ألَّا تسمح لأحد بالتدخل فيك وفي خياراتك وألا يرميك بوابل من الكلمات المحاسبة وألّا يغدقك بالنّصائح التي تشعر أنت أنّها قديمة ولا تناسبك، ليس معناه أبداً أن تصرخ في وجه من تكلّم ولا حتّى أن يكون لك موقف صارم ولا تستمع لغيرك وأن تدخل في نقاشات حادّة لتقنع بوجهة نظرك أو لتضع قوانينك وقواعدك.
القاعدة السحريّة، هي أنّه إن وجدت نفسك في صراع خارجيّ مع أيّ كان فإنّ هنالك صراعاً داخليّاً أنت لا تنتبه إليه أو لا تريد أن تواجهه. فتندفع سريعاً للانفعال خارجاً. ما يتسرّب منك بردّة فعل عنيفة؛ صراخاً أو شجاراً أو جدالاً أو أيّاً كان هو أمر وخزك في أعماقك وداعب حقيقة مخفيّة فيك وتلك الوخزة تعني أنّ في داخلك موضوعاً ما ارتبط عندك بالفشل أو الشكّ أو النقص أو الخوف.
إن كنت منسجماً في داخلك مع أهدافك وأحلامك وماضيك وما أنت عليه الآن وصورتك التي تطمح مستقبلاً أن تكونها، فنتيجة ليس للعالم من حولك خيار آخر غير الانسجام.
"رتّب الداخل يرتب الخارج تلقائيّاً"
لم أكن أعي عمق هذا المعنى حتّى مررت بتجربة جميلة في تلك الفترة التي قرأت فيها هذه القاعدة وأدركت بها سحرها، وقتها اتّخذت قراراً يخصّني وحدي واتّخذته دون إذن من أحد، وفجأة تدخّل الجميع ينتظر تفسيراً وتبريراً ويلقي آراءه ويناقش وأنا كنت أنزعج، ومع كلّ انزعاج أسجّل هذا الكمّ من التدخّل فيّ وسط رأسي وأعود به بعدها للتفكيك. كلّ ما لم أخلص منه في داخلي كان يقال لي على ألسنة النّاس من حولي ببساطة.
وكلّما نظّمت الأفكار داخل رأسي وآمنت بكلّ زوايا القرار الذي اتّخذت وأعلنت في داخلي حقيقة أنّه لي وأنّني وحدي المسؤول عنّي، خفّت مشاركة النّاس بي.
ألم يعش أولئك جميعهم حياتهم بالواقع الذي صنعوه بأفكارهم ومشاعرهم وصوابهم وخطئهم، لأعش أنا أيضاً ووحدي أتحمّل نتيجة ما اخترت!
أمسكت كلّ أطراف حياتي التي كانت موزّعة هنا وهناك بيديّ وانتهى الأمر وسكنت الأصوات. وقتها تأكّدت أنّ القناعة والقرار الذي يكون ممتلئاً بك دون ثقوب وفراغات تسمح بها أن تتسرّب آراء الآخرين وقناعاتهم، لا تحتاج إثباتاً ولا حديثاً مطوّلاً لتصير أنت بها خارجاً. تعيش بها بصمت وهدوء وسريان بل ويستقبلها من حولك تشجيعاً وإعجاباً.
في اللّحظة التي تضع فيها يدك على قلبك، وتغلّف بنفسك حياتك بكلّ زواياها وتعلن أنّك أنت المسؤول، وحدك، وتسمح للجميع بأن يكون كما يكون دون رفض أو صدّ منك، وقتها سر في طريقك كما شئت لن يقف أيّ كان أمامك ليرجّك أو يعيدك إلى الخلف.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.