من المؤكد أنّ الجمهور الرياضي الواسع يعرف الكثير عن بعض اللاعبين العرب المتألقين بأوروبا، على غرار المصري محمد صلاح والجزائري رياض محرز والمغربي حكيم زياش وربما أشرف حكيمي. ولكنه يمتلك معلومات محدودة عن لاعبين آخرين بدأوا يصنعون لأنفسهم اسماً في ملاعب القارة العجوز ويسيرون بخطوات ثابتة نحو النجومية العالمية، كالجزائري رامي بن سبعيني، مدافع نادي بوروسيا مونشنغلادباخ، المتصدر الحالي للدوري الألماني لكرة القدم.
نعم.. ولمن لم يكن يعرف هذا الأمر من قبل، فإنّه يوجد لاعب دولي جزائري ينشط ضمن متصدر مسابقة "البوندسليغا"، بروسيا مونشنغلادباخ وقد صنع الحدث وخطف جميع الأضواء بألمانيا في الأسبوع الماضي، عندما قاد فريقه لتعزيز مركزه القيادي بتسجيل هدفي الفوز على حامل اللقب العملاق بايرن ميونيخ.
وما يزيد من إثارة المَشهد (وليس المُشاهد) أنّ رامي بن سبعيني لا يعتبر مهاجماً بل ينشط في خط الدفاع، كما أنه وبخلاف معظم اللاعبين الجزائريين المحترفين، قد تخرج من الدوري الجزائري وليس من المدارس الكروية للأندية الأوروبية العريقة. وهذا ما سنكتشفه من خلال استعراض المشوار الرياضي لمدافع "محاربي الصحراء"، والذي يمنح الأمل والتفاؤل في النجاح لكل شاب موهوب وطموح.
الأصول والعودة للجذور
ولد رامي بن سبعيني يوم 16 أبريل/نيسان 1995 بمدينة قسنطينة، على بعد 430 كلم شرق الجزائر العاصمة، وقد بدأ ممارسة رياضة كرة القدم وهو في العاشرة من عمره، ضمن مدرسة أعرق وأكبر ناد بالمدينة، ونعني به شباب قسنطنية، قبل أن يغادره بعد ذلك بسنتين ليلتحق بأكاديمية نادي بارادو في عام 2007، حيث بقي إلى غاية 2014.
نحتٌ في الصخر
في موسم 2013 – 2014، و بالموازاة مع نشاطه ضمن الفريق الأول لنادي بارادو، في دوري الدرجة الثالثة الجزائري، قام بن سبعيني بعدة تجارب فنية مع أندية أوروبية كبيرة محاولاً الانضمام لأحدها، على غرار نيس الفرنسي وبورتو البرتغالي وآرسنال الإنجليزي. ولكنه تعاقد مع نادي ليرس البلجيكي في نهاية المطاف على سبيل الإعارة لموسم واحد، ثم انضم في الموسم الموالي ( 2015-2016) لنادي مونبيلييه الفرنسي على سبيل الإعارة مع بند أحقية الشراء بعد تقديمه موسماً غاية في الروعة رفقة ليرس.
وعلى الرغم من خوضه لـ25 مباراة رسمية مع مونبيلييه إلّا أنّ مسؤولي هذا النادي لم يقتنعوا بما فيه الكافية لتفعيل بند شراء عقد بن سبعيني، فاستغل نادي رين الفرنسي الفرصة للتعاقد مع رامي لمدة 4 سنوات، في يوليو/تموز 2016، مقابل 2 مليون يورو، وذلك بطلب من مدرب الفريق، كريستيان غوركوف، الذي يعرف جيداً قدرات ابن مدينة قسنطينة، بحكم إشرافه عليه لما كان على رأس الجهاز الفني لمنتخب الجزائر، والذي كان أول من استدعاه للمنتخب الوطني في نوفمبر/تشرين الثاني 2015.
