"لم نعرف كيف نتغلب على ضغطهم العالي، كانت لديهم تسديدات ووقوف جيد فى وسط الملعب، لم تكن لدينا الاستمرارية في المباراة، قدم فريق ريال مدريد مباراة جيدة اليوم وبما أن نتيجة اليوم لن تؤثر على سُلم الترتيب فهذه النقطة جيدة".
- كانت هذه كلمات إرنستو فالفيردي مدرب برشلونة بعد لقاء الكلاسيكو.
هذه الكلمات من شأنها أن تعطينا ملخصاً عن كيف جرت أحداث المباراة ومن كان طرفها الأفضل بالرغم من انتهاء القمة بالتعادل السلبي.
أساليب متشابهة وأفكار مختلفة
تغييران فقط في تشكيلة الميرينغي عن مباراة فالنسيا التي سبقت الكلاسيكو بعودة فيرلاند ميندي على الرواق الأيسر بدلاً من ناتشو، ودخول كاسيميرو في وسط الملعب بدلاً من لوكا مودريتش. على الجانب الآخر شهدت تشكيلة برشلونة غياب بوسكيتس وتعويضه بروبيرتو وعودة سيميدو على الجانب الأيمن كأبرز اختلافات تشكيل كتيبة فالفيردي عن مباراته السابقة أمام ريال سوسيداد.
بدأ فالفيردي المباراة برسم تكتيكي 4/3/3 ولكنه يتحول إلى 4/4/2 دياموند، تير شتيغن في حراسة المرمى، بيكيه ولونجليه في قلب الدفاع، نيلسون سيميدو على اليمين وجوردي ألبا على اليسار، وراكيتيتش في وسط الملعب وأمامه دي يونغ وسيرجيو روبيرتو، ميسي صانع ألعاب، خلف سواريز وغريزمان.
على الجانب الآخر لعب ريال مدريد برسم مشابه لما لعب به الفريق الكاتالوني، كورتوا في حراسة المرمى، راموس وفاران قلبا دفاع، كارفاخال على اليمين وميندي على اليسار، كاسيميرو في وسط الملعب وأمامه فالفيردي وكروس، إيسكو صانع ألعاب، خلف الثنائي كريم بنزيما وغاريث بيل.
اعتمد زيدان على الضغط المتقدم منذ بداية المباراة ليمنع برشلونة من الخروج بالكرة بأريحية من مناطقهم الخلفية، ولعب بنظام الرقابة "رجل لرجل" في منتصف الملعب بالتحديد مع دي يونغ ويعزله عن باقي الفريق ويعوق من قدرته على الربط بين خطوط برشلونة. وهو ما أجبر مدافعي البلوغرانا على لعب الكرات الطولية للتغلب على هذا الضغط، وهذا ما أعطى أفضلية لكل من راموس وفاران فى التعامل مع هجوم برشلونة واحتواء سواريز وغريزمان.
بنى زيدان تكتيكه على الزيادة العددية في وسط الملعب لتقليل الفراغات بين لاعبيه للحد من خطورة الثنائي ميسي وغريزمان ما بين الخطوط، وغلق الأطراف لمنع انطلاقات سيميدو وجوردى ألبا. ومع نجاح فريقه في الصراعات الثنائية والحصول على الكرة الثانية واسترجاع الكرة من غريمه بشكل سريع للغاية، لم يكسر نجاح استراتيجية زيدان سوى لحظات عبقرية من ميسي كانت مصدر خطورة برشلونة الوحيد طوال الـ90 دقيقة. إذ جاءت 75% من لمسات الأرجنتيني للكرة في منطقة وسط الملعب وبالرغم من أنه نجح في إكمال 8 مراوغات، أكثر من أي لاعب آخر، إلّا أن جميعها كانت في وسط الملعب. لكن فرصتي التسجيل الوحيدتين اللتين أتيحتا لبرشلونة كان وراءهما مراوغات الساحر الأرجنتيني، في المرة الأولى أهدر ألبا الفرصة وفي الثانية لم يحالف ليو الحظ في وضع الكرة في الشباك.
