حين منعتني عمتي من الخروج مع أخي إلى الشارع.. كانت تلك البداية
صاحت في وجهي: لا يُمكنك اللَّعب في الشارع.. أنتِ فتاة
كان الجواب نفسه يتردد على مسامعي.. برّرت لي والدتي هذا بأنَّ في الشارع أشياء سيئة لذلك هي تخاف عليّ.
كان أخي يعود إلى البيت في الغروب.. أحياناً مصاباً والدماء تنهمر من جبينه أو ركبته.. كان يخبرني بكل فخر أنه تشاجر مع أحدهم..
أو أنَّهم ذهبوا لقطف العنب من حقل الجيران.. كيف اقتحموا الحقل.. وكيف تسلَّقوا الأشجار.. كيف لحقهم الجار وهو يهدِّد ويتوعَّد.. كان يقص تلك الحكايات في كل ليلة.. وكنت أفكر في شيء واحد.. لمَ يعيش أخي مغامرات شيّقة.. في المقابل يفترض بي الجلوس هنا في غرفتي واللَّعب بتلك الباربي الغبية!
تظن أمي بأن رؤيتي للكدمات والإصابات التي يتعرَّض لها أخي في الخارج هي تأكيد بالنسبة لي أنَّ الشارع مكان خطير..
لكنها لا تعلم. لا تعلم كم كانت تستهويني تلك الآثار.. كم تمنيت أن أحظى ببعض منها.
إلى اليوم جسد أخي يحتفظ بتلك الذكريات.. تحكي كل منها مغامرة تَسرد قصَّة..
كم تمنيت أنْ أحظى بقصة
لشارع تأثير كبير على ذواتنا، قد لا نُدركه سوى لاحقاً.. لم يعد الأمر بالنسبة لي مجرد مغامرة شيقة.. اليوم أراه عالماً كبيراً، مليئاً بالأشخاص، بالتجارب والحكايا.
عانيت في أول سنواتي الدراسية من التعامل مع أشخاص لا أعرفهم لم أكن أدرك حقيقة البشر.. كانت الانطوائية من أبرز صفاتي، كذلك قلة الثقة بالنفس والخوف من كل شيء حتى من إلقاء التحية على زميلاتي.
بعكس أخي الذي كان يتحلَّى بشعبية كبيرة في مدرسته، لديه الكثير من الأصدقاء وأيضاً يشارك في جميع الأنشطة المدرسية في كل عام..
رأيت تأثير الشَّارع والقوة التي منحه إياها ليثق بنفسه ويجرب أي شيء بعبثية دون اكتراث..
لا أقول هذا لأنني أرى الشارع مكاناً خالياً من السلبيات، بالتأكيد لا فهو أيضاً له عدة جوانب، أفكر لو أصبحت لدي ابنة في يوم ما هل سأسمح لها باللعب في الشارع؟
أجل، أظنني سأوافق مع وضع الكثير من الشروط والاهتمام بمراقبتها كي لا تتعرض لأي سوء.. حتماً لن أغلق عليها جميع الأبواب كما حدث معي.
نحن بحاجة لأن نشرع أبواب مخاوفنا ونواجه حقيقة الأشياء على ما هي عليه، الخوف يعيق الكثير منّا يحول بيننا وبين حريتنا أحياناً، والتلذذ بالحياة في أحيانٍ كثيرة.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.