تألق بن سبعيني بشكلٍ لافتٍ مع نادي رين حيث شارك معه في 98 مباراة رسمية خلال 3 مواسم، سجل خلالها 3 أهداف ونال معه كأس فرنسا لموسم 2018- 2019، بعد فوز مثير بركلات الترجيح في اللقاء النهائي على نادي باريس سان جيرمان، ليودع بذلك اللاعب الجزائري الشاب الدوري الفرنسي من الباب الواسع نحو دوري من مستوى أعلى، ونعني به الدوري الألماني وبالضبط نحو نادي بروسيا مونشنغلادباخ الذي تعاقد معه يوم 14 أغسطس/آب، لمدة أربع سنوات مقابل 8 ملايين يورو.
ولم يتأخر بن سبعيني في فرض وجوده ضمن تشكيلة نادي بروسيا مونشنغلادباخ وكواحد من النجوم الواعدين للدوري الألماني، حيث اختير، كأفضل لاعب في الجولة الـ14 من مسابقة بالبوندسليغا بعد تسجيله لهدفي انتصار فريقه على بايرن ميونيخ، الأول برأسية خادعة في الدقيقة الـ60 والثاني بركلة جزاء في الدقيقة الـ90.
ويبدو أن رامي قد كسب ثقة أكبر في النفس بعد مساهمته في تتويج منتخب بلاده بكأس أمم إفريقيا لكرة القدم التي جرت بمصر من 21 يونيو/حزيران إلى 19 يوليو/تموز من السنة الجارية، حيث اعتمد عليه الناخب الوطني الجزائري جمال بلماضي في مركز ظهير أيسر على الرغم من أنّ المنصب المفضل لرامي هو مدافع أوسط، ما يؤكد التكوين الجيد للاعب ضمن مختلف الأندية التي مر عليها ومن بينها طبعاً نادي بارادو الجزائري.
الأكاديمية.. استثمار ناجح مادياً ورياضياً
ويؤكد نجاح رامي بن سبعيني في أوروبا أنّ الدوري الجزائري لكرة القدم لا يزال يتوفر على المواهب الواعدة ويحسن، ولو نسبياً، تكوينها وتطويرها وخاصة في حال توفير الإمكانيات المادية والتجهيزات اللازمة، على غرار أكاديمية نادي بارادو التي نجحت في تصدير 6 لاعبين إلى أوروبا في الأعوام الخمسة الماضية، وهم بالإضافة لرامي، كل من يوسف عطال وهشام بوداوي ( نيس الفرنسي)، فريد الملالي وهيثم لوصيف (أنجي الفرنسي) وزكريا نعيجي ( جيل فيسنتي البرتغالي). مع ترقب رحيل لاعبين آخرين في الصيف القادم، أبرزهم الدولي الشاب آدم زرقان، البالغ من العمر 19 عاماً، الذي يتواجد ضمن أجندة ناديي لايبزيغ الألماني وسالزبورغ النمساوي.
وكان بن سبعيني أحد الأطفال الصغار الذين دشنوا عام 2007 أكاديمية بارادو التي أسسها رئيس النادي خير الدين زطشي، وهو أيضاً الرئيس الحالي للاتحاد الجزائري لكرة القدم، والذي كلف مهمة الإشراف عليها للاعب الدولي الفرنسي السابق جان مارك غيو، المعروف بخبرته الواسعة في تكوين اللاعبين، حيث أشرف على العديد من أكاديميات كرة القدم بفرنسا وإفريقيا.
ويمكن القول أنّ "مغامرة" زطشي التي بدأها قبل 12 سنوات، واستثماره في الأكاديمية كانت ناجحة حيث بدأ يجني ثمارها مادياً ورياضياً، إذ وبالإضافة للعوائد المالية من تصدير اللاعبين إلى أوروبا أو تحويلهم لأندية جزائرية اخرى، فإنّ نادي بارادو الذي ينتمي لحي صغير بأعالي الجزائر العاصمة، يشارك في الموسم الجاري ولأول مرة في تاريخه في مسابقة كأس الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، بفضل احتلاله في الموسم الماضي للمركز الثالث في الدوري الجزائري، كما أنّ 3 لاعبين من خريجي الأكاديمية، شاركوا في تتويج الجزائر بلقب كأس أمم إفريقيا الأخيرة بمصر، وهم بن سبعيني وعطال وبوداوي.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.