يوم الجمعة الأسود هو أهم يوم في موسم التسوق والشراء في العالم. الموسم الذي يمتد خلال شهري نوفمبر/تشرين الثاني، وديسمبر/كانون الأول. لأخذ فكرة أكبر عن حجم الإنفاق في يوم الجمعة الأسود، في عام 2018 تم صرف 717.5 مليار دولار، بمتوسط 1000 دولار تقريباً للمشتري الواحد، مع وجود 101.7 مليون مشترٍ في الأسواق.
أرقام ضخمة، وحجم إنفاق مهول في يوم واحد ينتظره التجار والشركات على أحرّ من الجمر، وينتظر المشترون تخفيضات الشركات والمحالّ التجارية، إذ تبدو العلاقة بينهم في هذا اليوم علاقة "ربح-ربح للجميع"، يستفيد الناس من انخفاض الأسعار، مما يؤدي إلى زيادة المبيعات وزيادة الإيرادات للبائعين.
لكن كيف بدأ يوم الجمعة الأسود، وكيف أصبح يوماً للتسوق، ولماذا يطلق عليه هذا الاسم؟
لفهم الـBlack Friday يجب أولاً أن نفهم لماذا يتم في الجمعة الأخيرة من شهر نوفمبر/تشرين الثاني تحديداً، وليس أي جمعة أخرى.
يبدأ موسم التسوق الخاص بأعياد الميلاد في الفترة بين عيد الشكر وعيد الميلاد. ويتم الاحتفال بعيد الشكر في الولايات المتحدة الأمريكية في رابع خميس من شهر نوفمبر/تشرين الثاني حالياً، لكن بدايته كانت في الخميس الأخير من شهر نوفمبر/تشرين الثاني.
في ثلاثينيات القرن الماضي، صادف شهر نوفمبر/تشرين الثاني 5 أيام خميس، ليصبح الناس والتجار في حيرة من أمرهم. واتّجه بعض رجال الأعمال إلى الرئيس الأمريكي روزفلت ليسألوه عن إمكانية تغيير موعد الإجازة، ليكون قبل أسبوع من موعده المعتاد -آخر خميس في الشهر- لإعطاء مدة أكبر من الوقت للناس للتسوق، مما يضمن المزيد من الإنفاق وإنعاش خزائنهم وتعزيز الاقتصاد الأمريكي.
وبعد ذلك قرَّر أن يكون عيد الشكر هو الخميس الرابع في شهر نوفمبر/تشرين الثاني، بدلاً من آخر خميس، لتجنب السنوات التي تحوي 5 أيام خميس في شهر نوفمبر/تشرين الثاني، من أجل إطالة موسم التسوق، وضمان تدفق الأموال.
لم يكن يسمى يوم الجمعة بالجمعة السوداء، ولكن كان يمسى "اليوم التالي لعيد الشكر"، لأن القاعدة التي أرساها التجار آنذاك كانت أن موسم التسوق يبدأ من اليوم التالي لعيد الشكر ويستمر حتى نهاية العام، لشراء هدايا عيد الميلاد. مع اتفاق التجار مع بعضهم البعض على عدم إعلان أي تخفيضات أو خصومات على منتجاتهم حتى يوم الجمعة. ليشهد يوم الجمعة التالي لعيد الشكر أكبر تخفيضات وتنزيلات خلال العام.
الآن بطل العجب من وقوع الاختيار على يوم الجمعة ليصبح علامة موسم التسوق في العالم، لكن لماذا تمت تسميته بالجمعة السوداء تحديداً؟
هناك عدة روايات مختلفة حول السر وراء التسمية، أشهرها وأكثرها مصداقية هي أن ضباط الشرطة في ولاية فيلادلفيا كانوا أول من أطلقوا عبارة الجمعة السوداء على يوم الجمعة بعد عيد الشكر، وكان ذلك في خمسينات القرن الماضي. كان ضباط الشرطة يداومون في مناوبات طويلة تتجاوز الـ12 ساعة بسبب زحام وتكدس المتسوقين في مراكز الولاية التجارية، ولم يحصلوا على أقساط كافية من الراحة في سبيل تنظيم هذه الحشود الضخمة من السياح والمتسوقين. وصادف ذلك العام أن أتت مباراة كرة قدم أمريكية مهمة مع الجمعة التالية لعيد الشكر، وفقد الأمن زمام الأمور، وتعرضت المتاجر لعملية السرقة والنهب، وخلقت فوضى كبيرة وازدحام مروري خانق، لذلك أطلقوا على ذلك اليوم الجمعة السوداء.
لدينا رواية أخرى تقول إن التجار هم من كانوا وراء تسمية الجمعة بعد عيد الشكر بالسوداء، بسبب الكم المهول الذي يحققونه من المبيعات وحجم التسوق، والذي يدفع الموارد المالية إلى الدخول إلى ما يسمى Into the black، أي تحقيق الربح والقدرة على سداد الديون. بينما تعني عبارة In the red أن تكون مدِيناً أو لا تجني دخلاً كافياً. إذ كانت تستخدم الشركات اللون الأحمر لتسجيل الخسائر، واللون الأسود لتسجيل الأرباح.
ويشهد اليوم الذي يُطلق عليه "الجمعة البيضاء" في البلدان العربية، لأسباب دينية، حركةَ بيع ضخمة للغاية مثل باقي بلدان العالم. وهذا بسبب التخفيضات الضخمة التي تقوم بها المتاجر الواقعية والإلكترونية، على حد سواء. لكن هذه المتاجر ليست حسنة النية بهذا الشكل لتقوم ببيع منتجاتها بالخسارة، إذ تستخدم المتاجر عدة حيل لتجذب المتسوقين إليها.
الحيلة الأولى: خلال الجمعة السوداء تجد تخفيضات هائلة تبدو على كافة المنتجات المطروحة في السوق، ولكن ما لا يعرفه أو ينساه الكثير من المتسوقين هو أن هذه المنتجات كانت عليها خصومات بالفعل طوال الموسم. مما يعني أن المنتج الذي تشتريه وتعتقد أن سعره قد انخفض بشكل كبير في الواقع لم يحدث له سوى تخفيض بسيط عن التخفيض الذي كان عليه طوال الوقت. أي أن مزاحمتك لكل هؤلاء العملاء والزبائن كانت من أجل تخفيض متواضع للغاية.
الحيلة الثانية: تقوم المتاجر بزيادة أسعار المنتجات زيادة طفيفة أو متوسطة قبل حلول الجمعة السوداء، لتبدو خصوماتها في أيام التسوق ضخمة للجماهير، فتجذبهم، ويقومون بشرائها، نظراً للفرق الكبير بين السعر المزيف والسعر المعروض.
الحيلة الثالثة: أغلب المنتجات والبضائع المعروضة للبيع في يوم الجمعـة السوداء عادة ما تكون بضائع قديمة لم تُبع في السنوات الماضية. وتحاول المتاجر التخلص منها وإفساح مجال بمخازنها وجني المستطاع من الربح من خلال إعادة تسويقها مرة أخرى وبأسعار مخفضة جداً.
ويقول المحرر عماد أبوالفتوح، في تقرير نُشر على موقع "ميدان"، إنه بحسب إحدى الدراسات نحو 93% من المتاجر قامت بعرض منتج واحد على الأقل في العام 2014 بالسعـر نفسه الذي عرضته الجمعـة السوداء للعام 2013.
الحل الأمثل لعدم الوقوع ضحية لهذه الحيل ولإغواءات العروض البرّاقة، هي أن يتم إعداد قائمة بالأشياء التي يرغب المرء في شرائها، وتحديد الأماكن التي تبيع هذه الأغراض، والتوجه إليها مباشرة لسد الحاجة، بدلاً من أن ينتهي بك المطاف بفاتورة ضخمة للغاية،، وأشياء كثيرة لكنها لا تلبي احتياجاتك.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.