في الشوط الثاني، استمر زيدان على نفس النهج، ضغط متقدم وزيادة عددية فى وسط الملعب مع عزل مفاتيح لعب برشلونة عن باقي الفريق. قد يكون تأخر قليلاً في إجراء التبديلات وأجّل مغامرته الهجومية إلى الـ10 دقائق الأخيرة من عمر المباراة، عندما أخرج فالفيردي وإيسكو وأشرك بدلاً منهما مودريتش واليافع البرازيلي رودريغو ليتحول الرسم التكتيكي إلى 4/3/3.
مفاجآت فالفيردي غير السارة
غياب بوسكيتس وتعويضه براكيتيتش كلاعب ارتكاز "ريجيستا" على الدائرة كانت أولى مفاجآت فالفيردي، حيث كان من الطبيعي أن يقوم فرينكي دي يونغ بهذا الدور لاعتياده على القيام به مع ناديه السابق أياكس. تبديل المراكز بين الثنائي جعل من دي يونغ تائهاً بسبب الرقابة الشديدة التي فرضت عليه. ولم تظهر خطورته إلّا في لقطات نادرة طيلة المباراة. حتى مع اعتراف فالفيردي بصعوبة تدرج فريقه بالكرة ولكنه لم يفكر أبداً في التبديل بين مركزي هذا الثنائي أو الاستعانة ببوسكيتس من على مقاعد البدلاء لحل تلك المعضلة.
اعتماد فالفيردي على سيرجي روبيرتو في وسط الملعب كان ثاني مفاجآت المدرب الإسباني. من المعروف أن سيرجي روبيرتو لاعب وسط ملعب ولكنه منذ تصعيده للفريق الأول لم يلعب في هذا المركز سوى مرات معدودة. وجرى العُرف بين مدربي البرسا أن يتم الاعتماد عليه كظهير أيمن، المغامرة بالبدء به كوسط ملعب في الكلاسيكو لم تقدم أي حلول هجومية أو دفاعية لفريق فالفيردي. بل على العكس تماماً زادت من الطين بلة وفقد الفريق السيطرة تماماً على وسط الملعب حتى نزول التشيلي فيدال الذي أعاد لوسط ملعب برشلونة الكثير من التوازن الذي غاب عنه قبل نزوله كما أصبح أكثر شراسة في الثنائيات والتحولات. التحولات التي اعتمد عليها فالفيردي بشكل كبير في الشوط الثاني أمام استحواذ ريال مدريد على منطقة الوسط. كل هذا فعله نزول هذا التشيلي الذي بات أمر غيابه عن التشكيل الأساسي للبلوغرانا عجيباً وغير مفهوم.
مع انعدام الحلول، فجر فالفيردي مفاجأة أخرى وهي الاعتماد على التحولات، ولكن كسابقتيها من المفاجآت لم تحقق تلك الفكرة أي نجاح هي الأخرى. فكيف يمكنك الاعتماد على التحولات في ظل وجود مهاجم لا يستطيع الركض مثل سواريز، وبدون أجنحة صريحة مع تواجد أظهرة لا تجيد التصرف في الكرة هجومياً.
غريزمان على خطى كوتينيو؟
عندما تعاقد برشلونة مع كوتينيو، كان البرازيلي نجم فريقه الإنجليزي وكان يقدم هناك في الأنفيلد وغيره من الملاعب البريطانية مستوى مميزاً للغاية كصانع ألعاب لعملاق الميرسيسايد. وصل لبرشلونة في شتاء 2018، ولكن في كتالونيا يقوم ميسي بنفس الدور. فما كان من فالفيردي إلا أن وظف كوتينيو كجناح أيسر. ذلك المركز الذي لم يلعب فيه البرازيلي سوى في بداياته مع إنتر ميلان فقط، ليس هذا فقط بل كان يطالبه فالفيردي بأدوار دفاعية أيضاً في وسط الملعب لتغطية عدم تراجع سواريز وميسي في حالات فقدان الكرة. مركز لا يجيد فيه مع تعليمات دفاعية إضافية كانت من أسباب ضعف مستوى كوتينيو مع برشلونة طيلة موسم ونصف.
