يعتبر التخطيط الاستراتيجي أحد أهم أنواع التخطيط طويل المدى، والذي يعد ركن الانطلاق للمؤسسات. فعبر وضع استراتيجية شاملة سعياً منها للتوجه نحو الوضع المأمول الوصول إليه وتحقيق الأهداف المنشودة، عن طريق استغلال ما تتمتع به من سمات وخصائص تميزها عن غيرها من المؤسسات. ولقدرته على وضع المؤسسات في موضع المنافسة والتميز عن مثيلتها من المؤسسات الأخرى، ولحاجة الجامعات العربية لمثل هذه الرؤية والأداة أصبحت الحاجة للتخطيط الاستراتيجي المستقبلي حاجة ماسة ومسألة وجود لا يمكن إهمالها أو تأجيلها إلى حين. فإذا كان التخطيط في جامعاتنا العربية قوياً مبنياً على أسس سليمة ورؤى واضحة ضمن رؤية ورسالة وأهداف استراتيجية واضحة فإن المخرجات سوف تلبي الطموحات المنشودة وتخدم عملية التنمية المستدامة أسوة بالجامعات العالمية الريادية.
في ظل الظروف المتغيرة والعاصفة بالجامعات العربية التي تتميز بعدم الاستقرار وتسارع وتيرة التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، وتراكم الأزمات، مضافاً إليها الفجوة الكبيرة في العلوم والتقنيات يصبح لزاماً على الجامعات العربية أن تعتمد التخطيط الاستراتيجي المستقبلي باعتماد أسلوب إداري هادف وواع يمكنها من تجاوز واقعها المثقل بالكثير من التحديات، وينقلها إلى مرحلة متقدمة تمكنها من زيادة فرص بقائها ونموها وتطورها في تحقيق أهدافها وضمان قيامها بالأدوار المناطة بها على أفضل وجه.
بالنظر إلى الجامعات العالمية الرائدة في مجال التخطيط الاستراتيجي نجد الممارسة الواقعية التي يتم بواسطتها تصور وتخيل مستقبل المؤسسة، والتي يتم من خلالها تحديد رسالتها ووضع أهدافها واستراتيجياتها، واتخاذ القرارات الخاصة بتطوير العمليات والإجراءات التي تسعى إلى تحقيق هذا المستقبل، ضمن برامج زمنية مستقبلية محددة يتم تنفيذها ومتابعتها بشكل دقيق.
إن دعوتنا للتخطيط الاستراتيجي المستقبلي ضرورة، وليست ترفاً نظراً لأنه يرفع الكفاءة والفاعلية المتنامية للجامعات، وهذا ما خرجت به أحدث الدراسات العالمية في معظم المؤسسات العالمية التي تستخدم التخطيط الاستراتيجي منهجاً ومرشداً في عملياتها المستمرة.
إن التخطيط الاستراتيجي المستقبلي لجامعاتنا العربية هو إدارة التغيير بأجمل وأبهى صورة للخروج من الأزمات كافة، فالتخطيط طويل المدى يعني تخطيطاً تشغيلياً وهو جزء من التخطيط الاستراتيجي ونتاج لهذه العملية، وهو برمجة للنشاطات والمشاريع والبرامج التي تساهم في الوصول إلى الأهداف الاستراتيجية الموضوعة.
إذاً التخطيط الاستراتيجي كعملية ليس مهمة بسيطة يتم اعتمادهاً قولاً ومنهجاً بشكل سهل من قبل الجامعات العربية، وإنما إشراك وجمع لمجموعة مركبة من الخيوط والتحليلات للظروف التي تواجهها جامعاتنا، وهو تحديد هوية شاملة وترسيم الرؤية للمستقبل، وانتقاء الخيارات الاستراتيجية ووضع دلائل للنشاط والفعل.
إن قيادة الجامعات العربية ومجالسها المختلفة مطالبة بالتحليل الاستراتيجي الشامل للقوى البيئية المحيطة بالمؤسسة، لأهمية تأثيره على أهدافها وأنشطتها، فهو مجموعة أدوات تستخدمها الإدارة الاستراتيجية لتشخيص مدى التغير الحاصل في البيئة الخارجية وتحديد الفرص والتهديدات بشكل يساعد في تحقيق العلاقة الإيجابية بين التحليل الاستراتيجي للبيئة وتحديد أهداف المؤسسة وتحديد الاستراتيجية المطلوبة.
إننا بحاجة ضرورية لتوفير إدارة وعاملين قادرين على تنفيذ الخطط الاستراتيجية المستقبلية، وتحديد الخبرات المطلوبة للعمل، ودراسة الخبرات المتوفرة بالجامعات ومقارنة الخبرات المتوفرة بالخبرات المطلوبة وتحديد ما إذا كان سيتم الاعتماد على الخبرات المتوفرة أو ستتم الاستعانة بها من الخارج.
كما أن القيادة الجامعية مطالبة بشكل مستمر بعملية مراجعة سنوية وتطوير وتعديل للخطط، ليس فقط لتحديث الخطة ولكن لمنح فرصة لأجيال جديدة من القيادات والعقول المعرفية التي تغذيها بشكل أعمق، كما لا ننسى أن دور القيادة لا يتوقف عند وضع تلك الخطط المستقبلية بل يجب أن تتأكد من تنفيذها وملاحظة أية انحرافات في الخطط والعمل على تلافيها.
وتأتي عملية الرقابة والتقييم للخطط الاستراتيجية المستقبلية في إطار كونها جزءاً ومكوناً رئيساً من عملية القيادة الجامعية للتأكد من صحة التفكير ودقة التخطيط وكفاءة التنفيذ، وإن عملية الرقابة تلك تمتد من التأكد من جودة التفكير الاستراتيجي، والتأكد من جودة الخطط الاستراتيجية، حتى التأكد من جودة الأداء الفعلي ومطابقته للمخطط المستهدف.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.