الصين أكبر بلد في العالم من حيث التعداد السكاني، وثاني أكبر اقتصاد في العالم، وصاحبة التاريخ والحضارة العريقة، إذ تعد من أقدم الحضارات منذ خلق الله الدنيا وما عليها، تختلف الأديان فيها والأجناس والمناطق، فكيف لبلد كهذا أن يضطهد طائفةً لا تقل عن الـ20 مليوناً من أصل مليار؟
لماذا أصلاً تُوليهم اهتماماً أو تقتلهم؟
وماذا يضرها لو عاش التركمان والتبت وإقليم هونغ كونغ الراغب في الانفصال؟
تخيلوا أنني قرأت لأحدهم قبل أيام: "إنكم لا تتعاطفون مع المسلمين بقدر تعاطفكم مع الولايات المتحدة التي دخل رئيسها حرباً اقتصادية ابتزازية مع بكين، ولأن الدين أفيون الشعوب ووقود، فقد ظهر اللاعب مسعود أوزيل، والله أعلم بنواياه، وظهر الهاشتاغ الممول "#الصين_بلد_إرهابي_تقتل_مسلمي_الإيغور"، وظهرت الصور والفيديوهات، التي بالطبع نشكُّ في تاريخها ومكان وقوعها ومرورها بفرق المونتاج.
ونزيدكم من الشعر بيتاً، أن الهاشتاغ ظهر بالتزامن مع القمة الإسلامية المصغرة في كوالالمبور، وهو محاولة لإظهار ضعف المنظمة الإسلامية الأم، حتى يلتحق الناس كلهم بالقمة المصغرة.
إذاً القضية مسيّسة، ودوافع الناس في التعاطف مع مسلمي الإيغور ليست بريئة براءة الذئب من دم سيدنا يوسف، ولا منطقية كحال منتقديها الذين يحكّمون العقل قبل القلب، ويناصرون طبعاً كلّ الأقليات التي تتعرض للظلم، سواء كانت مسلمة أو مسيحية أو يهودية أو بوذية"
وبقي أن نذكّركم أخيراً أن الكاتب ليس صينياً ولا شيوعياً ولا اشتراكياً.
إنه كاتب عربي، وينطق بالشهادتين، بل ودرس في أعلى الجامعات العربية، ومعه في ذلك الموقف أساتذة في حقوق الإنسان، وصحفيون وكُتاب عرب كبار، من مصر والإمارات وتونس وغيرها، من أكبر بلدان المسلمين، وعلى رأسها كُتَّاب من مهدِ النبوة، التي يُفترض أن تكون رأسَ الحربة في الدفاع عن المسلمين؛ المملكة العربية السعودية.
صدِّق أو لا تصدق أن بعضاً من المسلمين يدافعون عمّا تفعله الصين بأقلية مسلمة، ولأسباب أيديولوجية بحتة، ويدّعون أن الهجوم على الصين مُسيَّس، وتقف وراءه قوى تدعمها الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى رأسها التيار الإسلامي.
صدِّق أنَّ لاعب الأرسنال مسعود أوزيل إخوانيٌّ، وينتمي للتيار الإسلامي، وهو جاسوس أمريكي استخدمه ترامب في حربه الاقتصادية ضد الصين.
وصدِّق أنَّ الفنانة إليسا إخوانية، ومدعومة من واشنطن في حربها ضد الصين.
صدِّق كلَّ شيءٍ، لكن دعنا نحسبها بالمنطق، ونتحدث بعقلانية، كحال أنصار الثورات المضادة الذين غلب على بعضهم النقد الأعمى.
أولاً: حتى لو كانت هناك هجمة ضد الصين، والأمر مسيس وقديم.
فهذا ليس مبرّراً لما تفعله الحكومة الصينية ضد الإيغور، والفظائع التي حدثت يجب أن تتوقف، ويجب محاسبة المسؤول عنها.
لقد وقف العالَم بأسره ضد جرائم النازية بحقّ الأقلية اليهودية، ولا يزال ذلك اليوم المأساوي يُخلّد إلى يومنا هذا. وهناك دول عربية تُعاقَب بسبب ما يُسمّى بحقوق الأقليات المسيحية، وهناك دول تضطهد المسلمين، سواء في ميانمار كما يحدث للروهينغا، وكل الجرائم ضد الإنسان مدانة.
ثانياً: علينا الفصلُ بين المواقف السياسية والمواقف الإنسانية.
الإنسانية تقول ما لا ترضاه لنفسك لا يجب أن ترضاه لغيرك.. هل هناك أحد في العالم يتمنّى أن يُضطهد بسبب دينه أو شكله أو جنسه أو عرقه، وعلى ذلك قامت الأديان وحقوق الإنسان، فعلى أنقاض مذابح اليهود إبان الحرب العالمية الثانية قامت الأمم المتحدة.
وأما السياسة فمصالح وأيديولوجيات، ولها أوقاتها وميدانها، فموقف المتعاطفين هنا إنساني وليس سياسياً.
ثالثاً: الحرب الأمريكية الصينية التجارية قديمة، واشتدّ عودها مع نجاح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المثير للجدل، والمطلوب رأسه اليوم من قبل مجلس النواب، في فضيحة التجسس الانتخابي.
وكذلك مسألة اضطهاد الإيغور قديمة ومتكررة ، فلماذا اختار المروّجون للهاشتاغ هذا التوقيت إن كان الغرض تسييس القضية فالعام 2016 و2017 كانا شاهدَيْن على عملية اضطهاد مشابهة ضد الروهينغا في ميانمار، واتُّهمت الصين يومَها بمناصرة حكومة ميانمار ضد مسلمي الروهينعا.
وكان من الممكن جمع القضيتين وضرب الصين سياسياً، وذلك أشد عليها من ضربها الآن ومحاولة ابتزازها لأجل حاجة في نفس ترامب.
فالذين يقولون باستغلال القضية يُغيّبون القضية الفعلية "اضطهاد أقلية مسلمة" ويجرّدونها من معناها الإنساني، وما جدوى أن يكسب الإنسان العالم ويخسر نفسَه إن كان غرضه في قضية إنسانية سياسياً.
وفي النهاية إذا كانت القضية مسيسة فإنني أعترف بأنني عميل أمريكي، وقمت بمشاركة الهاشتاغ "#الصين_بلد_إرهابي_تقتل_مسلمي_الإيغور"، وذلك لدعم اقتصاد واشنطن، ولكي ينجح الرئيس الأمريكي في ابتزاز الصين قمتُ أيضاً بمشاركة قوى مسيّسة بمشاركة واشنطن في حربها وتشويه صورة الصين.
وربما هذا الردّ الساخر الذي وجدته مناسباً على أحد الكتاب العرب، المؤيد للسيسي وبشار الأسد، وهو الأنسب لكل الذين يستكثرون على الإيغور حقَّهم في تضامن، حتى ولو كان مسيساً.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.