في الصيف الماضي تعاقد برشلونة مع غريزمان، اللاعب الذي كان يشكل القطعة الهجومية الأكثر فاعلية في هجوم أتليتكو مدريد، والذي لطالما اعتمد عليه سيميوني كمهاجم متأخر خلف المهاجم الصريح أو كمهاجم صريح في كثير من الأحيان، وكذلك أيضاً اعتمد عليه ديدييه ديشامب مع منتخب الديوك الفرنسية. لكن هنا في برشلونة لا يلعب كمهاجم بسبب وجود سواريز، ولا يلعب كمهاجم متأخر لأن مهامه وتحركاته ستتعارض مع مهام ميسي وتحركاته، ومع عدم قدرة فالفيردي على إخراج سواريز من الملعب لأسباب مبهمة رغم أنه يقدم مستويات سيئة هذا الموسم. فطن المدرب الإسباني إلى مركز جديد للفرنسي، بالطبع جناح أيسر، مع نفس التعليمات الدفاعية أيضاً، وبالتالي كما كوتينيو يظهر غريزمان بدون دور واضح تماماً، وبدون تأثير حقيقي حتى الآن مع البلوغرانا.
في مباراة الكلاسيكو، لمس غريزمان الكرة (52) مرة، ثماني مرات فقط كانت داخل منطقة جزاء ريال مدريد وبالطبع الجانب الأكبر كان في منطقة وسط الملعب.
على فالفيردي إيجاد حل لهذه المعضلة سريعاً إذا أراد أن يستفيد من إمكانيات أنطوان غريزمان الهائلة وإلا فإنه سيخسر لاعباً آخر من طراز رفيع، كما خسر من قبل كوتينيو إذا استمر على نفس هذه الوضعية.
*ملحوظة هامة: أفضل مباراة خاضها غريزمان مع برشلونة كانت أمام ريال بيتيس، عندما سجل هدفين وكان أفضل لاعب في المباراة. لعب يومها في مركز المهاجم الصريح.
هل افتقد زيدان كريستيانو رونالدو؟
تتمثل خطورة بنزيمة كعادته في تحركاته حول صندوق العمليات، إذ يقوم بسحب مدافع الخصم معه ليخلق فراغات يتحرك بها القادمون من الخلف، يساعده فى ذلك تقارب المسافات بينه وبين إيسكو من جهة وبينه وبين غاريث بيل من جهة أخرى. لكن الزيادة العددية للاعبي وسط ملعب ريال مدريد مع ضعف القدرات التهديفية لهؤلاء اللاعبين جعلت العمق الهجومي عقيماً ومفتقداً لمهاجم ثان بشدة. صحيح أن ريال مدريد تفوق على مستوى اللعب والسيطرة على مجريات الأمور وبالرغم من أن عدد تمريرات ريال مدريد في الثلث الأخير من الملعب وصل إلى ( 171 تمريرة) إلا أنه بسبب ضعف العمق الهجومي للفريق الملكي تشعر بقلة الحيلة وأنت تجد الكرة تذهب من اليمين إلى اليسار ثم تعود من اليسار إلى اليمين مرة أخرى وهكذا دواليك دون هدف أو فائدة ترجى. وبالتالي لم يكن أمام الميرينغي سوى التسديد من خارج منطقة الجزاء (47% من تسديدات ريال مدريد جاءت من خارج منطقة الجزاء) أو من الكرات الثابتة لتشكيل خطورة على مرمى الحارس الألماني.
هنا دعونا نتذكر دور كريستيانو رونالدو مع المدرب زيدان، وبالتحديد كيف كان يستخدمه داخل منطقة الجزاء ويعتمد على تحركات بنزيمة لخدمة البرتغالي. وكيف كان البرتغالي حاسماً في كثير من المباريات والبطولات في آخر مواسمه مع فريق العاصمة الإسبانية.
تفوق تكتيكي واضح لمدرب ريال مدريد الفرنسي كعادة زياراته الأربع السابقة إلى الكامب نو، وأصبح أول مدرب فى تاريخ ريال مدريد يخرج من معقل البلوغرانا التاريخي بدون هزيمة في 5 مباريات متتالية. في مقابل عجز تام من فالفيردي كعادته في المباريات المهمة والتي تتطلب تدخلاً مباشراً منه كمدرب، ومن المرات النادرة منذ زمن بعيد أن نشاهد برشلونة فريقاً مستأنساً بدون أنياب.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.