هل سترسل تركيا قوات عسكرية إلى ليبيا؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/12/18 الساعة 16:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/12/18 الساعة 16:47 بتوقيت غرينتش
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان

قبل عدّة أيام، فاجأ الرئيس التركي الجميع عندما قال إنّ بلاده مستعدة لإرسال قوات تركية إلى ليبيا إذا ما طلبت منه طرابلس ذلك، مشيراً إلى أنّ أنقرة ستتّخذ قرارها حينها دون الرجوع إلى أي أحد.

وأضاف أردوغان في لقاء له مع إحدى القنوات التركية: "إنّ حصول مثل هذا الأمر لا يتعارض مع الحظر الذي تفرضه الأمم المتّحدة على ليبيا"، وهو أمر صحيح، على اعتبار أنّ نصّ الحظر لا يشير إلى هذا الاحتمال، وهي ثغرة تسعى تركيا على ما يبدو إلى استغلالها في وجه ردود الأفعال المتفاقمة إزاء مذكرتي التفاهم الأمنيّة والبحريّة اللتين تمّ توقيعهما مع حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً نهاية الشهر الماضي. 

رسالة ردع

ويعكس هذا التصريح أيضاً مخاوف من إمكانية اشتداد الضغوط الإقليمية والدولية على حكومة الوفاق الوطني، لاسيما بعد قيام أثينا بطرد السفير الليبي لديها، وتهديد بعض الدول العربية بالعمل على سحب الشرعية الدولية من هذه الحكومة، نكاية في الاتفاق الذي أبرمه السرّاج مع تركيا. مواقف بعض الدول العربية بالتحديد تشير إلى إمكانية أن تكثّف الأخيرة دعمها لأمير الحرب الجنرال خليفة حفتر، على أمل أن يستطيع الإطاحة بحكومة الوفاق الوطني، ويتم التخلّص بالتالي من الاتفاقات المبرمة مع أنقرة، من خلال لعبة داخلية ليبيةـ ليبية، تدفع عنهم التهم بتدخل خارجي. 

إمكانية حصول مثل هذا الأمر تبقى قائمة من الناحية النظرية، إلا أنّ فشل حفتر خلال الأشهر الثمانية الماضية في إنجاز ما وعد بإنجازه في عدّة أيام، يشير إلى أنّ حظوظه أصبحت شبه معدومة، لاسيما بعد الموقف الأمريكي الذي وجّه له إنذاراً علنياً بضرورة إيقاف عمليته العسكرية ضد طرابلس. وبالرغم من ذلك، فإنّ تصريحات الجانب التركي يمكن فهمها على أنّها رسالة ردع لكل من يفكّر بإمكانية حصول مثل هذا السيناريو. 

ويرسم تصريح أردوغان معادلة جديدة، مفادها أنّ استمرار تدفق السلاح والدعم غير الشرعي لشخصية لا تتمتع بأي صفقة قانونية في ليبيا من أجل الإطاحة بالحكومة الشرعية، من شأنه أن يدفع تركيا إلى إرسال قوات عسكرية للدفاع عن الحكومة الشرعية. وبهذا المعنى، يوفّر الجانب التركي المزيد من الخيارات لحكومة الوفاق الوطني، لتدعيم موقفها سياسياً وعسكرياً على الأرض، وتعزيز أوراقها كذلك، لاسيما قبيل المؤتمر المزمع عقده في ألمانيا لمناقشة الملف الليبي.

ردود استعراضية

ردَّت الدول الداعمة لحفتر، من خلال تصريحات هزليّة لرجاله. اللواء فرج المهدوي على سبيل المثال، قال إنّ قواته ستتعامل بقوة مع أي سفينة تركية تقترب من السواحل الليبية، مشيراً إلى أنّ "الأوامر التي صدرت لقواته تقضي بتدمير وإغراق أي سفينة تركية تقترب من السواحل الليبية"، ومؤكداً في نفس الوقت على أنّ قوات حفتر "عاقدة العزم على عدم السماح بتنفيذ اتفاق أنقرة مع حكومة الوفاق، بشأن تعيين الحدود البحرية، وإنشاء منطقة اقتصادية في شرق المتوسط".

تدخل مثل هذه التصريحات الصادرة عن قوات حفتر في إطار الاستعراض الإعلامي، فهي لا تمتلك قوّة تخوّلها مواجهة القوات التركية فضلاً عن تدمير سفنها، لكنّها تشير بالتأكيد إلى أنّ الأطراف الداعمة لحفتر منزعجة من الخطوة التركية التي خلطت الأوراق في شرق البحر المتوسط، بعد أن كان يعتقد تحالف دول اليونان وقبرص اليونانية ومصر وإسرائيل أنّه نجح في عزل تركيا.

ومع أنّ احتمالات إرسال أنقرة قوات عسكرية إلى ليبيا لا يزال ضعيفاً الآن ويدخل أكثر في إطار استعراض أوراق القوة الموجودة لديها، وردع محاولات الإطاحة بحكومة الوفاق الوطني وتصفير المعادلة من جديد، إلا أنّه لا يمكن استبعاد حدوث مثل هذا الأمر، في حال تلقّت أنقرة فعلاً طلباً رسمياً من حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً، لإرسال قوات عسكرية تركية لدعمها.

التطورات التي خبرناها خلال السنوات الماضية تشير إلى أمرين: الأوّل هو أنّ تركيا -وبخلاف معظم الدول الإقليمية الأخرى- مستعدّة لاستخدام قواتها العسكرية وقدراتها الدفاعية، إذا ما تطلّب الأمر ذلك، في إطار حماية مصالحها القومية. 

أمّا الأمر الثاني والذي لا يقل أهمّية عن الأول فهو أنّ الجانب التركي يحاول أن يرسم لنفسه سمعة الحليف الذي لا يتنازل عن حلفائه في المنطقة، وهو أمر أساسي وحيوي في سياق بناء التحالفات الإقليمية وصناعة النفوذ وتأكيد المصداقية الردعيّة للقوة الصلبة أيضاً. ولذلك، فإن التهديد التركي بإمكانية إرسال قوات في حال طلب حكومة الوفاق الوطني ذلك لا يجب أن يُفهم على أنّه مناورة، بقدر ما هو رسالة تهدف إلى ردع الآخرين عن القيام بأي مغامرة من شأنها أن تزيد الأوضاع سوءاً.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علي حسن باكير
كاتب سياسي
كاتب سياسي
تحميل المزيد