعلتها، وقرّروا مغادرة المدرجات والعودة من حيث أتوا، لكن قوات الأمن المركزي الباسلة، ومن ورائها جيش المخبرين والمباحث  تصدّوا لهذه المحاولات وأعادوا الجماهير إلى مقاعدهم مرة أخرى، تحت التهديد والوعيد. ومثل هذه الممارسات من طرف الجماهير إنما تدلّ على أن بعض القيم والممارسات السلبية والخطيرة ما زالت مستشرية في مجتمعنا المصري، على غرار الكبرياء والرفض والرغبة في التعبير عن الرأي بحرية، إلى آخر ما يهدد السلم الاجتماعي في مصر. 

هتافات جمهور الأهلي المصري في مباراة بلاتنيوم

وهذه الممارسات تنمّ أيضاً عن جهل عميق من طرف الجماهير المصرية بحقيقة الموقف وطبيعة المرحلة. ناديا الأهلي والزمالك وأي فريق آخر على الأراضي المصرية هي جزء لا يتجزأ من الدولة المصرية. ولا يوجد نادٍ أو مؤسسة قادرة على الاعتراض على قرارات وممارسات الدولة. ولا يوجد رئيس نادٍ مصري قادر على اتخاذ قرار ما دون موافقة الدولة على هذا القرار. والحديث عن رموز رياضية والبكاء على أطلال الماضي لن يفيد "كل وقت وله أذان". واستدعاء صورة الراحل صالح سليم لن يفيد، وليس ذا معنى، فالرجل لم يكن معارضاً للنظام، ولم يتجنَّ على الدولة حين قال: "الأهلي فوق الجميع". فالمعنى واضح، الأهلي فوق كافة الأندية المصرية، وهذه حقيقة لا تقبل النقاش.  

عزيزي المشجع الأهلاوي، لا تأمل أن يكون ناديك هو الاستثناء الذي سيفلت من قبضة الأمن المصري الحديدية. ولا تعتقد أنه قادر على أخذ قرار يتعارض مع توجهات الدولة والنظام، لأنه إن جرأ أحدهم على ذلك فستكون العقوبة غليظة، وستطال الجماهير والنادي على حد سواء.

أعلم مقدار ضعفك وحزنك وشعورك بالهوان عزيزي المشجع، وأعلم مقدار رغبتك المستميتة في أن يغادر الأمن المدرجات في أقرب وقت. وأنك تحلم في بعض الأحيان وتود أن تصدح برأيك في المدرجات كما اعتدت. لكن وللأسف الشديد هذا لن يحدث، على الأقل في المستقبل القريب. وإن عادت الجماهير فستكون تحت مراقبة وإدارة وتوجيه الأمن، ستكون عبارة عن "شبه جمهور"، حالة مسخ لا طعم لها سوى الذل والهوان. رغبتك في أن تعود الكرة المصرية مثلما كانت هي مجرد تمنٍّ، والتمني في اللغة العربية عبارة عن رغبة في حدوث شيء مستحيل، والمستحيل لن يحدث، ولّى زمن المعجزات. نجحت الدولة في إبعاد الجماهير عن الملاعب وإفراغ حالة الكرة المصرية من أي قيمة كانت تحملها فنياً أو اجتماعياً. في الماضي القريب كانت كرة القدم ومدرجاتها وجماهيرها وسيلة للتغيير المجتمعي، لكن التغيير غير مناسب لكل من يديرون الدولة المصرية. 

نتخيل حزنك، باعتبار أنك لا تطلب الآن سوى البسيط، الفتات، تطلب ما هو أمر بديهي في كل ملاعب العالم، وهو أن تشجع فريقك بحرية فقط، لكن للأسف هذا لن يحدث، وأرسلت الدولة المصرية رسائلها بخصوص ذلك بوضوح شديد في مجزرتي بورسعيد والدفاع الجوي، اللتين كانتا فارقتين في تاريخ كرة القدم المصرية التي تغير وجهها للأبد ولن تعود كما كانت. لذا، أرجو أن تتوقف عن الشعور بالدهشة والمفاجأة في كل مرة تتكرر فيها مثل هذه الأحداث.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

آمنة أيمن
كاتبة رياضية
كاتبة رياضية
حذيفة حمزة
كاتب ومحرر
محرر، وباحث في علم الاجتماع الرياضي
تحميل المزيد