مشكلتي مع النظام الإحصائي والحسابات المتبعة في كرة القدم بشكل عام هي كيفية الحساب من الأساس، إذ يقتصر اهتمامها فقط على مُسجِّل الهدف وصانعه؛ رغم أنه من البديهي والمعروف بالضرورة أنه ما كان ليتم تقديم التمريرة الحاسمة أو تسجيل الهدف لولا عمل المنظومة كاملة بالشكل الصحيح.
في كل منظومة يوجد من هو قائد في كل شيء، دفاعياً وهجومياً. في حالة ريال مدريد، هذا اللاعب هو الأوروغوياني الشاب فيديريكو فالفيردي.
ما يفعله فالفيردي منذ بداية الموسم، تحت إشراف وتوجيه المدرب زين الدين زيدان، هو أداء نادر الحدوث وأحد مظاهر الكمال فعلياً. ومع ذلك، فوفق النظام الإحصائي التقليدي، لم ولن يأخذ متوسط الميدان الشاب حتى نصف حقه الفعلي عن الأداء الذي قدمه طيلة المباريات الـ12 التي لعبها رفقة الملكي، لأنه سجل هدفين فقط. وهذا هو مكمن الخلل الذي قرر كل من ستيفان راينارتز ويانز هيغلير معالجته بوضع نظام جديد يهتم بكل شيء يحدث على أرضية الميدان.
يحكي ماتياس ساينز خبير البرمجيات، أن راينارتز اتصل به ليسأله الحضور إلى منزله، الاثنان كانا لاعبين لليفركوزن وهيرتا برلين على الترتيب. راينارتز قضى الأيام الماضية في تحليل عديد من المباريات، وأيقن أخيراً أن فكرته قابلة للتنفيذ. الفكرة القائمة على اعتبار التمرير أهم شيء في اللعبة، تطورت بعد ذلك لتدخل حسابات الجهد المبذول ونسبة نجاحه. على سبيل المثال، فإنه لحساب معدلات التمرير لا يمكن الاكتفاء بنسبة التمريرات الصحيحة أمام الخاطئة لتحديد جودة اللاعب وأهمية التمريرة. لذلك فإنه يتم قياس التمرير كوظيفة كاملة يؤديها اللاعب في أرضية الملعب، وأهمية كل تمريرة تتوقف على العدد الذي تخطته من لاعبي الخصم وهي تتجه للأمام، ومدى نجاح التمريرة في إيصال الكرة لزميل في وضعية جيدة تسمح له بصناعة الهدف أو تسجيله، وسيطلق على تلك القيمة معدل التخطي أو الـPacking Rate.
على سبيل المثال في مباراة الأمس، سجَّل فالفيردي أعلى معدل جَري (انطلاقات) حدث في مباراة منذ بداية الموسم في الدقائق الـ74 التي لعبها، ومن ثم سيأخذ 4 نقاط. أما صاحب أي هدف فيُحسَب له 3 نقاط، وبنزيما سجَّل هدفين سيأخذ 6 نقاط، وصانعه يُحسب له اثنان، ومن ثم سيأخذ فالفيردي عدد نقاط أكثر من صانع الهدف، لمساهمته الأكبر فعلياً في الهدف أكبر من صانعه.
قدَّم ريال مدريد ضد باريس سان جيرمان مباراة تُعتبر الأفضل لمدريد منذ بداية الموسم بشكل عام، ومن حيث الضغط تحديداً. حاول ريال مدريد إخراج من يستلم الكرة من جانب باريس عن اللعبة بأكملها، من خلال الإحاطة الكاملة بلاعب أو اثنين لمُستلِم الكرة الباريسي، بل تغطية اللاعبين بلاعبين آخرين، كي لا يتم استغلال المساحة المتولدة بسبب الضغط، وبسبب سرعة الرتم والتحولات الهجومية وعدم فقد الكرة بسهولة بين الخطوط.
كان الرد من توخيل أنه حوّل خطته من 4-3-3 إلى 4-3-1-2، وذلك بعد ثلث ساعة فقط من بداية المباراة. توظيف مبابي و "دي ماريا" على الخط في البداية كان لاستغلال المساحة خلف المدافعين، تحديداً خلف كارفخال ومارسيلو. ولكن بعد ذلك تم وضع دي ماريا في العمق، لإعطاء الأريحية لإيكاردي؛ إيكاردي واحد من أسوأ المهاجمين الذين يلعبون خارج منطقة الجزاء ومِن أفضلهم داخل المنطقة. لذا وجبت إضافة لاعب يجعل إيكاردي في المقدمة دائماً. وهنا جاء دور فالفيردي، ليس فقط بمراقبة دي ماريا رغم أنه نجح في ذلك، بل أيضاً بالخروج بالمرتدَّة على اليمين ومساندة كارفخال دفاعياً وهجومياً، ومساندة الهجوم بالكُرات الهوائية.
لاحظ فالفيردي أن دي ماريا لا يعود لمساندة زملائه دفاعياً في الوسط، فاستغل وجود ماركينيوس في عمق الملعب الباريسي، فقرر الضغط على حامل الكرة في منطقة الوسط مع كاسيميرو والخروج بالمرتدات.
لماذا إيسكو في تلك المباراة؟
طريقة بناء الهجمة الباريسية كانت تعتمد على تأخر ماركينيوس بين قلبَي الدفاع في أثناء تمرير الكرة للخروج بها، فكان المراقب والملاصق له في أثناء تلك العملية هو إيسكو، ليس فقط للضغط وقطع الكرة، بل أيضاً لتمركزه الجيد بين الخطوط واستغلال الكرة بمرتدَّة قريبة بين لاعبي مدريد، خصوصاً ناحية مارسيلو وهازارد على اليسار، لهذا لم نجد عملية الربط بين الخطوط لباريس طيلة اللقاء تقريباً.
نيمار كان الحل بالنسبة لتوخيل الذي أدخله بدلاً من غايا، الرد غير المقبول وغير المفهوم من قِبل زيدان كان بإخراج فالفيردي في الوقت الذي يحتاجه الفريق للحفاظ على النتيجة. هنا تحديداً بدأ الجميع يدرك أهمية فالفيردي، خاصة عندما انطلق مونييه في الهدف الأول لباريس في أنصاف المساحات بين مارسيلو وراموس، وانطلق مبابي في لقطة الهدف الثاني من المنطقة نفسها.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.