أردوغان يُعيد لمصر ما سلبها إياه السيسي.. كيف سيعود لمصر حقها بعد اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/12/12 الساعة 14:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/12/12 الساعة 14:38 بتوقيت غرينتش
اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا

يبدو أن اتفاقية "ترسيم الحدود البحرية" التي تمت مؤخراً بين تركيا وليبيا قد ضربت بكل التوازنات الدولية، تماماً كما فعلت عملية "نبع السلام" العسكرية. وحين النظر إلى ردود الفعل إزاء الاتفاقية التي تمت بين دولتين ذواتي سيادة نجد أن لدى البعض معايير أخرى لمفهوم السيادة.

إن اليونان بقوّتها وتصريحاتها، إضافة للقوى التي تثق بها لن تجدي شيئاً أمام تركيا، ولذلك بقيت تصيح وتصرخ فحسب بوجه تركيا، إلا أن موقفها تجاه ليبيا كان مدهشاً. لقد قرَّرت طرد السفير الليبي في أثينا كردة فعل تجاه ليبيا، معتقدة أن حدوداً لها قد تم انتهاكها.

من الواضح للغاية أن ليبيا في النهاية قد وقَّعت على اتفاقية ترى من خلالها مصلحة الشعب الليبي بشكل كامل. إن ما تطلبه اليونان من ليبيا هو أن تتخلى عن مصالح شعبها لصالح اليونان.

إن اليونان التي تتوقع من ليبيا ما لا يمكن فعله من قبل أي نظام حكم مخلص لشعبه تحتاج إلى وجود علاقة خاصة بالأصل مع تلك الدولة، حتى تتوقع منها ذلك، لكن من الواضح أن اليونان لا ترغب في إقامة تلك العلاقة مع حكومة طرابلس الشرعية.

يبدو من الواضح أن سبب ذلك يعود إلى رغبة اليونان في رؤية الجنرال الانقلابي السابق حفتر زعيماً لليبيا. إنهم يريدون حاكماً لليبيا لا يعبأ بمصالح الشعب الليبي، بل بمصالحهم فحسب، مهما كانت تلك المصالح مضرة للشعب الليبي.

تماماً كما أرادوا رؤية السيسي على رأس السلطة في مصر. نحن نعلم ذلك بالأصل، لكن الجزيرة نشرت وثائقيّاً يتحدث عن تخلّي السيسي عن 7 آلاف كيلومتر مربع من المنطقة الاقتصادية الخالصة لمصر في البحر المتوسط لصالح اليونان، لماذا يا ترى فعل السيسي ذلك وأظهر هذا القدر من الكرم والجود على حساب الشعب المصري؟

في الأمس كتب الأستاذ خير الدين كارامان مقالاً، قال فيه: إن السبب الحقيقي وراء ذلك هو رغبة رؤيتهم شخصاً انقلابيّاً كالسيسي على رأس مصر، بدلاً من رئيس منتخبٍ شرعيّاً من قبل الشعب مباشرة، كالرئيس الراحل محمد مرسي، الذي يحكم على أساس الشعور بالمسؤولية أمام شعبه في كل يوم وكل ساعة.

إن الأمر بسيط للغاية، الرئيس مرسي ينتمي للإخوان المسلمين، والإخوان هم إسلاميون، ومن ثم الإسلاميون لهم علاقة بالتطرف والإرهاب، وهذا كله أسطورة، وستستمر رواية هذه الأسطورة بما أنها تخدم سرقة ثروات مصر وليبيا.

إن الوثائقي الذي عرضته الجزيرة أظهر أنَّ وزير الخارجية المصري سامح شكري، الذي كان يُجري مفاوضات مع الجانب اليوناني حول ترسيم الحدود البحرية في المتوسط قد قدَّم بياناً للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي حول نتائج المفاوضات، وقد أوضح فيه أن هناك تعنتاً من قبل الطرف اليوناني، وأن مصر بذلك ستخسر 7 آلاف كيلو متر مربع من حقوقها في المنطقة الاقتصادية الخالصة لها بالمتوسط.

بل وعلاوة على ذلك، وعلى الرغم من أن شكري تم تعيينه من قبل السيسي ذاته، أوصى بضرورة رفض المقترح اليوناني، إلا أنّ السيسي أصرَّ على قبول مطالب اليونان، وهو ما يُثبت أنه يهتم لمصالح اليونان أكثر من كونه حاكماً لمصر. وبالتالي مع اعتماد المقترح اليوناني بهذا الخصوص فإن مناطق المياه التابعة لتركيا، التي تقع قبالة مصر، باتت ضمنيّاً عائدة لليونان.

في الحقيقة إن صلاحية تلك الاتفاقية (بين مصر واليونان) التي تجاهلت حقوق الشعب المصري، ظلّت مرهونة حتى انعقاد اتفاقية تركيا وليبيا. بالطبع حققت الاتفاقية التركية-الليبية مصالح البلدين معاً، بيد أن الاتفاقية التي وقَّعها السيسي باسم مصر، ويا لغرابة الأمر، قد منحت اليونانيين والقبارصة الروم طبقاً من الذهب، وحفظت مصالحهما. وبذلك تكون تركيا قد حقَّقت فرصة لمصر كي تعوض ما فقدته عبر تلك الاتفاقية التي تجاهلت السيسي. إن هذا غريب لكنه حقيقة، ربما السيسي ليس معنيّاً، إلا أن على الشعب المصري أن يقدِّر جهودَ تركيا التي أسهمت بها عبر هذه الاتفاقية.

أما نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض في تركيا، فإنه على الرغم من كل ذلك لا يزال يرى أن من الضروري تصحيح العلاقات مع السيسي والأسد. لماذا يا ترى؟ هل كي تقوم تركيا بتصحيح علاقاتها معهما، والخضوع لاتفاقيات مشابهة؟

ألا يمكننا رؤية تلك الأسماء؛ أي الأسد والسيسي، على أنهما قد باتا ديكتاتورين مفضّلَين؟ هذه الأسماء الديكتاتورية التي نتحدث عنها كديكتاتوريين "مفضلين" عبارة عن أشخاص تم تعيينهم لإنفاق موارد وثروات بلدانهم على الآخرين. أيّ المشاكل إذن يمكن أن تُحلّ عبر الاتفاق مع هؤلاء.

إن تركيا الآن تمثل مصالح شعبها، كما أنها أيضاً في الحقيقة تمثل مصالح شعوب تلك البلاد التي يحكمها أولئك الديكتاتوريون "المفضلون" الذين تم تعيينهم، إنها تمثل مصالح الشعوب أفضل من أولئك الديكتاتوريين بما لا يقاس.

اتبعوا ولو قليلاً سياسات تركيا الجديدة، وثّقوا تماماً أن ما ستتعلمونه من ذلك سيجعلكم تشعرون بضرورة التخلي عن سياستكم الخارجية إزاء أولئك الذين يرونكم "مفضّلين" بالنسبة لهم.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ياسين أقطاي
مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان
مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان