رغم تاريخ طويل من الصداقة بينهما.. لماذا لن تصبح تركيا بقيادة أردوغان حليفاً لأمريكا؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/11/25 الساعة 16:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/11/26 الساعة 09:47 بتوقيت غرينتش
الرئيس التركي أردوغان رفقة نظيره الأميركي ترمب

أسهمت عملية "نبع السلام" العسكرية التركية شمال شرقي سوريا في رص صفوف تنظيم "الدولة الإسلامية". وأفادت إدارة الاستخبارات بوزارة الدفاع الأمريكية في تقريرها، بأن التنظيم الإرهابي قد كثف نشاطه في سوريا والعراق، بالإضافة إلى اكتسابه إمكانات تخول له تنفيذ هجمات جديدة في كل أنحاء العالم.

كُتب التقرير الأمريكي بلغة رسمية جافة: "في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2019، بدأت تركيا العملية البرية والجوية ضد وحدات حماية الشعب الكردية شمال شرقي سوريا؛ وهو ما أدى إلى سلسلة من الأحداث أثّرت في عملية (العزم الصلب) ضد تنظيم (الدولة الإسلامية). فقد أثّرت هذه الأحداث في العلاقات بين الولايات المتحدة والأكراد وقوات سوريا الديمقراطية على حد سواء. استغل التنظيم الإرهابي التوغل التركي وتقلُّص الوجود العسكري الأمريكي، من أجل إعادة تنظيم صفوفه وتعزيز مواقعه في سوريا وتوسيع إمكانات الإعداد لهجمات جديدة في الخارج".

ما تصفه الوثيقة على استحياء شديد بأنه "التأثير على العلاقات بين الولايات المتحدة والأكراد"، هو في الواقع رفض من واشنطن لتقديم الدعم لأحد حلفائها الرئيسيين في المنطقة. إذا كان هنالك مِن وصف لما قامت به الولايات المتحدة مع الجماعات الكردية المسلحة، بعيداً عن لغة الخبراء المنمَّقة، فهو: الخيانة.

من الصعب الاعتراض على هذا الاستدلال، لأن التقاعس الأمريكي ترك الأكراد وجهاً لوجه مع تركيا، التي تسرع في اغتنام الفرصة وتطلق العملية العسكرية بكل عنفوان وقوة.

قدَّم الدبلوماسي الأمريكي رفيع المستوى ويليام روباك، نائب المبعوث الخاص السابق للتحالف الدولي، انتقادات شديدة إلى السياسة التي ينتهجها دونالد ترمب في المسألة السورية. وعلى صفحات صحيفة "نيويورك تايمز"، كتب روباك مقالة عنوانها: "نقف مكتوفي الأيدي والأتراكُ يطهِّرون الأكراد في شمال سوريا ويزعزعون جهودنا ضد (الدولة الإسلامية)"، وهو ما أثار مناقشات ساخنة في الساحة الأمريكية.

وجاء مضمون المقالة متناغماً بالكامل مع عنوانها، ورغم أن ويليام روباك نفسه  انتقد الولايات المتحدة، بسبب عدم بذلها جهوداً كافية لمنع التقدم التركي، فإن الدبلوماسي يلقي اللوم في كل الأحداث المؤسفة بلا تردد، على السلطات التركية. وحسب رأيه، فإنه حتى لو اتخذت واشنطن موقفاً أكثر حزماً وحسماً، لم يكن ذلك سيمنع الرئيس التركي رجب أردوغان من تنفيذ خططه. لكنه يستدرك بقوله إن "هذا الأمر ليس سهلاً، ومن الأرجح أن الجواب عليه هو لا. ولكن لن نعرف بالضبط لأننا لم نحاول".

وأضاف الدبلوماسي الأمريكي أن عملية "نبع السلام" ليست سوى عملية تطهير عرقي يقوده متطرفون إسلاميون ضمن المجموعات المسلحة الموالية لأنقرة، وأن العدد المتزايد لحالات الاغتيال والاختطاف للمدنيين، وضمن ذلك سياسيون ورجال دين، يدل على صحة هذه المزاعم. ويكمل روباك أن السلطات التركية "قليلة الحياء؛ تستغل هذه الأحداث من أجل ترويع أهالي شمال شرقي سوريا وإجبارهم على الفرار".

أصبح روباك، إلى جانب المبعوث الخاص إلى التحالف الدولي بريت ماكغورك وعدد من مسؤولي البيت الأبيض والبنتاغون، أحد أكثر النقاد صخباً لتركيا. وكما هو متوقع، وضعتهم وسائل الإعلام التركية ضمن "قائمة سوداء" من "مؤيدي الإرهابيين" الذين يرفعون صوتهم ضد تركيا.

بالتوازي مع الحملات الموجهة ضد الشخصيات المهاجمة لتركيا وعملية "نبع السلام"، تقوم السلطات التركية بتوسيع دائرة حلفائها. وآخر الداخلين إلى هذه الدائرة كان السفير  الأمريكي السابق لدى تركيا والمبعوث الخاص إلى سوريا جيمس جيفري، الذي ترسل تصريحاته حول "الشواغل المشروعة" لتركيا في المناطق الحدودية وتصريحاته أيضاً عن كون وحدات حماية الشعب فرعاً لحزب العمال الكردستاني، رسالة دعم واضحة للعملية العسكرية التركية شمال شرقي الفرات.

تحاول أنقرة جاهدةً استخدام كل أوراق الضغط المتاحة لها، كما تحاول استغلال حالة عدم الاتساق داخل الإدارة الأمريكية بالشكل الأمثل، مع توظيف خدمات جماعات الضغط في البيت الأبيض، وهذا ما سمح لتركيا بالاستفادة إلى أقصى حد من الوضع الراهن. لكن يُعزى ذلك إلى الجهود الشخصية للرئيس التركي رجب أردوغان.

بعد مكالمة مع أردوغان، 6 أكتوبر/تشرين الأول، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن قراره (الذي لم يتم تحقيقه كاملاً بعد)، انسحاب القوات الأمريكية من شمال سوريا، معطياً تركيا الضوء الأخضر لانطلاق عملية عسكرية ضد الأكراد. ورغم محاولات ترامب تسويق هذه الخطوة باعتبارها خطوة وفصلاً في قصة "نرجع جنودنا من هناك"، فإنه ساد رأس آخر يعلن أن الولايات المتحدة تلقت هزيمة مهينة من "حليفتها" تركيا.

كان الوضع ذاته يتكرر خلال زيارة الرئيس التركي لواشنطن، فرغم التصريحات الأمريكية القوية حول شراء تركيا أسلحة روسية، من بينها صواريخ إس-400 ومقاتلات سو-35، فإن الرئيس الأمريكي بدا مهزوماً أمام الداخل الأمريكي؛ لأنه استضاف زعيم الدولة التي تشن حرباً على حليف أساسي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

إن كان هنالك من نتيجة واحدة يمكننا أن نستنتجها من خضم كل هذه الأحداث، فهي أن تركيا تحت رئاسة أردوغان لم ولن تكون حليفاً للولايات المتحدة الأمريكية، وأنه يجب التخلي عن أي وهْم بشأن هذا الموضوع. في النصف الآخر من المشهد ستستمر خسارة واشنطن أمام تركيا، التي تحولت من صديق إلى عدو.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أحمد الخالد
كاتب
مدون عربي
تحميل المزيد